صورة بيع الدين الأكثر سوءا حين يكون بيع الدين باسم الدين

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

ألم يقل الله: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} (الزمر:47) لو أن لك الأرض بكلها، ومثلها معها، وملؤها ذهبًا، يوم القيامة عندما ترى جهنم، عندما تُبَرَّز جهنم للغاوين فتسمع شهيقها وزفيرها، وتسمع صراخها المرعب توَد لو أن الدنيا بأضعاف ما فيها لك لسلمتها فدية مقابل أن تنجى، أليست الدنيا إذًا ثمنًا قليلًا؟ أليست ثمنًا قليلًا؛ ولهذا تجدون في كل موضع يقول:(ثمنا قليلا، ثمنا قليلا).

كلنا سواء من ينطلقون مقابل مصالح مادية، أو من ينطلقون باسم الدين نفسه فيتكيف مع هذا، وينسجم مع هذا، ويكتم جزءًا من الدين من أجل أن يرضى عنه هذا، أومن أجل أن يحصل على مساعدة منه، يقف معه موقفا باطلًا من أجل أن يدفع له أكثر حتى يتمكن من إقامة مراكز أكثر، ويقول باسم الدين، من أجل نصر المذهب [وسهل هذه ليست مشكلة، وسهل ذي الموقف يدخل معهم فيه وإن كان باطل] هذا نفسه من بيع الدين، هذا نفسه من بيع الدين بثمن قليل، بل هذا أسوء من الآخرين.

الذين باعوا الدين وهم حملة الدين، أو يكونوا في مواقفهم وإن كان من باب مراعاة المصلحة للدين، إنهم أسوء وأكثر أثرًا وضررًا على الأمة؛ لأنه إذا باع أهل الدين الدينَ فمن أين ستلقى الدين نظيفًا ونقيًا؟ بنو إسرائيل عندما باعوا الدين باعوه وهم حملته فكان بيع الدين هو إضلال للأمة؛ لأنهم من ينظر إليهم الناس في مختلف مراحل التاريخ أنهم الجهة التي يتلقون منها إرشادهم وتعليمهم، ويتلقون منها الكتب التي أورثهم الله إياها.

نحن كذلك إذا ما انطلقنا وقلنا: لدينا مشاريع دينية، ثقافية دينية، ولكن لا بأس ندخل مع هذا الحزب أو مع هذا، ونحاول أن نحصل على مساعدات من هنا أو من هنا، [وسهل نسكت عن هذه، ونسكت عن هذه، ونسكت عن هذا المبدأ، ونلغي هذا المبدأ، ونقف في هذا الموقف]، إنه من بيع الدين، إنه من بيع الدين في العصر الذي الأمة أحوج ما تكون إليه كاملًا ونقيًا.

أولسنا نرى الدين الآن على رقعة واسعة من الدنيا هذه؟ أليست البلاد العربية كلها تحمل اسم بلاد إسلامية؟ أليست هناك شعوب أخرى تمتد إلى أوساط آسيا، وإلى أوربا، وإلى بلدان أفريقيا، أليست رقعة البلاد الإسلامية واسعة؟ أليست إذًا مساحة الدين منتشرة بشكل واسع؟ لكن ما بال هذا الدين لم يعمل شيئًا لهذه الأمة؟ ما باله؟ إنه قدم ناقصًا.

حينئذ سيكون عملك وأنت مرشد، وأنت تملك مشروعًا ثقافيًا دينيًا لن يعمل شيئا للأمة، ولست تختلف عن الكثير من أمثالك، وعمن يملكون أكثر مما تملك من مشاريع دينية على طول وعرض هذه الرقعة الإسلامية الكبيرة، ممن لم يقدموا للأمة الحلول التي تضمنها ديننا، الحلول التي تضمنها كتابنا، الحلول التي وجهنا إليها نبينا (صلوات الله عليه وعلى آله).

ثم يقول: حفاظًا على المذهب، حفاظًا على الدين، مراعاة للمصلحة العامة! وكأن الدين أمامه هو أن يرى أن مدرسة كهذه أصبح في قاعتها ألف طالب، هذا هو الدين! إن هناك ألف مليون، هناك ألف مليون مسلم، أليس كذلك؟ فأنت تقول: ألف طالب أصبح لدينا (15) ألف طالب، لدينا (20) ألف طالب، لدينا كم معاهد، لدينا كم مراكز، عبارات من هذه.

انظر إذا كنت ممن لا يعمل على أن يقدم الدين كاملًا بنقائه وإن كنت تشعر بخطورة بالغة عليك فإن تلك الأرقام لا تشكل أي شيء في إضافتها إلى هذه الأمة التي هي أوسع مما لديك، والكثيرون داخلها يمتلكون أكثر مما تمتلك.

إن بيع الدين – سواء من قِبَل من يحملون اسمه، ومن يتحركون باسمه، أو من قبل بقية الناس – مقابل مصالح مادية لا يبررها إطلاقًا، لا تجد مبررًا لها إطلاقًا، لا أن تقول: حفاظًا على المصلحة العامة، ولا أن تقول: حفاظًا على المذهب، ماذا يضرنا إذا سكتنا عن هذه مقابل أن يبقوا لنا [حي على خير العمل]، ويبقوا لنا أشياء من هذه الأخرى؟ فهذا هو المذهب نحافظ عليه!

