العدوان السعودي: من “عاصفة الحزم” إلى عواصف “الهدن الإنسانيّة”

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي

بعد أقلّ من ساعة على دخولها، سقطت “الهدنة السادسة” في اليمن لتلحق بسابقاتها من الهدن الفاشلة، حيث وثّق الجيش اليمني أكثر من  114 خرقا لوقف إطلاق النار من قبل طيران العدوان السعودي ومرتزقته في عدد من المحافظات.
الاتفاق الجديد الذي سرى السبت، وما لبث أن سقط سريعاً، رغم أنّه جاء بعد ضغوطات دولية مورست على التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وسلطات الرئيس عبد ربه منصور هادي للقبول به، أكّد ماهيّة الواقع اليمني والعدوان القائم الذي يلوذ بعباءة المفاوضات والهدن التي تسقط قبل دخولها، الأمر الذي يدفعنا لإجراء قراءة دقيقة للمشهد اليمني منذ بدء العدوان تحت مسمّى عاصفة الحزم 25 بتاريخ  مارس – 21 أبريل 2015 وحتى الهدنة السادسة.
هروب هادي إلى عدن
بعد الهبّة الشعبية التي شهدتها العاصمة صنعاء إثر قرار الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي بتقسيم اليمن إلى ستّة أقاليم خلافاً لاتفاق السلم والشراكة والمبادرة الخليجية، هرب الرئيس اليمني من صنعاء إلى عدن ليعود عن استقالته ويعلن عدن العاصمة الجديدة الأمر الذي أعطى للسعودية ذريعة ببدء عدوانها على اليمن، موضحةً أن قرار التدخّل جاء بناءً على طلب الرئيس العائد عن استقالته، وقد اتخذت هذه الذريعة “قميص عثمان” في الأروقة الدوليّة، إلا أن هادي نفسه قد اعترف في فيديو مسرب تداوله نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، أنه تفاجأ “بانطلاق العملية العسكرية للتحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن والتي تتزعمها السعودية”، مؤكداً أنها بدأت قبل خروجه من اليمن وقبل وصوله الى الرياض.
عاصفّة الحزم
أعلنت السعودية عمليتها العسكرية تحت مسمّى عاصفة الحزم استجابة لدعوة الرئيس اليمني منصور هادي لدعم هذا البلد في مواجهة عدوان أنصار الله المتواصل استنادا إلي مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة وقد تم ذلك بجميع الآليات اللازمة بما فيها التدخل العسكري. إلا أنّه تبيّن لاحقاً أن العملية العسكرية السعودية قد بدأت قبيل وصول هادي إلى الرياض. العملية العسكرية اتسمت بالكثير من الدمويّة وتدمير البنى التحتيّة، إلا أنّها لم تخلُ أيضاً من الأهداف العسكرية التي زوّد هادي بها الطائرات السعودية، إلا أن هذه العملية لم تدم طويلاً حيث أعلنت قيادة العملية عن توقف عملية عاصفة الحزم في 21 أبريل 2015 قد حققت أهدافها كاملة ولكن الحقيقة أن هذا العدوان ساهم في قتل وتشريد الشعب اليمني وليس إنقاذه كما تدعي السعودية وهو ما يدخل في خانة الفشل في السياسة الخارجية، والمنحى الإنساني أيضاً.
في الحقيقة، الضغط الدولي على السعودية دفع بها لإجراء المناورة الأولى لكسب المزيد من الوقت في العدوان، وقد كان إعلان إنهاء “العاصفة” مخرجاً لذلك، للدخول في عملية جديدة “إعادة الأمل”.
إعادة الأمل
عملية إعادة الأمل التي جاءت جاء تحت ضغوط إقليمية ودولية ومن قبل الرأي العام بعد أن رأى العالم آثار الجرائم السعودية ضد الشعب اليمني، كانت مناورة لخداع الرأي العام لا أكثر، لا بل اتسمت بدموّية أكبر خصوصا بعد نفاد بنك الأهداف بعدما قصفوا جميع البنى التحتية والمستشفيات والطرق والمدارس ومخازن الأغذية والأدوية دون تحقيق أي هدف من الأهداف المعلنة منذ بدء العدوان، الأمر الذي دفعهم خلال هذه المرحلة التي تستمر حتّى يومنا هذا إلى اللعب على ورقة المدنيين عبر عدّة مجازر في كافّة المحافظات كان آخرها في تعز، وقبل مجزرة الصالة الكبرى التي حاولت السعودية التنصّل منها عبر تحميل قوّات هادي مسؤولية المجزرة الكبرى.
