مناسبــة الغديـــر.. القصة والمضمون
في أواخر السنة العاشرة من الهجرة النبوية أعلم الله “سبحانه وتعالى” رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن أجله قد اقترب، وأن رحيله من هذه الحياة قد اقترب، ورسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” يفكر بهذه الأمة، ويهمه أمرها، ليس فقط في عصره، وفي زمنه، وللجيل الذي عايشه وعاصره؛ لأنه رسول الله للعالمين، إلى آخر أيام الدنيا، وتهمه أمته في مستقبلها، ما بعد وفاته، وللأجيال اللاحقة، هو رسول الله إليها جميعاً، وهو بما أخبره الله به، وبلغه الله به، وبما عرَّفه الله به أيضاً عن ماضي الأمم ما بعد أنبيائها، يعني: ما عرّفه الله به عن مستقبل أمته من جانب، وما بلغه وأخبره به في القرآن الكريم، وفي غير القرآن الكريم عن طريق الوحي، عمَّا حدث للأمم الماضية بعد أنبيائها، ومن ضمن تلك الأمم بنو إسرائيل، ما حدث في واقعهم بعد أنبيائهم، ما حصل في المجتمع البشري، وفي أمة عيسى “عليه السلام” بعده، وهكذا كان النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” يهمه مستقبل هذه الأمة، ويتألم ويقلق على هذا المستقبل، بما يحدث فيه من الفتن، والفرقة، والاختلاف، وما تواجهه الأمة من مخاطر وتحديات، وكان يلفت نظر الأمة إلى هذه المخاطر، إلى طبيعة هذه التحديات الآتية في واقع الأمة، وأكبر المخاطر على الأمة ما بعد نبيها، أي أمة، الأمم الماضية، وأمتنا بعد نبيها خاتم الأنبياء رسول الله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، هي الفتن، ومخاطر الانحراف والزيغ، والتحريف في الدين، هذه تمثل قضية خطيرة جدَّا.
ولهذا كان النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” يلفت نظر الأمة إلى هذه المخاطر، من ضمن ذلك ما ورد عنه أنه قال: ((أيها الناس، سُعِّرت النار، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم))، وكذلك تحدث عن الانحراف، فقال في الحديث المعروف عنه، روته الأمة بمختلف اتجاهاتها ومذاهبها: ((لتحذن حذو من قبلكم))، قالوا: اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: ((فمن؟))، وكذلك في روايةٍ أخرى، قال: ((لتحذن حذو بني إسرائيل))، حالة خطيرة جدَّا من الانحراف، تهدد الأمة في مستقبلها ما بعد وفاة رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، إلى درجة رهيبة، إلى درجة رهيبة جدَّا، إلى درجة أنَّ الجيل الذي عاصر الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، وسمعه، وعايشه من المسلمين، معرَّضٌ لهذا الخطر، ويواجه هذه الحالة الخطيرة جدَّا، فمن المعروف بين الأمة في مصادرها المعتبرة أنَّ رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله وسلم” قال: ((ليردنَّ عَلَيَّ الحوض))، يعني: يوم القيامة في ساحة القيامة، في ساحة الحساب، ((ليردنَّ عَلَيَّ الحوضَ رجالٌ ممن صَاحَبَني، حتى إذا رأيتهم))، يعني: قد اقتربوا مني، ((رأيتهم، ورفعوا إليَّ، اُختُلِجُوا دوني))، يعني: يحال بينهم وبين التقدم إليَّ، ويُذهَب بهم في الاتجاه الآخر، الاتجاه الذي هو إلى أصحاب النار، ((فأقول: أَيْ رب أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: بُعْداً بُعْداً))، وفي الروايات الأخرى: ((سحقاً سحقاً)).
هذه الحالة الخطيرة، التي تهدد هذه الأمة في مستقبلها ما بعد رحيل النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” منها، حالة خطيرة جدَّا، تهم رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، الذي هو كما قال الله عنه: ﴿وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾[الأحزاب: من الآية46]، نور، نور، وهادٍ للأمة، يحرص على هداية الناس، يقلق عليهم، ويخاف عليهم من الضلال، ومن الزيغ، ومن الانحراف؛ لعواقبه السيئة عليهم في الدنيا وفي الآخرة.
