الدبلوماسيةُ المكثّـفة: عنوانُ الخطة “ب” ضد اليمن
موقع أنصار الله ||مقالات ||عبد الحميد الغُرباني
تواصلُ الإدارةُ الأمريكية التصريحاتِ المُكرَّرةَ بشأن دعمها إحلال السلام في اليمن، وهي تقدم هُدنةَ الستة الشهور وفترة التهدئة المنسحِبة عليها حتى الآن إنجازاً حصرياً بدبلوماسية جو بايدن، في تجاهلٍ للمتغيرات التي قادت للوصول إليها وَفي ظل صراع الأولويات بالنسبة لأمريكا نفسها، الادِّعاءُ الأمريكي ينطلق من سبق الإعلان عما وُسِمَ بالدبلوماسية المكثّـفة لإنهاء العمليات الهجومية على اليمن، في المقابل ثمة اعتقاد يمني راسخ أن الدبلوماسية المكثّـفة هي عنوان الخطة “ب” ضد اليمن، وأن واشنطن في التخطيط وَالتنفيذ تلعب دوراً فاعلاً ورئيسياً، وبالتالي هي المعيق الأول لإحلال السلام في اليمن، وَأن شواهد وبراهين ذلك كثيرة جِـدًّا، وفي الآتي من السطور يمكن استعراضها.
الأبرز منها:
أولا: تواصل الدور الأمريكي الرئيس في خنق الشعب اليمني وتعميق معاناته عن طريق الحصار وَالقيود المفروضة على الواردات التجارية وَتأخيرها وتحويل وجهتها وإغلاق وجهات السفر المتعددة من وإلى مطار صنعاء الدولي، وغير ذلك مما لا يمكن عَدُّه أَو اعتبارُه عملياتٍ دفاعيةً تنفِّذُها أمريكا وَالسعوديّة وَشركاؤهما ضد اليمنيين.
كيف يمكن التصديق أن لأمريكا مقاربةً أكثرَ دبلوماسية داعمة للسلام في اليمن في ظل تجزئة استحقاقات المِلف الإنساني وعدم الالتزام بتنفيذها بشكل عاجل، وَفي ظل رعايتها مقايضة هذه الحقوق بتنازلات مجحفة مطلوبة من اليمنيين، وسط ما يُشبه الإقرار من قبل معسكر العدوان أن الحصار الجوي وَالبحري يشكّل ورقة تفاوضية ضاغطة لفرض الشروط على الشعب اليمني؛ أي أن عرقلة أمريكا للسلام ترتبط بدرجة رئيسة بالتأثير الذي تحدثه الولايات المتحدة بشكل واقعي في مسارات مختلفة، أخطرها هذا المتعلق باحتياجات المواطنين وَمقومات الحياة من الغذاء إلى الدواء إلى المواصلات وحركة النقل والخدمات العامة المختلفة.
ثانياً: الأنشطة التي استغرقت الدبلوماسية الأمريكية المكثّـفة في اليمن طيلة الفترة اللاحقة لإعلان سياسة إدارة جو بايدن تجاه اليمن، ومن ذلك الإشراف والعمل على تجميع كُـلّ المليشيات المحلية على الأرض في كيان واحد كوكيل عسكري غير متعارض وَالتأليف بين أهداف السعوديّة والإمارات؛ لخلق موقف مشترك لهما وترتيبات أُخرى؛ بهَدفِ إيجاد توازن قُوى جديد، شكَّلت في هذا السياق مجلس قيادة المنافقين من مجموعة دُماها القديمة، أعادت أَيْـضاً تموضعات مليشيات النفاق؛ على أمل أن يُفضي لنتائج ومتغيرات ميدانية تُنهك صنعاء، وهي وإن كانت سرعان ما وجدت ارتدادات ما بعد تجربة تجميع الوكلاء للقتال في شبوة، ضربت في العمق الإماراتي، لم تطوِ الرهان على هذا المخطّط وَعلى طريق تثبيت تفتيت الجغرافيا الوطنية، أَو قل التقسيم وَالأقلمة وتخليق الصراع ويمننته، وَالانتقال به لمرحلة جديدة تضمن أوراقاً ضاغطةً على صنعاء.
ثالثاً: استمرار الحضور والانتشار الأمريكي في بُقَعٍ جغرافية استراتيجية محتلّة في سقطرى وحضرموت والمهرة و… إلخ، وفي ظل التدخلات المانعة للسيادة على الثروة الحيوية، وعلى رأسها النفط والغاز، وتعطيل توظيفها في الصالح العام لعموم اليمنيين، وعرقلة صيانة الباخرة صافر وتحويلها أدَاة تهديد للثروة البحرية وَوسط محاولات للوصول إليها بمدعاة إصلاحها لتمرير أجندات أمريكية استخباراتية.
رابعاً: تعليق الإدارة الأمريكية السلام في اليمن وَالمنطقة بأهدافها الاستراتيجية، وفي طليعتها أمن (إسرائيل) لدرجة التصريح أن لا سلام في اليمن والمنطقة إلا بـ(التطبيع مع إسرائيل)، هذه العربدة الأمريكية تربط السلام بشيء مستحيل بالنسبة للشعب اليمني الحُر، لشعب يرى فلسطين قضية القضايا ولا يمكن أن تشكل مدخلاً لإحلال السلام في اليمن.
خامساً: استمرار صفقات تسليح السعوديّة بالأسلحة الأمريكية الهجومية في ظل ادِّعاء حظر وتعليق جميع المبيعات، الهجومية والدفاعية على حَــدٍّ سواء للمملكة والإمارات، كيف يمكن لأمريكا أن تدعم إحلال السلام يمنياً وهي في الحد الأدنى لم تُعطِ الأولوية لحقوق الإنسان في علاقاتها مع المملكة، وأن المهم بالنسبة لها هو المربح أَو اقتصاد الحرب طالما كانت المصدر الأول لتسليح الأنظمة الغاشمة، تثبت الإحصائيات أن وتيرة بيع الأسلحة الأمريكية للسعوديّة، زادت في عام الهدنة أَو في ظل الحالة بين السلم وَالحرب القائمة في اليمن.
سادساً: الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن تمنع وضع آلية مساءلة حقيقية في الأمم المتحدة للتحقيق في الانتهاكات والجرائم ودعم الملاحقات القضائية المُحتملة في المستقبل للتحالف السعوديّ الإماراتي وَكُـلّ من ثبت تورطه معهما بشكلٍ أَو بآخر، أمريكا بالطبع تحمي نفسها وشركاءها الغربيين كالمملكة المتحدة وفرنسا وغيرهما، وتقدم الحماية والدعم لوكلائها المنفذين للعدوان على اليمن، أَو بجمل أُخرى، تواصل الولايات المتحدة عدم إظهار الالتزام الكافي لضمان المساءلة عن الجرائم المحتملة لحلفائها: السعوديّة والإمارات، ودورها في ذلك بعد سنوات من التجزير في المدنيين وتدمير البنى التحتية.
لما سبق من الطبيعي أن يعلو الصوت منادياً أن أمريكا عدو السلام في اليمن، وأنها وصلت الذروة في اتباع استراتيجية متكاملة للضغط على عموم المواطنين طيلة ثماني سنوات، وأن إطالة أمد استعراض الغطرسة الأمريكية السعوديّة، جاذبة لردة فعل يمنية انتقامية.