واقعة كربلاء.. الأبعاد والدلالات 

 

فهذا الوداع الخاص بالإمام الحسين “عليه السلام” الذي ودَّعه به رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، يبين لنا علاقة الحادثة والواقعة بالرسول نفسه حتى “صلوات الله عليه وعلى آله”، وفعلاً كان من الأهداف الرئيسية ليزيد لعنه الله: أن ينتقم من رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، لا زالت عنده عقدة الانتقام من خلال الموروث الجاهلي، هو لا يزال يحمل الموروث الجاهلي، والموقف الجاهلي، الذي تصدَّر فيه بنو أمية الحرب ضد رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” على مدى سنواتٍ طويلة إلى حين فتح مكة، واستسلامهم في فتح مكة.

فيزيد بعد استشهاد الإمام الحسين “عليه السلام”، وحين وصل جنوده برأس الإمام الحسين “عليه السلام” إليه، قال شعره المشهور الذي كانت بعض أبياته لأحد شعراء المشركين، والبعض من أبياته من يزيد نفسه، فتمثَّل ببعض الأبيات، وأضاف إليها أبياتاً أخرى، ذلك الشعر الذي يقول فيه:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا          جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحاً    ثم قالوا: يا يزيد لا شلل

فجزيناهم ببدرٍ مثلها     وأقمنا ميل بدرٍ فاعتدل

لست من عتبة إن لم أنتقم         من بني أحمد ما كان فَعَل

يزيد يعتبر معركته في الأساس معركة انتقامٍ من رسول الله نفسه “صلوات الله عليه وعلى آله”، فلذلك كان للحادثة والواقعة علاقة بالرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، هي حربٌ تستهدفه، تستهدف الانتقام منه، وأيضاً بما يمثِّله الإمام الحسين “عليه السلام” في امتداده بحمل الدين الإسلامي، وموقعه في هداية الأمة، واستمراره في الحركة بالدين الإلهي، ما يمثِّله أيضاً من صلةٍ بالرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، وبمشروعه الإسلامي العظيم، الذي هو الإسلام بنقائه وصفائه.

لهذه الحادثة هذه الأهمية، هذه الأهمية الكبيرة، ولهذا يعتبر يزيد نفسه منتقماً من رسول الله في معركة بدر، ويعتبر واقعة كربلاء انتقاماً من رسول الله تجاه واقعة بدرٍ، وغزوة بدرٍ الكبرى، ويقول عن نفسه:

لست من عتبة إن لم أنتقم         من بني أحمد ما كان فَعَل

يقصد النبي “صلوات الله عليه وعلى آله وسلم”، فلهذه الواقعة هذا البعد، الذي يعود بنا إلى أصل الصراع ما بين الإسلام وبين الكفر، ما بين رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وما بين المشركين الكافرين، الذين حاربوا الإسلام، وعملوا على إطفاء نور الله، ففشلوا وأخفقوا.

ثم لهذه الواقعة علاقتها بالأمة، من حيث ما يمثِّله الحسين “عليه السلام” للأمة؛ لأن العلاقة بالحسين “عليه السلام” هي علاقةٌ به في موقعه في هداية الأمة، هو رمزٌ عظيمٌ من رموز الإسلام، من رموز الهداية، من نجوم الهداية، هو من قال عنه رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”: ((حسين مني، وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسينٌ سبطٌ من الأسباط))، فمحبته من الإيمان، وتوليه جزءٌ من ديننا، من التزامنا الإيماني والديني، وهو في موقع الأسوة، وموقع القدوة، وموقع الهداية، وموقع الامتداد الأصيل للإسلام ومنهجه الحق؛ فلذلك للمسألة علاقة بالأمة في الأجيال كلها، وعلى امتداد تاريخ الأمة في كل زمن، إضافةً إلى ما قاله الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” عن الحسن والحسين: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خيرٌ منهما))، ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة))، ليس هذا فقط يعبر عن فضلهما العظيم ومنزلتهما في الجنة فحسب، بل يبين لنا أيضاً منزلتهما وموقعهما في دورهما في الأمة، في إطار الامتداد الأصيل لمنهج الله الحق، للإسلام العظيم، للسير بالأمة في طريق الجنة، في الهداية إلى الجنة، وإلى طريق الجنة، والهداية إلى الله “سبحانه وتعالى”، والهداية إلى الحق المبين.