الحوار والمفاوضات..السعودية تعرقل
بعدها حاولت السعودية حرف الرأي العام عن المجازر التي تحدث في اليمن عبر عمل سياسي وعقد اجتماعات وما شابه ذلك، لتمثّل المفاوضات حول اليمن جرعة إضافيّة تستخدمها السعودية عندما يشتدّ الضغط الدولي. بدءاً من جنيف، مروراً بالكويت، وصولاً إلى مسقط لم يحصد الشعب اليمني سوى المزيد من الشهداء حيث ساهمت هذه الجلسات، التي كانت مطلباُ حقيقياً للداخل اليمني بغية وقف العدوان و رفع الحصار، في تشديد أزمة الشعب اليمني بدل تخفيفها.
خير تعبير على الوقاع السعودي في اليمن كشفه المبعوث الأممي السابق إلى اليمن جمال بن عمر الذي قال في تقرير نشرته صحيفة ذا وول ستريت جورنال الأمريكية :”إن الهجمات السعودية كانت سبباً في مضاعفة الخلافات وتعقيد المباحثاث بين الأفرقاء اليمنيين. ورأى بن عمر في عاصفة الحزم السعودية عاصفةً ذهبت بجميع الحلول السياسية للأزمة في اليمن وجلبت الخراب والدمار إلى هذه البلاد الفقيرة.
التحالف العسكري الإسلامي المزعوم
في ظل هذا المشهد الذي ارتفعت فيه الأصوات التي تنادي بدعم السعودية للإرهاب، كان لا بدّ من خطوة تحدّ من تأثيرات هذه الأصوات، لاسيّما أنها كفيلة بوقف العدوان بعد عشرات التقارير التي صدرت عن منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس وواتش، الأمر الذي دفع بالأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، للإعلان عن تشكيل تحالف إسلامي عسكري مناهض للإرهاب، وغرفة عمليات مشتركة للتنسيق مقرها الرياض.
الراحل العربي الكبير محمد حسنين هيكل علّق حينها على هذا الأمر في تغريدات على صفحته الشخصية في تويتر؛ “بعض الدول المشاركة في التحالف الإسلامي من أهم الداعمين لتنظيم داعش الإرهابي”، وأضاف: إن التحالف بلا تنسيق، وبلا رؤية، وبلا آليات محددة، و بأهداف مشتتة، و سبب تشكيله أنه الحل الوحيد للخروج من مأزق فشل “عاصفة الحزم”.
الهدن الستّ
رغم الدعم الأمريكي للسعودية، إلا أن حجم الجرائم حال دون استمرار للعدوان بشكل كامل، لتتخلّله بعض الهدن الشكلية التي تهدف لامتصاص غضب الشارع.
لم يكن امتصاص الغضب هو الهدف الوحيد، فبعد الأفول الميداني حاولت السعودية  التي تلهث لتسجيل نصر في اليمن، لاستخدام هذه الهدن بغية الانقضاض على قوات الجيش واللجان الشعبية التي لم تثبت في الميدان فحسب، بل رفعت سقف تهديداتها شيئاً فشيئاً عبر الصواريخ البالستية التي بلغت العمق السعودي، فضلاً عن معارك الجبهة الحدودية.
في الواقع، بدت الخروقات الهدن الإنسانيّة الثابت الوحيد في كافّة الهدن السابقة، بدءاً من الهدنة الأولى التي أعلنت في مطلع مايو (أيار) 2015 (مدّتها 5 أيام)، وانتهاءً بالهدنة الأخير التي بدأت السب لمدّة 48 ساعة، مروراً بالهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة بيل انطلاق مشاورات السلام في دولة الكويت، وبدأ سريانها في الـ10 من أبريل (نيسان) الماضي، وقبلها الهدن الأربعة خلال العام الماضي.
الخلاصة
يبدو واضحاً لعب السعودية على عامل الوقت للتغطية على  عدوانها ومجازرها، تارةً عبر المفاوضات وأخرى عبر الهدن الإنسانية، وأحياناً “الإرهاب” إلا أن الثابت الوحيد اليوم هو الحصار والمجازر التي ترتكب بحق اليمنيين من ناحية، والصمود الميداني للشعب اليمني من ناحية أخرى.
لم نذكر الخطوات السياسيّة اليمنية التي نعتبرها وليدة الصمود الميداني، ولا تلك الشعبية منها، المجلس السياسي الأعلى  الذي نال شرعيته الشعبية عبر الحضور المليوني في ساحة “السبعين” في العاصمة صنعاء يوم 21 أغسطس/ آب 2016 .

قد يعجبك ايضا