ذكرى الولاية .. الأهمية – المفهوم – الثمار
ترتبط ذكرى الولاية-أو عيد الغدير-بأهم المبادئ التي أكد عليها ديننا الإسلامي، وهذا المبدأ هو مبدأ الولاية.
كمناسبة من أعظم المناسبات التي نحتفي بها، ونقف في هذه الذكرى لتجديد الولاء لله سبحانه وتعالى، وتجديد الولاء لرسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم، وتجديد الولاء للإمام علي عليه السلام، ولمن حمل لواء الهدى من بعده من الأعلام من آل بيت النبي صلوات الله عليهم أجمعين.
فما هو المقصود بالولاية، أو بمعنى أدق ما هو مفهوم الولاية؟
ولمن يجب أن نعلن-نحن المسلمين-ولاءنا؟
وما هي المواصفات والشروط القرآنية التي يجب أن تتوفر في ولي الأمر؟
ومن هو البديل عن ولي الأمر الذي ارتضاه وحدد لنا مواصفاته ديننا الإسلامي؟
وما هي ثمرة هذا المبدأ الاستراتيجي؟
وفي المقابل ما الأضرار والآثار السلبية الناجمة عن ترك هذا المبدأ؟
وفي هذه السطور سنحاول الإجابة باختصار عن هذه التساؤلات، من منطلق القرآن الكريم، ومن وحي أعلام الهدى
أهمية إحياء هذه المناسبة العظيمة
وقبل أن نستطرد في الإجابة عن هذه التساؤلات، يجب أولا أن نستعرض أهمية إحياء هذه الذكرى، التي حرص المجتمع اليمني بالذات على إقامتها لمئات السنين، وعلى مدى الأجيال والقرون الماضية، رغم كل المحاولات في العقود الأخيرة لإماتة هذه الذكرى، ومحوها من ذاكرة المجتمع، إلا أنها بقيت رغم كل المصاعب والتحديات.
إن إحياء هذه المناسبة له أهميةٌ كبيرة من جوانب متعددة:
أولاً/ من الشكر لله “سبحانه وتعالى”؛ لأنها مناسبةٌ عظيمةٌ، لها صلةٌ بكمال الدين وتمام النعمة، ففي هذه المناسبة نزل قول الله “تبارك وتعالى”: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: من الآية3]، وأيٌّ نعمةٍ أعظم من نعمة الله “سبحانه وتعالى” بالدين، وبكماله، وبتمام النعمة به، فهي نعمةٌ عظيمة، فواحدٌ مما نعبِّر به عن شكرنا لله “سبحانه وتعالى”: أن نحتفل، وأن نعترف لله “سبحانه وتعالى” بنعمته، وعظيم فضله، وأن نتوجه إليه بالشكر.
ثانياً/ الحفظ للنص والبلاغ النبوي العظيم، الذي نزل بشأنه آيةٌ عظيمة، هي قول الله “تبارك وتعالى”: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة: الآية67].
لذا فإنّ إحياء هذه الذكرى للحفاظ على هذا البلاغ، وإعلانه في أوساط الأمة جيلاً بعد جيل، فهو حفظ لبلاغ حرص النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” على أن يصل إلى كل الأمة، ويؤكد هذا الحرص ما قاله للحاضرين-وهم عشرات الألوف- قال لهم: ((ألا هل بلغت؟))، وعندما أقروا له بالبلاغ، قال: ((اللهم فاشهد))، ثم أكد على الحاضرين بقوله لهم: ((فليبلغ الشاهد منكم الغائب)).
ثالثاً/ الترسيخ لمبدأٍ عظيم، هو مبدأ الولاية، الذي يحمي الأمة من الاختراق من جانب أعدائها، ويحصنها من داخلها من تأثير المنافقين فيها، والأمة في أمسِّ الحاجة؛ لأن الأعداء يسعون إلى اختراقها فيما يتعلق بالولاية، الولاية لأمر الأمة من جانب، والولاء في الموقف من جانبٍ آخر.
