أميركا والتخلف عن سداد الديون: هل تعلن واشنطن افلاسها؟
|| صحافة || موقع العهد
تعيش الولايات المتحدة الاميركية هذه الأيام حالة من الهلع والقلق الشديدين، بعدما أقر الجمهوريون في مجلس النواب الأمريكي منتصف ليل 26/27 اذار/ مارس الفائت، مشروع قانون يرفع سقف الدين الوطني بالتوازي مع خفض الإنفاق الفيدرالي، رغم ما يرتبه ذلك من مخاطر باحتمال تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها، الامر الذي قد ينذر بمواجهة شرسة وقاسية مع الرئيس الامريكي جو بايدن على اثر رفضه قبول أي زيادة في سقف الدين تتضمن خفض الإنفاق. اكثر من ذلك، انتقد البيت الأبيض تبني هذا التشريع، الذي يقطع الرعاية الصحية عن المحاربين القدامى وأمريكيين آخرين، ويوسع التخفيضات الضريبية للأثرياء.
ما تأثير قضية الديون على الحكومة الامريكية والعالم بشكل عام؟
في الواقع، يحدد قانون يعرف “بسقف الديون” الحد الأقصى للمبلغ الذي يمكن للبلد اقتراضه. ونظرًا لأن الحكومة الامريكية تنفق بشكل روتيني أكثر مما تحصل عليه من الضرائب والرسوم ، بات يتعين على وزارة الخزانة اقتراض الكثير – مما يعني أنه يتوجب على المشرعين بشكل دوري رفع سقف الديون.
وبناء على ذلك إذا فشل الكونغرس في اتخاذ إجراء ما، ومعالجة هذه القضية الشائكة من خلال الاتفاق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فقد تعاني الحكومة من نقص في السيولة لتسديد المدفوعات المطلوبة من جميع الأنواع. وهذا يسمى التخلف عن السداد الذي يحذر الاقتصاديون من آثاره المدمرة على الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية، فضلا عن ان المواطنين الأمريكيين يخشون ان تنتهي المواجهة مع سقف الديون إلى إغراقهم مالياً.
وتبعا لذلك، نبّهت وزيرة الخزانة جانيت ل. يلين، الكونغرس من أن أموال الحكومة قد تنفد لدفع جميع فواتيرها في الأول من حزيران/ يونيو المقبل، وبالمثل فعل البيت الأبيض الذي حذّر من أن انتهاك سقف الديون يمكن أن يقضي على 8 ملايين وظيفة.
ما تجدر معرفته هنا، ان سقف الدين، يحددّ مقدار الأموال التي يمكن للحكومة الفيدرالية اقتراضها لدفع فواتيرها، وفي حين أن الحكومة الامريكية تنفق أكثر من جبايتها من الضرائب، فإن هذا الصراع الأخير يتعلق بالإنفاق.
كيف ينظر المواطن الأمريكي الى هذه المشكلة؟
يعتبر الخبراء الماليون ان ثقة المستهلك مهمة في الوقت الحالي ، حيث لا يزال الاحتياطي الفيدرالي يكافح التضخم والقلق بشأن الركود المحتمل في المستقبل، لاسيما بعد الإخفاقات المذهلة للعديد من البنوك الكبرى.
من هنا، فإن ما يقرب من نصف الأمريكيين قلقون بشأن سلامة الأموال التي لديهم في البنوك أو المؤسسات المالية الأخرى، وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب في نيسان/ أبريل الماضي ، أي بعد شهر من انهيار بنك وادي السيليكون وبنك سيجنتشر.
زد على ذلك، انه بالنسبة للعديد من المستهلكين الاميركيين ، لا يبدو المظهر السياسي منطقيًا من الناحية الاقتصادية.
ما حجم الدين الأمريكي حاليا؟
تبلغ ديون الولايات المتحدة 32 تريليون دولار تقريبا، وهو رقم تراكم في ظل حكم رؤساء ينتمون للحزبين الرئيسيين على مدى عقود. تنفق واشنطن الآن حوالي تريليون دولار كل عام، اي أكثر مما تجمعه من الإيرادات ، وهو ما يجبر وزارة الخزانة على الاقتراض لتعويض الفارق. وهذا يعني أن الدين القومي لا يزال ينمو.
الى جانب ذلك، فإن مشروع القانون الجمهوري المكون من 320 صفحة، يرفع حد سقف الدين حتى آذار/مارس 2024، ما يمهد الطريق لمواجهة أخرى، في خضم الحملات الانتخابية الرئاسية، أو حتى يصل الدين إلى 32,9 تريليون دولار. وعليه بدون تغييرات كبيرة ، سيكون الدين قريبًا كحصة من الاقتصاد، أكبر مما كان عليه عندما بلغ ذروته في نهاية الحرب العالمية الثانية.
المثير في الامر، ان معظم هذه الديون، كانت قد تراكمت على مدى السنوات العشرين الماضية. حيث ساهم أربعة رؤساء وعشر جلسات للكونغرس وحربان في مدّ الحبر الأحمر (اي في زيادة الديون). اما الفضل في ذلك، فيعود جزئيًا، إلى قرارات السياسية التي تم اتخاذها منذ أجيال ، خصوصا وان تكلفة الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية تزداد ، مما ادى الى رفع حجم الدين أيضًا.
