ما الذي دفع الإمام الحسين “ع” للتحرك والتضحية؟
هذا هو الإِمَـام الحُسَـيْن “عَلَـيْهِ السَّـلَامُ” وهذه هي نظرتنا المبدئية تجاه الإِمَـام الحُسَـيْن “عَلَـيْهِ السَّـلَامُ” فما الذي حدث؟، التأريخ حكى تفاصيلَ واقعة كربلاء ونحن اليوم معنيون بتوصيف ما حدث وليس بذكر التفاصيل، فالمقام لا يتسع لها، ما الذي دفع الإِمَـام الحُسَـيْن “عَلَـيْهِ السَّـلَامُ” سبطَ رَسُـوْل الله مُحَمَّـد “صلى الله عليه وعلى آله” علَم الهدى وقرين القرآن إلَـى ذلك التحرّك الذي ضحى فيه بنفسه وضحّى فيه بأسرته وأهل بيته وضحّى فيه بالبقية الباقية من أهل الوفاء الذين كانوا أوفياء معه؟ ما هو ذلك التحدّي؟ ما هي تلك الأخطار؟ ما هي تلك الأحداث؟ إننا حينما نعود إلَـى تأريخ الأُمَّـة نجد أن الانحرافات الكبرى في واقع الأُمَّـة وأن المتغيرات التي عصفت بالأُمَّـة نتج عنها أمر خطير للغاية نتج عنها وصول شخص مجرم ظالم مستكبر طاغية مستهتر بالإِسْلَام جملة وتفصيلاً لا قيمة عنده لشيء في الإِسْلَام ولا من الإِسْلَام مستهتراً حتى برَسُـوْل الإِسْلَام بني الإِسْلَام، حتى بالقرآن الكريم، مستهتراً بالأُمَّـة الإِسْلَامية كلها، يرى فيها الرعية عبيداً، يرى فيها الأُمَّـة التي يريد أن يركعها له أن يخضعها له أن يستبعدها بكل ما تعنيه الكلمة، وصول هذا الطاغية نتيجة الانحرافات السابقة إلَـى موقع القرار إلَـى موقع السلطة إلَـى موقع الحكم أميراً على الأُمَّـة قائداً للأُمَّـة زعيماً للأُمَّـة سُلطاناً على الأُمَّـة كان يمثل خطورةً كبيرة جدًّا على الأُمَّـة في كُلّ شيء ابتداءً في هُويتها الإِسْلَامية ومبادئها وقيمها وأَخْلَاقها يمثّل خطورة حقيقية على الإِسْلَام كله جُملة وتفصيلاً؛ ولذلك كانت المسألة خطيرة جدًّا يترتب عليها نتائجُ كارثية في واقع الأُمَّـة يترتب عليها هدمٌ حقيقي لكل الجهود التي كان قد بذلها وقدمها رَسُـوْلُ الله مُحَمَّـدٌ “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” ومن معه مِن المؤمنين، وذهابٌ لكل تلك التضحيات سُدَىً واستئنافٌ للجاهلية بشكل أبشع وأسوء مما كانت عليه وبشكل فظيع في واقع الأُمَّـة من جديد.