مفهوم الولاية
على امتداد تاريخ البشرية، وفي مختلف المجتمعات (سواء كان هذا المجتمع عبارة عن جماعات بدائية، أو دول مستقلة، أو تحالفات دولية) وهذه المجتمعات ورغم اختلافاتها الشاسعة في التوجهات الدينية والفكرية، لا بد لها من قيادة تدير شؤونها، وتتولى حمايتها، وبالطبع يجب أن تدين هذه الجماعات بالولاء لمن يتولى زمام أمرها، وأن تؤمن بتوجيهاته، وضرورة العمل على تنفيذها بما يضمن أمن وسلامة المجتمع.
ومن هذا المنطلق تولدت فكرة الولاء للقيادة، وهذه الفكرة شائعة وموجودة في كل مجتمع، سواء كان هذا المجتمع مطبوعا بالطابع العقائدي كالمجتمع الإسلامي، وكذلك غيره من المجتمعات التي ترتبط بالفكر العقائدي كاليهود والنصارى والبوذيين والسيخ و…الخ، أم كان هذا الطابع سياسيا وهذا ما عليه كل الدول المستقلة، وقد يكون ما يجمعهم ببعضهم هو الطابع الاقتصادي كالرأسمالية والاشتراكية.
وجميع هذه المجتمعات والتكتلات تؤمن بضرورة فكرة وجود القيادة، وبنفس القدر تؤمن بضرورة الولاء لهذه القيادة؛ سواء كانت القيادة مجموعة أم شخصية محددة، فالمجتمع اليهودي مثلا له ولاء لما يسمونهم حكماء الصهيونية، والمجتمع النازي يدين لهتلر، والفاشية ولاؤها لموسوليني، والشيوعية الاشتراكية تؤمن بستالين ولينين، و…الخ.
ولكن الذي يهمنا هنا هو مفهوم الولاء في المجتمع المسلم، ومن المنهج القرآني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.
وكذلك من وحي الهدى النبوي الذي لا ينطق عن الهوى (صلوات الله عليه وعلى آله) والذي يروى عنه أنه في أثناء عودته (صلوات الله عليه وعلى آله) من حجة الوداع في السنة (العاشرة للهجرة) وبالتحديد في مكان يعرف بـ“غدير خمّ” نزل عليه قول الله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} فما كان منه إلا أن جمع الحجيج، ثم صعد فوق أقتاب الإبل أمام تلك الجموع، ورفع يد الإمام علي (عليه السلام) وقال ((يا أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه؛ فهذا عليٌ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
ومن خلال هذه الآية القرآنية الكريمة، ومن خلال هذا النص النبوي الشريف الذي هو مصداقٌ لها؛ ندرك أهمية مبدأ الولاية بمفهومها الإسلامي، وأنها ولاية رحمة، ولاية رعاية، ولاية لها ثمارها، ولها آثارها الإيجابية من ناحية النصر والتمكين والتأييد الإلهي الذي يتحقق للأمة به أن تكون حزب الله، وأن تحظى برعاية الله وهدايته ونصره وتأييده، كما وعد هو سبحانه وتعالى {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} وبهذا تحمي الأمة الإسلامية نفسها من الوقوع تحت هيمنة أعدائها، وتتحر من الولاية لأعدائها.
ومن الآية المباركة، ومن النص النبوي نتوصل إلى مفهوم “مبدأ الولاية” الذي يجب أن نفهمه، وأن نعيه، وأن نستوعبه، وأن نؤمن به، وأن يكون لنا مبدأ استراتيجيا في الحياة.
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ} ما هي ولاية الله لعباده المؤمنين؟
إنها ولاية رعاية، ولاية هداية، ولاية رحمة، يهديهم، يؤيدهم، يرعاهم بلطفه ورعايته في كل أمورهم وشؤونهم، ينصرهم، يوفقهم، يدبر شؤونهم، يحدد لهم ويقرر لهم الأسس والمعايير والمؤهلات لولاية أمرهم؛ باعتبار ذلك من تدبيره لشؤونهم، فهو من يتولى تدبير شؤونهم في كل مجالات الحياة ومختلف مناحيها.