كيف وصل الدين الأمريكي الى هذا الحدّ؟
دفعت القرارات والتخفيضات الضريبية المخالفة للميزانية، وصفقات الإنفاق من الحزبين والمبالغ الهائلة التي أنفقت للتعامل مع جائحة الفيروس التاجي، بالولايات المتحدة، الى الانغماس بشكل أعمق في ازمة الديون.
ففي العام 2012، قدّر مكتب الميزانية في الكونغرس، أن تخفيضات الضريبية للرئيس جورج دبليو بوش، أضافت ما يقرب من 1.5 تريليون دولار إلى الدين القومي.
بموازاة ذلك، ساهمت هجمات 11 أيلول/ سبتمبر وغزو الولايات المتحدة العراق، وقضاء امريكا ما يقرب من 20 عاما في خوض الحروب في الشرق الأوسط، في زيادة الإنفاق على البنتاغون والمحاربين القدامى. حيث وجد تحليل أجرته جامعة هارفارد، أن الصراعات في العراق وأفغانستان، كلّفت الأمة ما بين 4 تريليونات دولار و 6 تريليونات دولار.
كما ادى الجزء D من برنامج Medicare – وهو توسع كبير في برنامج Medicare الذي قدم تغطية الأدوية الموصوفة لكبار السن – الذي دخل حيز التنفيذ بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من توقيعه ليصبح قانونا من قبل بوش الابن، في ارتفاع اكلاف الدين الامريكي.
ليس هذا فحسب، تسببت أزمة الأسواق المالية في العام 2009، بحدوث ركود كبير. وقد أدى ذلك إلى توسيع الدين الوطني بشكل كبير على مستويين: الاول، انخفاض حاد في تحصيل الضرائب. والثاني، حدوث قفزة كبيرة في الإنفاق على إعانات البطالة المتزايدة، والبرامج الأخرى لمساعدة الناس على تجاوز الانكماش الاقتصادي.
أضف الى ذلك أن إدارتي بوش الابن وباراك أوباما، سنتا معا حوالي 2 تريليون دولار، لصرفها على إجراءات الطوارئ للاستجابة للأزمة المالية والركود الذي أعقب ذلك.
المفارقة، انه بالرغم من انتهاء صلاحية تخفيضات بوش الضريبية، وافق أوباما على جعلها كلها تقريبًا دائمة ، ومدّ الإعفاء الضريبي للجميع باستثناء الأمريكيين الأكثر ثراءً. المثير في الامر ان الجمهوريين في الكونغرس ايدّوا اوباما في تمديد بعض إجراءات التحفيز الاقتصادي في ذلك الوقت. اما النتيجة فكانت كارثية، وتمثلت بأن الصفقة في حينها، ستكلف حوالي 4 تريليونات دولار على مدى 10 سنوات، استنادا لمكتب الميزانية في الكونغرس.
ومع وصول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الابيض، وقع الاخير على مشروع قانون ضخم لخفض الضرائب، تضمن التركيز على خطة لخفض المعدل الذي تدفعه الشركات الأمريكية الكبيرة من 35 بالمائة، إلى 21 بالمائة. كما خفض القانون الضرائب بالنسبة لمعظم دافعي الضرائب الأفراد. وعليه قدرت اللجنة المشتركة للضرائب التابعة للكونغرس آنذاك، أن هذا الإجراء سيكلف ما يقرب من 1.5 تريليون دولار على مدى 10 سنوات.
وفي عهد ترامب ايضا، اتفق الديمقراطيون والجمهوريون في الكونغرس على زيادة الإنفاق الفيدرالي. حيث أضافت الفواتير مجتمعة 2 تريليون دولار إلى الدين الوطني ، وفقًا للجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة.
كما وقع ترامب على ثلاث حزم إغاثة رئيسية وافق عليها الكونغرس استجابة لوباء فيروس كورونا. الأولى والأغلى، هي صفقة بين الحزبين بقيمة 3.4 تريليون دولار تم التوصل إليها في آذار/ مارس 2020 . والثانية، بلغت قيمتها 900 مليار دولار في كانون الثاني/ ديسمبر 2020. وفي العام 2021 ، وافق الديمقراطيون بقيادة بايدن، على 1.9 تريليون دولار إضافية لهذه الغاية، بدون دعم جمهوري. وخلال الشهور الماضية، أعلن بايدن عن خطة بقيمة 400 مليار دولار لإلغاء ديون الطلاب، والتي تم تجميدها بسرعة في انتظار المراجعة من قبل المحكمة العليا الأمريكية. كذلك يدفع بايدن حاليا الكونغرس، إلى إنفاق المزيد على صحة المحاربين القدامى والبنية التحتية المادية والوكالات الحكومية.
في الختام، في حال تخلفت الحكومة الامريكية عن سداد الديون، من المرجح أن ينخفض سوق الأسهم، وما يزيد الطين بُلة، انه سيُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها شريك تجاري غير موثوق به في جميع أنحاء العالم. وبناء على تلك الأسباب، ستدخل الولايات المتحدة في حالة ركود، ستؤدي لفقدان الناس وظائفهم وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة ومعها الجريمة.