فلذلك الإِمَـامُ الحُسَـيْنُ “عَلَـيْهِ السَّـلَامُ” كان ببصيرته العالية بعلمه بفهمه الصحيح وهو قرين القرآن الكريم شخّص حقيقة الخطر ومستوى الخطر، وبالتالي اتخذ قراره في طبيعة الموقف، فتحرّك، لم يقبل أبداً بالبيعة ليزيد ولم يقبل أبداً بالخنوع والسكوت والجمود؛ لأنه يدرك مدى خطورة ذلك، كان إيْمَـانه وكانت عزته وكانت قيمه نفسيته العظيمة التي تشبّعت بالإيْمَـان بكل ما في الإيْمَـان وبالارتباط الوثيق بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، كانت تأبى له أن يسكُتَ، أَوْ أن يخضع، أَوْ أن يستسلم، أَوْ أن يتقبل بهذا الواقع السيءِ، وكانت مسئوليته من موقعه بالمسئولية تجاه أمة جَدّه تفرضُ عليه أَيْضاً أن يتحرّك في أَوْسَاط الأُمَّـة وأن ينادي بأعلى الصوت وبكل قوة بالموقف الحقّ وأن يدعوَ الأُمَّـة إلَـى التحرّك الصحيح لرفض كُلّ ذلك الباطلِ السيء الذي يراد له أن يُفرَضَ عليها وأن يتحكم بها، فالإِمَـام الحُسَـيْن “عَلَـيْهِ السَّـلَامُ” تحرّك عن وعي، عن بصيرة، عن قناعة راسخة، تحرّك بحركة القرآن، بما يمليه عليه القرآن، بما تمليه عليه هويته الإيْمَـانية، وارتباطه الوثيق، وبما تفرضه عليه المسئولية، تحرّك بكل عز، وبكل إباء، وبكل شموخ، وهو يقول: ((وَيَزِيدٌ فَاسِقٌ فَاجِرٌ، شَارِبُ الخَمْرِ، قَاتِلُ النَّفْسِ المُحَرَّمَة، مُعْلِنٌ بِالفُسْقِ وَالفُجُور، وَمِثلِي لَا يُبَايعُ مِثلَه)).
الحالة الجديدة التي قد سادت في واقع الأُمَّـة وفي أَوْسَاط الأُمَّـة بكل ما تمثّله من خطورة رهيبة على الأُمَّـة يرى أن هناك شكلاً جديداً للإِسْلَام ليس هو الإِسْلَام المُحَمَّـدي ولا الإِسْلَام القرآني، هو الإِسْلَام بلباسه الأموي بثوبه الأموي الجديد، ثوب النفاق ثوب الضلال الذي يريد أن يسودَ في واقع الأُمَّـة، إِسْلَامٌ لا يبقى منه إلا شكليات مجيّرة بما يخدم الظالمين مجيّرة فيما يفيدُهم ويدعم موقفهم، تبقى المساجد لخدمتهم والمنابر لخدمتهم وَالمال العام لخدمتهم وبعض العناوين الدينية التي تفرَّغ من محتواها الحقيقي، ثم تُضَمَّنُ بمحتوى آخر هو باطل هو ضلال هو فساد، يبقى العنوان عنواناً إِسْلَامياً والمضمون مضموناً أموياً نفاقياً كله ضلال وكله طغيان وكله انحراف بالأُمَّـة.. يرى هذا الواقع المُر، هذا الواقع المأساوي الذي عبّر عنه بقوله وهو ينادي في أَوْسَاط الأُمَّـة: ((أَلَا تَرَونَ أَنَّ الحَقَّ لَا يُعمَلُ بِه، وَأَنَّ البَاطِلَ لَا يُتَنَاهَى عَنه))، الحق يزاح من واقع الحياة يبقى الإِسْلَام بدون حقٍّ، أي إِسْلَام هذا الذي أزيح منه الحق؟!، الحق بكل تفاصيله الحق في عقيدة الأُمَّـة في ثقافة الأُمَّـة الحق في سياسة الأُمَّـة الحق في العمل والحق في الموقف والحق في السلوك الحق يزاح من واقع الحياة يبقى الإِسْلَام حينئذ وقد أزيح عنه الحق مجرد عناوين شكلية مجيّرة لصالح الطغاة ولصالح المستكبرين، أما الباطلُ فهو الذي يسود ويحضُرُ، فتحت الغطاء له عناوين إِسْلَامية، تحته الباطل بكل تفاصيله الباطل ظلمٌ، الباطل فساد، الباطل منكر، الباطل بكل ما يشمل ويتضمن، حينئذ تكون العملية عملية مسح لهوية الأُمَّـة وعملية تفريغ للدين الإِسْلَامي من محتواه الفاعل والحيوي والمهم والبنّاء والمفيد في واقع الحياة، هذا الذي رأينا آثاره السيئة في واقع الأُمَّـة على مدى تأريخها وإلى ما وصلت إليه اليوم وهو واقعٌ مأساوي ومرير.
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
ذكرى عاشوراء 1438 هـ