بمعنى أوضح أن الله ولينا –نحن المؤمنين-، الله العظيم الرحيم هو الولي لنا، الله أرحم الراحمين، الله مَلك السماوات والأرض، وإله السماوات والأرض، وفاطر السماوات والأرض، الله قيوم السماوات والأرض، فهو سبحانه وتعالى هو وحده الولي لنا، وهو برحمته سيدلنا على طرق النجاة، ويحذرنا ممن طرق الهلاك، وهو بملكه وقدرته سيمدنا بنصره وتأييده، وهو بحكمته سيتولى تدبيرنا لكل سبل الخير في الدنيا وفي الآخرة.
فكيف نتولى الله؟
كيف يتحقق لنا أننا في واقعنا نتولى الله؟
لا يتحقق ولاؤنا لله، ولا يتأتى ولاؤنا له سبحانه وتعالى إلا
1-الإيمان بالله، فلا نشرك به أحدا، وتوحيده، ومعرفته حق المعرفة، مع كامل التسليم المطلق لربوبيته تبارك وتعالى.
2-الثقة بالله، والإيمان بصدق وعده ووعيده، في الدنيا والآخرة.
3-التوكل عليه، والتحرك الجاد والعملي على أساس التوكل عليه.
4-الالتزام التام بكل تعاليمه، ووجوب طاعته فيما أمرنا به، وجوب الترك لما نهى عنه.
5-التسليم المطلق والعملي لمنهجه سبحانه وتعالى، والإذعان لأوامره، فلا نستمد منهج الشرق ولا نأخذ بمنهج الغرب، بل يجب أن تكون منهجيتنا هي المنهجية القرآنية.
6-المحبة الصادقة والمخلصة لله تعالى، ولا ينعكس ذلك الحب لله إلا بتولينا لأوليائه، وعدائنا لأعدائه.
إذا توافرت كل تلك الخصال فحينئذٍ تتحقق لنا هذه الصلة “ولاية الله”، فحينما نتولاه، وننضوي تحت هذه المظلة “مظلة الولاية الإلهية” فإننا سنحظى بكل أنواع الرعاية التي يرعى الله بها أولياءه في مختلف شؤون حياتهم.
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}
من منطلق أن صلتنا بالله، والتي تحقق لنا الولاء له، وترشدنا إلى صدق التولي له، تتمثل في ركيزتين أساسيتين هما:
أولاً/ كتاب الله (القرآن الكريم)
ثانياً/ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فإنه لن يتحقق لنا التولي لله سبحانه وتعالى دون التولي لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
لا يتم لنا في واقعنا أن نتولى الله؛ إلا بالتولي لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، فولاية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هي امتداد لولاية الله {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} (الأحزاب: من الآية6).
وقال الرسول الأكرم (صلوات الله عليه وعلى آله): ((إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم)).
لذلك ندرك أهمية الولاية؛ لأننا نتحدث أساساً عن هذا المبدأ المهم، نتحدث عن ولاية الله، ثم ما هو امتداد لولاية الله سبحانه وتعالى.
هذا المبدأ المتصل بولاية الله سبحانه وتعالى، ثم ولاية رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ثم ولاية الإمام علي عليه السلام، لأن البعض ممن يعميهم الحقد والتعصب الطائفي والمذهبي لا ينظر إلى المسألة من بداياتها، ينظر فقط إلى مسألة الإمام علي (عليه السلام) ثم يكون له موقف سلبي تجاه مسألة ولاية الإمام علي (عليه السلام)، لأنه لم يلتفت إلى المسألة من أساسها ولا من بداياتها.
فولاية رسول الله هي امتداد لولاية الله، ولا تختلف في فحواها عن ولاية الله، فهي ولاية هداية وقيادة، يقود البشرية ويهديها على أساس ذلك الهدى، قال –صلوات الله عليه وعلى آله– :) 🙁وَأَنَا مَولَى المُؤمِنِين، أَولَى بِهِم مِن أَنفُسِهِم، فَمَن كُنتُ مَولَاه، فَهَذَا عَلِيٌّ)، وهو إلى جانبه، يمسك بيده، موجودٌ بشخصه واسمه، ويقدِّمه أمام الجميع (فَهَذَا عَلِيٌّ مَولَاه).