ولذلك اتجه رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”- بهدايةٍ من الله “سبحانه وتعالى”، وأمرٍ من الله “سبحانه وتعالى”- إلى القيام بترتيباتٍ مهمة، تساعد هذه الأمة لمستقبلها، وتهيِّئ لها سبيل الفوز، والنجاة، والأمان من الضلال، والأمان من الزيغ والانحراف، فهيَّأ في ذلك العام الذي هو السنة العاشرة للهجرة النبوية، الذي لم يلبث بعده النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” إلَّا شهرين وأياماً قلائل في العام الحادي عشر للهجرة النبوية، فرسول الله هيَّأ لحجة سمَّاها المسلمون ب (حجة الوداع)، وأعطى هذه الحجة اهتماماً خاصاً، فحرص على أن يستنفر الأمة من مختلف بلدان المسلمين، ليحضروا في ذلك الحج على نحوٍ غير مسبوق، وبأقصى قدرٍ ممكن، فاستدعى استدعاءً عاماً إلى مختلف البلدان، وطلب من المسلمين بأن يحضروا بأقصى حدٍ ممكن، وفعلاً كان الحضور في ذلك العام للحج مع رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” في حجة الوداع على نحوٍ غير مسبوق- ربما- من بعد وفاة نبي الله إبراهيم “عليه السلام” حتى ذلك العام، في واقع العرب لأول مرة يكون الحج بذلك العدد الهائل، بالنظر إلى عدد السكان في الجزيرة العربية، والبلدان التي كانت قد أسلمت، فالعدد كان كبيراً جدَّا مقارنةً بعدد السكان، وبالعدد المألوف في الحج، وبالعدد الذي كان يحج فيما قبل ذلك من الأعوام.
وحج رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وفي الحج حرص على أن يُشعِر المسلمين باقتراب أجله، وبأنَّ تلك الحجة هي حجة الوداع، أنَّ ذلك الحج سيودِّع فيه أمته، وأنَّ له أهمية خاصة؛ لأنه سيقدِّم للأمة فيه أهم التوصيات التي ينبغي أن تأخذها بعين الاعتبار في مستقبلها، وما بعد رحيله “صلوات الله عليه وعلى آله وسلم” عنها؛ ولذلك قال لهم في حجة الوداع في خطابه في عرفات: ((ولَعَلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا))، وكان يقول لهم في مقامٍ آخر: ((إني أوشك أن أدعى فأجيب))، فكان يشعرهم بقرب رحيله، وهذه مسألة هامة جدَّا، كبيرة، ومؤلمة، ومقلقة، وحسَّاسة، وتبرز عندها علامات الاستفهام: ماذا بعد رحيل رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”؟ كيف تفعل الأمة؟ لأن الدور العظيم الذي يقوم به الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” في قيادة الأمة، وهداية الأمة، دورٌ أساسي، ومعنى ذلك: أنَّ النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” برحيله سيترك فراغاً كبيراً جدَّا في واقع الأمة، فراغاً في هذا الموقع: موقع هداية الأمة، وقيادة الأمة على أساس منهج الله “سبحانه وتعالى”، ووحيه، وتشريعاته، وهديه، فالمسألة كانت في غاية الأهمية، ومسألة كبيرة جدَّا.
عندما عاد رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” من الحج، ووصل في الجُحْفَة إلى وادي خم، منطقة قريبة من مكة، هي ما قبل مفترق الطرق للحجاج، هي المنطقة الأخيرة قبيل مفترق طرق الحجاج، التي يتجهون منها إلى مختلف بلدانهم، ويتفرَّقون إلى مختلف بلدانهم.
والاختيار لذلك المكان كان بتدبيرٍ إلهيٍ، بتدبيرٍ من الله “سبحانه وتعالى”؛ لأن الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” في تبليغه لرسالات الله، سواءً في المضمون، أو الوقت، أو الطريقة، كان يعتمد على أمر الله “سبحانه وتعالى”، وتوجيهات الله “سبحانه وتعالى”، ووفق تدبير الله وأمره؛ ولذلك فمن العجيب أن يكون ذلك الموقع، أن تكون تلك المنطقة ما قبل مفترق الطرق، وكأن فيها إشارة إلى مفترق الطرق التي ستحدث في داخل هذه الأمة، في واقع هذه الأمة، في اتجاهات هذه الأمة، وما الذي يضمن لها أن يكون اتجاهها اتجاهاً صحيحاً، قبيل مفترق الطرق، إشارة عجيبة، ولفتة عجيبة جدَّا.