الإمام الحسين “عليه السلام” أيضاً في قضيته التي تحرك بها، وتصدى من خلال تحركه للانقلاب الأموي، الذي كان كارثةً كبيرةً وخطيرةً على الأمة الإسلامية، وأتى نتاج انحرافٍ سابق، انحراف أوصل بني أمية إلى ما وصلوا إليه من التمكن والانقلاب على الإسلام، وعلى منهجه الحق، والسيطرة على الأمة، والتحرك بمشروعهم النفاقي، بعد أن مرَّت مرحلة طويلة وهم يصارعون الإسلام، ويحاربون الرسالة الإلهية، من موقعهم في الشرك والكفر، انتقلوا إلى مربع النفاق، إلى موقع النفاق؛ لمحاربة الإسلام من الداخل، مع أن يزيد كان يصرح في بعضٍ من المقامات حتى بكفره، كفره بالرسالة، مثل شعره عن الانتقام من رسول الله، هذا يعتبر من الكفر، أن يعتبر رسول الله عدواً له، ويعتبر نفسه في خصومه وحرب وعداء مع رسول الله، ويتحرك للانتقام من رسول الله، أليس ذلك من الكفر؟ يعتبر ذلك من الكفر، مثل شعره أيضاً عندما قال:

لعبت هاشم بالملك فلا   خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل

تصريحٌ واضحٌ بالكفر، والجحد بنبوة النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، وإن كان يتستر أحياناً بالتظاهر بالإسلام، لكنه كان يظهر في مواقف معينة، في مقامات معينة، في مناسباتٍ معينة، حقيقة كفره وإلحاده.

فالإمام الحسين “عليه السلام” تحرك فيما يعني الأمة، الأمة مهددة، وبلغ التهديد ذروته في عصر يزيد، من خلال سعيه لإحياء الموروث الجاهلي، وطمس معالم الإسلام، ومن خلال ما كان يمثله من تهديد وخطورة بالغة على المسلمين في كل شأنهم؛ لأنه كان فاسداً، مجرماً، ظالماً، غشوماً، وكان مستهتراً، مستهتراً بالإسلام، مستهتراً بالرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” مستهتراً بالمقدسات، لا حرمة عنده لأي شيءٍ يمت إلى الإسلام بأي صلة؛ ولذلك فعل الأفاعيل، قتل عترة رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، انتهك حرمة المدينة المنورة، واستباحها، واستباح أهلها، استباح الدماء، فقتل الآلاف في مدينة رسول الله، واستباح الأعراض، فاغتصب جيشه النساء في مدينة رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، واستباح الأموال والممتلكات، فنهب كل شيءٍ في المدينة، حتى نُهِبت المنازل والدور، ونهبت المطابخ، ونهبت كل مقتنيات أهل المدينة، واستباح مكة المكرمة، واستباح الكعبة، واستباح مسجد رسول الله، وقتل الناس على قبر رسول الله، حتى أغرقه بالدماء، واستباح الكعبة وأحرقها بالمنجنيق، واستهدف مكة، لم يكن عنده أي حرمةٍ لأي شيءٍ من مقدسات الإسلام، ولا من حرمات المسلمين، يستبيح كل شيء، ولذلك كان يشكل خطورة رهيبة جداً على الأمة، في دينها ودنياها، وكان يسعى لاستعبادها بكل ما تعنيه الكلمة، بل إن قائد جيشه الذي غزى المدينة المنورة، مدينة رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، واستباحها وفعل الأفاعيل فيها، عندما جمع من بقي من الناس، ممن سلم من القتل، أجبرهم على البيعة ليزيد، وكانت الصيغة التي ألزمهم بالبيعة من خلالها: أن يبايع كلٌ منهم على أنه عبدٌ قِنٌّ خالصٌ ليزيد بن معاوية، له أن يفعل به وبماله وأهله ما يشاء، يعني: استعباد بشكل صريح، بشكل صريح، بشكل معلن، بشكل رسمي، وهذه كارثة، هذا تهديد فظيع للأمة، استعباد للأمة، وإذلال، وإهانة، وظلم، وانتهاك للحرمات، وطمس لمعالم الإسلام، فشكَّل تهديداً كبيراً جداً، وسعى بشكلٍ حثيث لإحياء الموروث الجاهلي، وشكل خطراً كبيراً على الأمة، لو لم يتحرك الإمام الحسين “عليه السلام” للتصدي له، لكان له تأثيره الرهيب جداً، الذي يستحكم على كل واقع الأمة بشكلٍ تام، ثم تبقى تأثيراته، ويبقى امتداده في الانحراف الكلي في الأمة بشكلٍ عام بشكلٍ يستمر على مدى الزمن، ويؤثر على الأجيال اللاحقة، كانت المسألة خطيرة جداً، خطيرة.

فالمسألة لها علاقةٌ بالأمة في كل مراحل تاريخ الأمة، من حيث مضمون القضية، وسبب المشكلة، وما يشكله يزيد من تهديد للأمة، ما يمثله من شرٍ، وضلال، وكارثة رهيبة جداً، وما كان لموقف الإمام الحسين “عليه السلام” وتضحيته وجهاده من أثرٍ مهمٍ وكبيرٍ جداً في الحد من تداعيات وتأثيرات وصول يزيد إلى موقع السلطة بانقلابه، وانقلاب أبيه من قبله، وما وصَّلهم إليه كذلك وما وصلوا إليه من تمكين نتيجة الانحراف السابق، كل ذلك يحسب للإمام الحسين “عليه السلام”، ويقدِّم لنا الصورة الحقيقية عن تلك الأحداث، وعن علاقتها بنا كأمةٍ مسلمة في كل مراحل التاريخ.

الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام

 

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

ذكرى عاشوراء 1444 هـ

قد يعجبك ايضا