البلاغ النبوي ارتباط بمصادر الهداية
في تلك الفترة الأخيرة من حياته –صلوات الله عليه وعلى آله– كان يتحدث عن قرب رحيله من هذه الحياة، والرسول كان هو بنفسه مصدرَ هذه الهداية التي نرتبط بالله من خلالها، التي يصلنا من خلالها وحي الله وهديه ونوره، وكان هو القائم على تطبيق هذا الدين، والقائد الذي يسير بالبشرية في هذا الاتجاه، يتحدث عن قرب رحيله من هذه الحياة، وأنه سيغادر هذه الحياة، ويقول:)إِنِّي أُوشِكُ أَن أُدعَى فَأجيب)، يقول لهم في حجة الوداع:)وَلَعَلِّي لَا أَلقَاكُم بَعدَ عَامِي هَذَا(، وفعلًا بقي رسول الله –صلوات الله عليه وعلى آله–أقلّ من ثلاثة أشهر، ثم توفي ورحل عن هذه الحياة.
فإذًا، رسول الله –صلوات الله عليه وعلى آله– عندما بلَّغ هذا البلاغ الذي يقول الله عنه [وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ]، أتى ليقول للجميع، ولما الأمة معنيةٌ به عبر الأجيال إلى قيام الساعة، ولما أكَّده تأكيدات متكررة من خلال قوله):أَلَا هَل بَلَّغت، اللهم فَاشهَد(، من خلال قوله: (فَليُبَلِّغ الشَّاهدُ مِنكُم الغَائِبَ)، ليبقى هذا البلاغ للأمة جيلًا بعد جيل؛ لأنه يحفظ للأمة أهم مسألة تعتبر مصداقًا لقوله:[وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ]، أهم مسألة يعبِّر عنها هذا المضمون القرآني، الارتباط بمصادر الهداية.
أهم ثمار مبدأ الولاية
مبدأ الولاية يحمي الأمة من الاختراق
يجب أن نفهم أن هذا المبدأ العظيم مبدأ الولاية بمفهوم حديث الغدير، وثقافة يوم الغدير، ومناسبة الغدير، هو يضمن لنا النظرة إلى الإسلام في امتداده الأصيل والسليم والنقي الذي يبني الأمة، ويحمي الأمة من الاختراق، ويحمي الأمة من كل أولئك الطامعين والمضلين، الذين قدموا لهم رؤىً بديلة تبرر لهم السيطرة على هذه الأمة، وإدارة شؤون الأمة من موقع البغي والضلال، من قبل الجبارين والطغاة والمفسدين والظالمين والجائرين والمستكبرين، الذين ليسوا أمناء على الأمة في أن يديروا شؤونها.
مبدأ الولاية هداية للإنسان وصلاح للبشرية
والولاية بمفهومها الإسلامي الصحيح لأعلام الهدى الذين يمثلون امتداداً أصيلاً للرسالة السماوية، الذين اختصهم الله بالسير بالأمة على أساس منهجها الإسلامي العظيم في كل مجالاته: التربوية، التثقيفية…الخ، والتي تبني الإنسان أولاً هو حتى على المستوى التربوي، تهدي هذا الإنسان، تزكي هذا الإنسان، تربي هذا الإنسان، تصلح هذا الإنسان، تسمو بهذا الإنسان ليؤدي دوره العظيم في هذه الحياة.
وينعكس ذلك البناء للإنسان على مستوى المجتمع البشري، لأن الإسلام دينٌ عظيم إذا تمسكت به الأمة كما هو في أصالته، في نقائه، في مبادئه الحقيقية، في مشروعه العظيم، في أهدافه الكبيرة؛ فسوف تصلح البشرية وتصلح الحياة، ويصلح واقع الحياة، بما يحقق للناس الخير والعدل، ويسمو بالبشر في أخلاقهم، وسلوكياتهم وأعمالهم.