البلاغ الإلهي وحساسيته الكبرى
في ذلك الموقع، في تلك المنطقة، نزل عليه قول الله “تبارك وتعالى”: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾، هذه الآية المباركة- وهي من آخر الآيات القرآنية التي نزلت في تلك الفترة الأخيرة من حياة رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”- آيةٌ عجيبة؛ لأنها تضمَّنت التأكيد على النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” بإبلاغ أمرٍ في غاية الأهمية، أهميته لدرجة أنه لو لم يُبَلَّغ، فأثر ذلك على الرسالة بكلها، وكأنَّ رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” لم يُبَلِّغها أصلاً، ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾، مع أنه في تلك الفترة، تلك الأسابيع الأخيرة من حياته “صلوات الله عليه وعلى آله”، قد بلَّغ مبادئ الإسلام الكبرى: في مسألة التوحيد لله “سبحانه وتعالى”، وما يتصل بمعرفة الله، والفرائض الإلهية، وأركان الإسلام… وغير ذلك من الأمور الكثيرة، والتفاصيل الكثيرة، التي أتى بها عن الله “سبحانه وتعالى”، لكنَّ هذا الأمر له أهمية كبيرة جدَّا، يرتبط به استقامة أمر الدين، حيوية الدين، فاعلية محتوى الرسالة الإلهية في واقع الأمة، وبدونه تتعطل وتتجمد الرسالة الإلهية في فاعليتها، في أثرها المفترض، في دورها الكبير، في أثرها الفاعل في حياة الناس، ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾.
إضافةً إلى أنَّ هذا الأمر يمثل حساسيةً كبيرةً لدى الناس أكثر من أيِّ مسألةٍ أخرى، يعني: ليس هناك مسألة حسَّاسة عليها تنازع، عليها تركيز، عليها تشدد، تمثل حساسية كبيرة لدى الناس، مثل هذا الأمر، موضوع في غاية الحساسية لدى الناس، ولهذا أتى ما يعبِّر ويدل على هذا الأمر بكل وضوح، قوله “سبحانه وتعالى”: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾، المسألة في حساسيتها وتأثيراتها إلى درجة أن يتخوَّف النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” من التأثيرات السلبية التي يمكن أن تحصل في واقع الأمة، في واقع الناس، نتيجةً لإبلاغ هذا الأمر، ما قد يحصل من ردة فعلٍ سلبية جدَّا في الواقع، فالله طمأنه تجاه هذا الأمر؛ لأنه يخاف على الأمة، يخاف على المسلمين، يخاف على الإسلام، فطمأنه الله “سبحانه وتعالى” تجاه هذا الأمر؛ لأن الله سيتدخل، ولن تكون هناك أية ردة فعل تواجه هذا البلاغ في تلك المرحلة، فطمأنه الله بذلك.
﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾، يعني: سيسلبهم الله التوفيق والهداية، فلن يهتدوا إلى أي طريقة لردة فعلٍ يواجهون بها ذلك البلاغ أثناء تبليغه، وما بعد تبليغه في ذلك المقام.
