كيف هيمن الدولار وكيف ينهار والعالم يهلّل..

 

|| صحافة || الخنادق

قد يكون لدى الولايات المتحدة جيش قوي، لكن قوته الحقيقية تكمن في قيمة ومكانة عملتها. هكذا افتتح فرانك جوسترا مقالته على موقع معهد كوينسي تحت عنوان: التخلص من الدولرة: ليست مسألة إذا، ولكن متى؟، متحدثًا عن الميزة الفريدة للدولار والتي تسمح للولايات المتحدة بالسيطرة على النظام المالي العالمي، وعلى إدارة العجز الفيدرالي دون الحاجة إلى القلق بشأن العواقب، وعلى طباعة تريليونات الدولارات حرفيا من فراغ. كما تسمح لها بإبقاء الفائدة على ديونها المتراكمة منخفضة وتزويد مواطنيها بمستوى معيشي لم يكن ممكنًا لولا ذلك. ثم يتساءل: ولكن إلى متى سيستمر؟

يسرد الكاتب قصة هذا “الامتياز الباهظ” على الاقتصاد العالمي وكيف جاء صعود أمريكا من على ظهر دمار الحرب العالمية الثانية، حيث كانت تستحوذ على معظم احتياطيات الذهب في العالم ونصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو الأمر الذي مكنها من إملاء شروط اتفاقية بريتون وودز بين 44 دولة. إذ نصت هذه الاتفاقية على ربط الدولار بالذهب، بينما سيتم ربط عملات جميع البلدان الأخرى بالدولار، إلى أن بدأت الولايات المتحدة تعاني من عجز كبير خلال سياسة ليندون جونسون “البنادق أو الزبدة” في أواخر ستينيات القرن العشرين، والتي أدت إلى تبادل الدولارات مقابل الذهب، وبدافع القلق من استنفاد احتياطياتها من الذهب، اتخذت إدارة نيكسون قرارًا أحادي الجانب بإغلاق نافذة الذهب مؤقتًا، وتحويل الدولار إلى عملة ورقية. كان هذا بمثابة نهاية بريتون وودز، وبشّر بعصر أسعار الصرف العائمة التي لا تزال قائمة حتى اليوم.

ربطت الولايات المتحدة عملتها بالبترول عندما اكتشفت أن معيار الذهب سيستبعد الدولار الأمريكي. وهي سلعة عالمية تحتاجها كل الدول، فاتفقت مع السعودية أن تبيع النفط بالدولار مقابل الضمان الأمني، يكشف الكاتب عن محضر اجتماع أوروبي عام 1974 بين هنري كيسنجر ومساعد وزير الخارجية توماس إندرز، تم توضيح أنه لن يسمح بالمضي قدمًا. وكان لدى الدول الأوروبية ذهب أكثر من الولايات المتحدة. وإذا وحدوا قواهم، فسيمكنهم ذلك من تحديد سعر الذهب عند مستوى أعلى، وبالتالي خلق احتياطيات وائتمان إضافيين. وعلى حد تعبير كيسنجر، فإنهم سيكونون قادرين على إنشاء “آلة طباعة النقود”.

كما ذكر المحضر بوضوح أن مثل هذه الخطوة ستكون ضارة بمصالح أمريكا وأنه إذا جربتها أوروبا، فإن أمريكا “ستسحقها”. في نهاية المطاف، لكي تنجح الخطة كان على ألمانيا أن تتعاون. ولكن مع اقتراب الاتحاد السوفيتي من عتبة بابه، لم يكن في وضع يسمح له بعبور الولايات المتحدة.

 

لكن بحلول أواخر تسعينيات القرن العشرين، يورد الكاتب، بدأت بذرتان مهمتان في النمو: اقتصاد الصين والإسراف الأمريكي. ذلك أنها بحلول أوائل عام 1990، تحولت أمريكا من كونها أكبر دائن في العالم لتصبح أكبر دولة مدينة لها، وبدأ الاحتياطي الفيدرالي سياسة نقدية متهورة استمرت على مدى العقدين الماضيين. ثم في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، اشتكت الصين من كيفية قيام الولايات المتحدة بتخفيض قيمة الدولار من خلال تراكم الديون الكبير والطباعة المفرطة للنقود وبدأت في التعبير عن رغبتها في إدخال نظام مالي عالمي جديد.

كل ذلك كان إلى حين العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، يقول الكاتب. ويشير إلى أن واشنطن وعواصم الناتو لم تفرض عقوبات على روسيا فحسب، بل جمدت أيضا احتياطياتها من الدولار الأمريكي ومنعتها من نظام تحويل الدولار SWIFT. وعندما رأت الصين فرصة، انتبهت وشجعت الكثير من العالم على أن تحذو حذوها. بدأ السباق لإيجاد بدائل. وفي حين كان الغرب -برأي الكاتب- محقًا في مواجهة روسيا، فقد قلل من شأن الاستجابة العالمية لهذه العقوبات. وكانت دول البريكس وجزء كبير من الجنوب العالمي مترددين في قطع العلاقات مع روسيا لأسباب متنوعة: من الحاجة إلى النفط والغذاء والأسمدة والمعدات العسكرية، إلى الاستفادة من مجموعة فاغنر لمواجهة جهود مكافحة التمرد المحلية كما يقول.

وبالإضافة إلى أن الأنظمة المالية مبنية على الثقة، وإذا تم تسليحها، فإنها تفقد الثقة اللازمة للاحتفاظ بهيمنتها، استجمعت البلدان في جميع أنحاء العالم الشجاعة للبدء علنا في مناقشة إنشاء طرق بديلة لإجراء التجارة والاستيطان، فضلا عن خفض احتياطياتها من الدولار. وذلك في أقل من 12 شهرًا. معتبرًا أن دور التجارة والتسوية للدولار هو المكان الذي سيحدث فيه معظم الخروج وحيث سينخفض الطلب على الدولار بشكل أكثر حدة، وقد بدأت في البرازيل وعدة دول.

السؤال الحاسم بالنسبة للكاتب والذي لم تتم الإجابة عليه هو كيف ستستجيب الولايات المتحدة للتحركات الرامية إلى التخلص من الدولار. ذلك أن أي انخفاض مفاجئ في الطلب على الدولار الأمريكي يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على الأمريكيين. ويمكن أن يؤدي إلى تضخم مرتفع أو حتى مفرط، وبدء دورة طباعة الديون والنقود التي يمكن أن تمزق النسيج الاجتماعي. ويرى أن أي إدارة أمريكية ستعتبر في نهاية المطاف أي تحركات من هذا القبيل للتخلص من الدولار مسائل تتعلق بالأمن القومي، في المقابل فإن الكثير من المجتمع العالمي يهلل.

ثم يحذر الكاتب دول البريكس بأنه من النادر في التاريخ أن يتم نقل القوة الاقتصادية العالمية دون حرب كبرى. وينصح بعملية تسهّل الانخفاض التدريجي في الطلب على الدولار على مدى فترة طويلة من الزمن، مما يسمح للولايات المتحدة ودول أخرى بالتكيف وفقًا لذلك.

قد يعجبك ايضا