مبدأ الولاية ضبط للمسار واستقلال عن كل تبعية للطغاة
نحن في هذه المرحلة بأمسِّ الحاجة إلى الإيمان بهذا المبدأ العظيم، الذي يضبط مسار الأمة، الذي يحميها من الاختراق، الذي يجعل من انتمائها للإسلام ارتباطاً، وليس فقط مجرد انتماء شكلي روتيني اعتيادي، يقتصر على التزامات محدودة، ضمن طقوس معينة، ضمن عبادات معينة، ضمن أخلاقيات معينة، ولكن يحوّل انتماءنا للإسلام إلى علاقة وارتباط منهجي للحياة بكلها؛ حتى نعرف أننا أمة مستقلة، نعيش حالة الاستقلال التام الذي يفصلنا عن التبعية بكل أشكالها لأعدائنا من اليهود وغير اليهود، لأعدائنا من المستكبرين في هذه الأرض، من الطاغوت المنحرف عن منهج الله –سبحانه وتعالى– من كل الظالمين والمضلين والمفسدين في الأرض، نرى في الإسلام مشروعاً للحياة نسير عليه، ننعم به بكل ما تضمنه من توجيهات إلهية، نحظى فيه بالرعاية الإلهية.
المعايير القرآنية للنصر الإلهي لولي الأمر
من يتأمل في الآية المباركة التي قال الله فيها –سبحانه وتعالى-: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}؛ فإنه يرى بوضوح أن القرآن الكريم، بعد أن ربط ولاية الله سبحانه وتعالى بولاية الرسول صلوات الله عليه وآله، يُقَدِّمُ لنا الإمامَ علياً –عليه السلام– بمعايير إيمانية ومواصفات إيمانية، بعناوين إيمانية: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، هكذا تحظى الأمة من خلال هذا الارتباط الذي يصلها بمنهج الله كما هو، بتعليمات الله كما هي، بمنهج الإسلام بكل أثره في الإنسان: في نفسية هذا الإنسان، في أخلاق وسلوك هذا الإنسان، وفي وعي هذا الإنسان.
وبالتالي نحظى برعاية من الله –سبحانه وتعالى–نحظى بالنصر، بالمعونة، بالتأييد في مواجهة الآخرين الذين يسعون إلى الاستحواذ والتغلب علينا، من كل كيانات الطاغوت المستكبرة في الأرض، التي لا ترضى لنا بالاستقلال، هذا الاستقلال الذي نبنيه على أساسٍ من هويتنا، من انتمائنا الحقيقي الواعي الصحيح للإسلام.
الولاية انتماء واعٍ وبنَّاء
فالولاية تحول الانتماء للإسلام، تجعله انتماءً واعياً، انتماءً إلى المشروع وليس فقط انتماءً إلى الطقوس، وليس فقط انتماءً شكلياً روتينياً، بل انتماءً بنّاءً، انتماءً صحيحاً، انتماءً عملياً، انتماءً وارتباطاً بمصادر الهداية التي تتحرك بنا في هذا المشروع العظيم في واقع الحياة ليؤتي أثره وثمرته في واقع الحياة.
البديل عن مبدأ الولاية تبعية وتطبيع
نظرا لأن هذا المبدأ مبدأٌ عظيم ومهم، وأن الرؤية الناقصة –كما الرؤية المحرفة أيضاً- تفتح المجال لكل من هب ودب أن يأتي حتى باسم الإسلام، وهناك العديد من الشواهد الماثلة أمامنا في التاريخ: سواءً في العصر الأموي، أو العصر العباسي… أو غيره، إضافة إلى الشواهد الماثلة أمامنا في واقع الحياة من زعماء، من حكام، من جائرين، من طغاة، من مضلين يقدمون أنفسهم باسم الإسلام، يتحركون في الساحة بعناوين إسلامية، ثم نجدهم على ارتباطٍ تام بأعداء الأمة من المستكبرين، ارتباط وثيق بأمريكا، ارتباط التبعية، ارتباط الولاء لأمريكا، ارتباط العلاقة بأمريكا التي يتحركون من خلالها في واقع الأمة كأدوات لأمريكا، ثم تأتي العناوين الدينية التي يسعون إلى توظيفها واستغلالها في خدمة أمريكا.
ومن خلال مبدأ الولاية نجد ما يمكن أن يحد من هذا بكله، ويمنع هذا الاستغلال في التوظيف للعناوين الدينية في داخل الأمة الإسلامية، من خلال مبدأ الولاية الذي يفصلنا عن كل أولئك المستكبرين، وعن كل أولئك الطغاة والجائرين والمفسدين والمضلين.