الرسول الأكرم يخطب ويبلغ الأمر الإلهي
رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” بعد نزول هذه الآية المباركة، بهذا التعبير القوي، الذي يدل على أهمية المسألة الأهمية القصوى، تعامل مع عملية التبليغ بقدر الأهمية التي تدل عليها الآية المباركة، فعقد اجتماعاً استثنائياً طارئاً، أوقف الناس ما قبل الظهيرة، في وقت حرارة الشمس اللاهبة والشديدة جدَّا، في ذلك اليوم، أوقف الناس، وأمر بمن قد تقدَّموا أن يعودوا، وانتظر باللاحقين ليصلوا، حتى اجتمع الجمع بكله، كل أولئك الحجاج الذين كانوا برفقته في الحج، اجتمعوا بأجمعهم، أمر المنادي أن ينادي: (الصلاة جامعة)، هذا النداء كان يأتي ليس فقط للصلاة، كان يأتي أيضاً لكل أمرٍ مهم، لكل دعوةٍ يدعو الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” إلى الاجتماع من أجلها، أو موضوعٍ معين استثنائي يدعو الناس للاجتماع من شأنه، اجتمع الكل، وكان النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” قد هيأ مكان الاجتماع، فأمر بدوحاتٍ كانت (عدة شجيرات) كانت موجودةً في مكان الاجتماع، أمر أن ينظف ما تحتهن من الشوك، قُمَّ ما تحتهن من الشوك، وصلَّى تحتهن، صلَّى بالناس صلاة الظهر، وبعد صلاة الظهر التفت إليهم، وقام يخاطبهم، فقال:
((أيها الناس إن الله أمرني بأمرٍ، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾[المائدة: الآية67]))، ونادى علياً، وأخذ بيده معه، وأصعده معه على أقتاب الإبل، التي كان قد أمر أن ترص له وأن تهيأ كمنبر، ليظهر من عليه فيكون واضحاً أمام كل الجمع، أمام أولئك؛ عشرات الآلاف من الحجاج، فظهر على ذلك المنبر وبدأ خطابه، نحن اقتطفنا مقتطفات من خطاب الغدير من المصادر المعتبرة لدى الأمة بمختلف مذاهبها؛ لأن هذه النصوص وردت في مصادر الأمة بمختلف مذاهبها، وليست فقط لدى مذهبٍ واحد؛ لأن هذه المسألة ثابتة قطعاً، لا شك في ذلك.
كان في مقدمة خطابه “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” في ذلك الاجتماع، في المقدمة قوله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم” وقد أقام عليًّا عن يمينه: ((الحمد لله))، طبعاً بعد البسملة هذه مقدمة ((الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد ألَّا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، يا أيها الناس، إني قد نبأني اللطيف الخبير أنه لن يعمر نبيٌ إلا مثل نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني قد يوشك أن أدعى فأجيب))، وفي بعض الروايات في بعض المصادر: ((ألا وإني أوشك أن أفارقكم))، قوله: ((أن أدعى فأجيب)) يعني هذا، داعي الله “سبحانه وتعالى”: الرحيل من هذه الحياة، ((وإني مسؤولٌ، وإنكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟))، يوجه هذا الخطاب إليهم: ((فماذا أنتم قائلون؟))، قالوا: نشهد أنك قد بلَّغت، وجاهدت، ونصحت. شهدوا له بالبلاغ وإقامة الحجة، قال: ((أليس تشهدون ألَّا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق، وناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حقٌ بعد الموت، وأن الساعة أتيةٌ لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وتؤمنون بالكتاب كله؟))، فقالوا: بلى. أقروا بذلك.
ثم وصل إلى الموضوع الرئيسي للخطاب فقال: ((يا أيها الناس، إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه، فهذا عليٌّ))، وأخذ بيد عليٍّ “عليه السلام” ورفع يده مع يده، في بعض الروايات، حتى رؤيَ بياض أبطيهما، ((فهذا عليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله))، ثم قال: ((يا أيها الناس، إني فَرَطُكُم، وإنكم واردون عليَّ الحوض))، يعني: يوم القيامة في ساحة المحشر، ((وإني سائلكم حين تردون عَليَّ في الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر: كتاب الله “عزَّ وجلَّ”، سببٌ طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به، لا تضلوا، ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير، أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
ثم في ذلك الخطاب، وفي ذلك المقام يستشهدهم، يستشهد السامعين والحاضرين: ((ألا هل بلغت؟))، فيقولون: اللهم بلى. فيقول، ((اللهم فاشهد))، ويكرر ذلك، ثم قال لهم: ((ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب))؛ لأنه يريد أن يصل هذا البلاغ إلى الأمة بكلها، ثم نزل قوله الله “تبارك وتعالى”: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[المائدة: من الآية3].
وهكذا قدَّم رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” بهذا الإعلان ما يحل مشكلة الخطر الكبير الذي يهدد الأمة ما بعد رحيله، وما بعد وفاته “صلوات الله عليه وعلى آله”، من خلال هذا الإعلان. [مقتبس من خطاب السيد القائد (يحفظه الله) بمناسبة يوم الولاية 1443هـ]