الصداقة التي لا تقوم على أساس صحيح في الدنيا تتحول في الأخرة إلى عداوة

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

بالأمس كان مما تحدثنا عنه هو ما تجلى في عدة آيات من كتاب الله الكريم، تلك الحالة الرهيبة التي يمر بها كثير من الناس، ومعظمهم ـ فيما يبدو ـ هم من عامة الناس، من الأتباع عادة: أن هناك سيكون في يوم الحساب سيكون أيضًا في داخل النار نفسها تخاصم، وتشاجر، ولعن متبادل، وعداء شديد، وحسرات كبيرة جدًا تقطع القلوب.

وقلنا أيضًا: هذا يدل على أن هذه ستكون بين أطراف كان بينها في الدنيا علاقة قوية جدًا: قرين مع قرينه، تابع مع متبوعه، مرؤوس مع رئيسه، أمة مع أمة قبلها كانت تحتذي بها وتسير على نهجها، من كانوا أخلاء في هذه الدنيا، من كانوا أصدقاء في هذه الدنيا، ولكن صداقة لا تقوم على أساس صحيح، صداقة عشوائية، صداقة قد تحكمها، أو تدفع إليها، أو تعزز روابطها مصالح دنيوية لا يلتفت معها الناس إلى خطورة النتيجة.

{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ} يوم القيامة {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (الزخرف: 67) من كانوا في الدنيا متقين، أصدقاء مع متقين، أتباع لمتقين، قرناء لمتقين، هؤلاء هم من ستعظم فيما بينهم المودة، ويشكر بعضهم بعضًا في ذلك اليوم، ويرتاح بعضهم لبعض.

فلماذا تتحول كل تلك الصداقات إلى حالة عداء؟ ولماذا يتبخر في ذلك اليوم الحديث عن كل المصالح السابقة في الدنيا؟ يصبح كل التعبير هو عن خطورة الموقف الذي أصبحوا فيه، الذي لم يعد بإمكان أولئك أن يذكروا الآخرين بأنهم [لكننا في الدنيا عملنا لكم كذا وكذا، وفي الدنيا صنعنا لكم كذا وكذا]؛ لأن هذه لن تقبل إطلاقًا من الطرف الآخر.

عندما ذكَّر فرعون موسى ألم يذكره بنعمة {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}؟ (الشعراء:18) ألم يقل هكذا فرعون؟ في يوم القيامة تُنسى كل هذه تمامًا فيما بين الأصدقاء، إذا كان صديقًا ممن يضلك، ممن هو على ضلال في سلوكه، في اعتقاداته، في مواقفه، في توجهاته، قد يعمل لك في الدنيا الشيء الكثير لكن سترى أنه أضلك، وأنه أهلكك وأنه بئس القرين على الرغم مما عمل لك في الدنيا، فتقول له: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} (الزخرف: من الآية38).

أن تسمع من ذلك القرين كلمة أخرى يقول: [لماذا بئس القرين وأنا كنت في الدنيا أعمل لك كذا، وعملت كذا؟] هذه لا قيمة لها تمامًا، أصبحت لا قيمة لها نهائيًا؛ لأنه قال لك بئس القرين على الرغم مما قد عملت له في الدنيا.

وهكذا بالنسبة للكبار أيضًا المتبوعين مع الأتباع، يلعن بعضهم بعض، يتبرؤون من بعضهم بعض، وقلنا أيضًا: بأنه اتضح بأن معظم العذاب النفسي والحسرات هي تكون للأتباع أعظم من الكبار في هذا الجانب، {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}، {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} (فصلت: من الآية29).

عداوة شديدة، أين هم الذين أضلونا من الإنس والجن نجعلهما تحت أقدامنا في أسفل درك في جهنم، ندوسهم بأقدامنا، من العداوة، من الحقد، من الأسف، من الحسرة، من الندم؛ لأنه لا يدري ماذا يعمل إلا هذا، ذلك الذي أضله [يتركه يدوسه] بأقدامه في نار جهنم، وقد لا يحصل هذا أيضًا.

{حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ} (الأعراف: من الآية38)، أليست أمة تابعة لأمة كانت سابقة قبلها؟ {رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} (الأعراف: من الآية38) لكم ضعف وهم لهم أضعاف، لكم أضعاف عذابي؛ لأنكم كنتم تؤثرون اتباعهم، وكنتم تربطون أنفسكم بهم، وتنصرفون عن الحق، وتنصرفون عن الهدى، وأنتم متمسكون بهم.

{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} (البقرة: من الآية166) الكبار تبرؤوا من الصغار، والصغار هم من كانوا في الدنيا يصفقون لهم، ويؤيدونهم، ويدعمونهم بأموالهم وبألسنتهم وبأنفسهم، يوم القيـامة يتبرؤون منهم {وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} (البقرة: من الآية166) كل الوسائل تتقطع فيما بينهم، تحصل حسرات عظيمة، ولكن في أي طرف حكاها الله سبحانه وتعالى؟ وعمن؟ عن الكبار أم عن الصغار؟ الصغار هم من سيكونون أكثر أسفًا وندمًا {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} (البقرة: من الآية167) عندما رأوا أولئك تبرأوا منهم في هذا الموقف الصعب، وعرفوا بأنهم أضلوا أنفسهم لما اتبعوهم في الدنيا، يوم كانوا متبعين لهم في الدنيا، بسبب اتباعهم لهم في الدنيا، ورأوا بأنهم لا يمكن أن ينفعوهم بشيء في ذلك الموقف الرهيب، بل يتبرؤون منهم، يعلنون تخليهم عنهم في ذلك الموقف الصعب، تحصل حسرات شديدة، فيقول ماذا؟ {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ} (البقرة: من الآية167) ليت لنا كرة: نرجع إلى الدنيا مرة ثانية نرجع {فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا}. لا يوجد هناك رجعة نهائيًا.

{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (البقرة: من الآية167) ستجد هكذا الحسرات للأتباع؛ لأن الأتباع هم من يصعد على أكتافهم الظالمون، ومن بأموالهم وتأييدهم تشتد سواعد الطغاة والمجرمين، هم الجنود، هم التجار، هم الأعوان، هم من يصفقون، هم من يؤيدون. قد يكون هناك شخص واحد فقط موقفه بالنسبة للجميع كموقف الشيطان {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} (إبراهيم: من الآية22) وتلاحظ أن الحسرة تأتي بين هذه الأطراف التي كانت في الدنيا تسود ما بينها حالة من الود والتأييد والتعاون وغيره.

نجد أنه حصل مثلها مع إبليس في موقف الناس من إبليس، نقول: [نستاهل؛ لأننا كنا في الدنيا عارفين بأنه عدو، أليس كذلك؟ وعارفين بأنه يريد أن يضلنا، وعالمين بأنه يريد أن يدعونا إلى عذاب السعير، وعالمين بهذه الأشياء كلها، فنحن نستاهل أن يغوينا] أليس كذلك؟

لكن أن ترى نفسك أنك كنت تؤيد، وتنصر وتدعم، وتشجِّع وتجند نفسك ومالك مع أطراف هي ضالة ستكون الحسرة هنا، أنك أضعت عمرك مع طرف أودى بك اتباعه وتأييده ودعمه إلى قعر جهنم، وهذا الطرف يأتي يتبرأ علنًا مني في ذلك الموقف الحرج، فتكون الحسرة هنا على الأتباع أكثر.

لم يتحدث القرآن عن الحسرات بالنسبة للكبار، الكبار يكفيهم حسرة أنهم يحملون أوزارًا كثيرة من أوزار الذين يضلونهم، من أوزار الذين يخدعونهم، {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} (النحل:25).

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

سلسلة دروس معرفة الله

الدرس العاشر- وعده ووعيده

{رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ}

ألقاها السيد/ #حسين_بدرالدين_الحوثي

بتاريخ: 5 من ذي القعدة 1422هـ

الموافق: 29/1/2002م

اليمن – صعدة

 

قد يعجبك ايضا