مبدأ الولاية حلقة الوصل بمصادر الهداية
هذا المبدأ العظيم هو الذي يربطنا بالمسار الصحيح الذي تحكمه المعايير الإيمانية، والذي يصلنا بالإمام عليٍ –عليه السلام– بآل الرسول –صلوات عليه وعلى آله– برسول الله محمد –صلوات الله عليه وعلى آله– يصلنا بمصادر الهداية الموثوقة، المأمونة والمؤتمنة حتى لا نضل، مع القرآن الكريم منهجاً، مع أولئك كرموز وهداة وقادة وقدوة نعرف الحق، نرى طريق الحق، نرتبط بالهداية ضمن رموزها ومنهجها العظيم ومصادرها الصحيحة؛ فنتحرك في واقع هذه الحياة ونحن في المنهج الإلهي الذي يفصلنا عن كل المستكبرين والمضلين والمفسدين.
في هذه المرحلة أخطر ما تعاني منه الأمة، وأكبر التحديات التي تواجه هذه الأمة: هي سعي المستكبرين من أعداء الأمة، كيانات الطاغوت المتمثلة بأمريكا وإسرائيل، ومن يدور في فلك أمريكا وإسرائيل للسيطرة علينا كأمةٍ مسلمة، للتحكم بنا في كل شؤون حياتنا: السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، للتأثير علينا إعلامياً وثقافياً وتعليمياً، للتحكم بالمناهج، للتحكم بما يؤثر على الرأي العام بالتلقين الثقافي والفكري، حتى في الخطاب الديني.
ما يحمينا من كل ذلك هو هذا المبدأ العظيم الذي يضبط مسيرة حياتنا، ويربطنا بمصادر الهداية، ويربطنا بالامتداد الأصيل لحركة رسول الله –صلوات الله عليه وعلى آله– بدوره في الأمة، حتى ندخل ضمن قول الرسول –صلوات الله عليه وعلى آله-: (فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ، فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ)، لنؤمن بولاية الرسول، وبالتالي نؤمن بامتدادها في الأمة؛ لأن الذي لا يؤمن بامتداد ولاية الرسول في الأمة، وبترها بتراً، وجعلها ولايةً منحصرةً على عهد النبي –صلوات الله عليه وعلى آله– بلا امتداد صحيح يعبر عنها بالفعل، يعبر عنها بالحقيقة، هو ينظر إلى هذا الإسلام– كما قلنا– برؤيةٍ قاصرة، وينظر إلى ولاية الرسول برؤيةٍ بترت هذه الولاية وقطعت أو انفصلت عن امتدادها الصحيح، بكل ما لهذا الانفصال عن امتدادها الصحيح من تبعات كبيرة، على مستوى الضلال الفكري، والضلال الثقافي، والانحراف العملي.
الولاية حصن منيع من الانفلات في الولاءات والفوضى الثقافية
ما يحمينا من كل ذلك، ما يفصلنا عنهم، ما يغلق كل النوافذ بوجوههم هو هذا المبدأ العظيم؛ لأننا نخرج من حالة الفوضى، الفوضى الثقافية، الانفلات في الولاءات، الارتباطات غير المنضبطة، البيئة المفتوحة لمن هب ودب أن يتحدث باسم الدين، أن يقدم أي رموز أي ثقافة، والمهم فقط هو العنوان؛ أما المضمون والحقيقة فلا تركيز على ذلك، هذه هي الحالة التي تمثل سلبية كبيرة وخطورة كبيرة في واقع الأمة، هذه الحالة التي فتحت المجال للدواعش، للتكفيريين، لكل الفئات المضلة أن تتحرك في واقع الأمة، هذه الحالة التي أتاحت لأمريكا وأتاحت الفرصة لإسرائيل أن تخترق الأمة إلى عمقها في الداخل، وأن تتبنّى لها من يتحرك في داخل هذه الأمة بهذا العنوان أو ذاك العنوان، بذلك الاسم أو بذلك الاسم، بتلك الطريقة أو بتلك الطريقة، ويحاول أن يلبِّس على الأمة.
نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
اللهم إنا نتولاك، ونتولى رسولك، ونتولى الإمام عليًّا، ونتولى أعلام الهدى أولياءك، ونبرأ إليك من كل أعدائك، من المضلين، والكافرين، والفاسقين، والمنافقين، اللهم تقبل منا، إنك أنت السميع العليم.
وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