المناورة الرمزية الاستثنائية في لبنان وسياق تسخين الجبهات

 

محمد جرادات

اعتبرت المقاومة اللبنانية مناورتها العسكرية قبل يومين خطوة رمزية، فيما نظر لها الإسرائيلي باعتبارها الاستثنائيّ، وما بين الرمزية والاستثنائية مسافة آخذة بالتقلّص، منذ اجتاز حزب الله ومعه المحور محنة سوريا، ليعاد تنظيم أوراق الميدان جنوباً، وقد جاء التسخين الصاروخي المفاجئ في شهر رمضان ردّاً على قمع المعتكفين في المسجد الأقصى، وما شكّله من تكاملية أوّليّة للساحات، تعبيراً لا يخفى عن مدى هذا التقلّص بين رمزية المناورات على وضوح إيقاعها، وبين استثنائية الحدث بما يمثّله في كل جوانبه الفنية والتكتيكية.

تجاوزت مناورة حزب الله سقف معركة الوعد الصادق عام 2006، بما ظهر فيها من محاكاة عملية لصدّ غزو، وأسر جنود إسرائيليين، لما هو محاكاة لتوغّلٍ برّيّ في الجليل الفلسطينيّ المحتل، وهو تجاوز تدريبيّ عمليّ يأتي بعد معركة “ثأر الأحرار”، والفشل الإسرائيلي في الانتصار على الجهاد الإسلامي في غزة.

كما جاء بعد القصف الصاروخي الذي انطلق من لبنان لأول مرّة بهذا الكمّ منذ زمن بعيد، خاصة أنه جاء في سياق حدث فلسطينيّ، فهل يمكن النظر لهذه المناورة في السياق الدفاعيّ اللبناني، أم هو سياق فلسطيني بما يمثّله الوجع الفلسطيني من همّ عربي وإسلاميّ؟

كان السيد حسن نصر الله من الوضوح بما لا يخفى، قبل 3 شهور، وهو يحذر الأميركي وجماعته في لبنان، ومن خلفهم الإسرائيلي، في حال التمادي في دفع لبنان نحو الفوضى والانهيار، فإنّ عليهم أن ينتظروا الفوضى في كل المنطقة وفي مقدّمتها “إسرائيل”.

وأضاف نصر الله “كما كنّا جاهزين للحرب دفاعاً عن نفطنا، فنحن جاهزون لمدّ أيدي سلاحنا إلى إسرائيل، وعندما تمتد مؤامراتكم إلى اليد التي تؤلمنا أي ناسنا، فسنمدّ يدنا إلى اليد التي تؤلمكم وهي إسرائيل”.

معادلة حزب الله في حماية لبنان من المؤامرات الغربية، عبر الضغط على الخاصرة الإسرائيلية، قلبت طبائع الأشياء، فلبنان البلد الصغير في حجمه ومقدّراته، والمنكوب بالمؤامرات الداخلية والخارجية بلا انقطاع، استطاع عبر معادلة العيش على حدّ السيف، أن يحوّل رأس حربة الهجوم الغربي على العرب والمسلمين؛ “إسرائيل”، من عامل حاسم في الصراع، إلى عامل لبناني ضاغط على المؤامرات الغربية.

تراجعَ المخطّط الأميركي الراهن ضد لبنان، أو لنقل إنه تعثّر أو تريّث، خاصة في ضوء الاستدارة السعودية، من مسعّر طوعيّ دائم للصراعات الداخلية، إلى ساعٍ لإطفاء الحرائق الراهنة التي ساهمت بإشعالها، ولا يخفى أنه كان لتحذيرات حزب الله بنقل الأزمة من بيروت إلى الجليل دور أساس في التريّث الأميركي الراهن.

فهل جاء القصف الصاروخي في شهر رمضان على وقع الحدث الفلسطيني، رغم أن حزب الله لم يعلن مسؤوليته عنه، ثم هذه المناورة الرمزية باستثنائيتها، على وقع التحذيرات السابقة ضد الفوضى الأميركية، أم في سياق وضع مدماك إضافيّ في وحدة الساحات، أو بما يتداخل بينهما محلياً وإقليمياً، بما يُسخّن الميدان؟

سياق الأحداث في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتجدّدة على الأقصى وغزة وشمال الضفة، كما ضدّ سوريا وإيران، والعين لا تغادر لبنان، في وقت يعيد الأميركي ترتيب مؤامراته على لبنان، أو هو تموضع أميركي جديد على وقع التطورات، بما يشير إلى أن كلّ تسخين ميداني للمقاومة في لبنان، إنما يأتي على صدى حدَّيّ سيف ذي الفقار، حدّ دفاعيّ باستراتيجية حدّ هجوميّ، أو هو التعامل مع السرطان الإسرائيلي، باعتبار فلسطين قضية الأمة المركزية، وهي تعكس في مظلوميتها مجمل مشاكل الأمة في الحرية والتنمية والعدالة.

رمزيّة باستثنائيتها، كما هي رمزيّة في ميدانها الواقعي، تأتي هذه المناورة في محاكاتها القتالية ضد الإسرائيلي، لتسع جُلّ الأزمات الداخلية والخارجية، نظراً لما يمثّله هذا الإسرائيلي من تكثيف ملخّص لمجمل أوجاع الأمة وأزماتها، في وقت تخرج فيه المقاومة في فلسطين من معركة مع الإسرائيلي، لتدخل معركة أخرى، على وقع الجرائم الإسرائيلية المتلاحقة، في ظل صعود غلاة اليمين المتوحّش، وهو صعود يتحفّز للعبور نحو الإقليم على وقع دمويّته في نابلس وغزة، وسبق له أن اعتبر تفاهمات كاريش مع لبنان خضوعاً لمسدس حزب الله.

قدرة المقاومة في لبنان على تفعيل قائمة أهدافها ومراميها، على وقع أيّ تحرّك ضد الإسرائيلي حتى ولو بصورة مناورة رمزية ينقلها الإعلام المباشر؛ تدلّل على مدى فضاء هذه القدرة ويدها الطولى، ولعله يتجاوز مدى ترسانة المئتي ألف صاروخ، التي يتداول عددها العبريّ في مدى دقّتها ومرمى نيرانها، وقد خلت منها وعنها هذه المناورة الرمزية، وقد كشفت عن بعض ما يكفي لبث رسائل النار اللبنانية جنوباً نحو وجهة واحدة، ولكنها وجهة تكفي للضغط على زناد الأخضر واليابس بما يخلط كل الأوراق ويبعثر الملفات كافة.

أمانة وحدة الساحات، واستحقاقها الذي ظهر في تحذير السيد حسن نصر الله، خلال ثأر الأحرار، باعتبار المسؤولية الشرعية التي يمكن أن تفرض على حزب الله القيام بخطوة أو خطوات في المعركة، وهي معركة ثأر وردّ على اغتيال الشيخ خضر عدنان وكوكبة من قادة سرايا القدس، لتبدو ساحة الجنوب وجبل عامل تتوهّج بقرع طبول هذه المسؤولية وهذا القيام، وهو ما تجلّى للعين الإسرائيلية باستحقاق الحصانة لكل فلسطيني في كامل لبنان، كما هو في هذه المناورة، وقد تولّت مسؤولية تحريك المياه الساخنة في برنامج المحور عبر كل حبّاته المتلألئة.

المصدر: الميادين

قد يعجبك ايضا