هذا ليس مبررًا، أنت تريد أن تحافظ على الدين، أنت تريد أن تعمل للدين؟ إن الدين للأمة، فانظر ما الأمة بحاجة إليه، انظر وضعيتها، وحلل وضعيتها، وانظر ما هو الذي ضاع من الدين في أوساطها فانطلق لتحييه إنه الدين، والحفاظ على الدين، والحفاظ على المصلحة العامة للأمة، أنت تريد أن تحافظ على المصلحة العامة للأمة، أو لبلد، أو لشعب فحافظ على الدين بأكمله أن يُقدم لتلك الأمة، أوليس الدين لمصلحة الأمة؟ إن الدين لمصلحة الأمة فمن يهمه مصلحتها فليقدم الدين لها كاملًا، وليوجهها بتوجيه الدين كاملًا.

أما إذا قدمت الدين منقوصًا فأنت من تضرب الأمة وإن قلت من أجل مصلحة الأمة، وأنت من تضرب الدين وإن قلت حفاظًا على المذهب وعلى الدين، الله لم يفرق، هو الذي تكفل بالمصلحة العامة لعباده، متى؟ متى ما ساروا على دينه على نحو كامل وصحيح، أما إذا آمنوا ببعض وكفروا ببعض، ألم تضرب المصلحة العامة في الدنيا والآخرة؟ {لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (المائدة: من الآية33) ألم يقل هكذا؟ الخزي في الدنيا هو حفاظ على المصلحة العامة؟! العذاب العظيم في الآخرة هو حفاظ على المصلحة العامة؟! من أين جاء الخزي في الدنيا؟ ومن أين جاء العذاب العظيم في الآخرة؟ إنه من الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض.

فأنت يا من تُعلِّم، يا من ترشد، يا من لديك مشاريع، معاهد علمية، أو مراكز، أن تكون حركتك على هذا النحو هي في واقعها: إيمان ببعض وكفر ببعض، فإنك من تعمل على أن توقع الأمة في الخزي في الدنيا، وأن تسير بالأمة إلى العذاب العظيم في الآخرة.

في هذه النقطة؛ لأن الزعماء يعرفون أن السوق ينفق فيها بيع الدين بالدنيا، أننا أصبحنا جميعًا كمسلمين في مختلف الأقطار الإسلامية لا يهمنا الدين، يهمنا أن نرى مشاريع وإن كانت مشاريع بسيطة، وإن كانت مشاريع هي من قوتنا، هي قروض، هي من قوتنا، أو هي فضلة، فضلة ما انتهبه الآخرون من ثرواتنا، متى ما أحد وعدنا بشيء من هذه انطلقنا وراءه، ولا نسأل عن دين.

بل ولا نسأل عن واقع الدنيا أنه ما قيمة ما يريد أن يقدمه لنا، أو ما قد قدمه لنا بالنسبة لما أكله علينا! أنه من أين جاء ما قدمه لنا، وما لمع شخصيته أمامنا به؟ هل هو من ثرواتنا الطبيعية؟ أم أنه من عرق جبيننا ومن قوتنا؟ أم أنه قروض تثقل كاهلنا، وتصنع لنا الأزمات، وتخنقنا سياسيًا، واقتصاديًا، وثقافيًا، وتجعل زمام أمورنا بأيدي أعدائنا؟ حتى عن جانب الدنيا لا نستوضح، أما الدين فهو ذاك الذي لا نلتفت إليه.

لمّا كانوا قد عرفوا أن الأمة أصبحت على هذا النحو؛ انطلقوا كلهم كما انطلق فرعون يوم قال لأولئك في مواجهة ما كان يدعوهم نبي الله موسى إليه: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} (الزخرف:51) ألم يعرض مشاريع وخدمات ‎مقابل هدي الله؟ ألم يقل هو لقومه: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} (غافر: من الآية29) اتركوا هذا الفقير، اتركوا هذا الصعلوك، اتركوا هذا المهين، هكذا يقول لموسى.

فانشدوا نحو فرعون، ليقل الله لفرعون ولهم في الأخير يوم غرقوا في قعر البحر: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} (طـه:79) أضل فرعون قومه وما هدى يوم قال: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} إنه المنطق الذي يتكرر على مسامعنا دائمًا من وسائل إعلامنا، إنه كل ما يعرض في المناسبات الوطنية.

تأملوا التليفزيون في اليمن، في السعودية، في أي دولة عربية تعرض ما تسمى منجزات ومع أنشودة حماسية، وصور لمشروع هنا ومشروع هناك، ومصفاة للبترول هنا ومصنع هناك وأشياء من هذه، هي نتاج عشرين عامًا أو ثلاثين عامًا، والعشرون عامًا والثلاثون عامًا هي لأمة كفيلة بأن توصلها إلى دولة صناعية إذا كان هناك من يقومون على أمور الناس ممن هم مخلصون، ممن هم يعرفون كيف يبنون شعوبهم.

أولم تصل إيران الآن إلى دولة صناعية، ودولة منتجة، ودولة مصدرة لمختلف المنتجات؟ دولة استطاعت الآن أن تهدد أمريكا فعلًا، ألم تسمعوا أنتم في هذا الأسبوع أنهم هددوا أمريكا؟ وأولئك الذين ينتجون ما بين خمسة ملايين برميل بترول، وتلك الثروات التي يمتلكها هؤلاء العرب – لأنهم لم يبنوا نفوسهم ولم يبنوا شعوبهم؛ لأن كل ما يلمعون به أنفسهم إنما هو من فضلات ما ينتهبه الآخرون من ثرواتهم – هاهم يخضعون، ويركعون، ولا يستطيعون أن يقولوا كلمة.

الإيرانيون خرجوا في هذا الأسبوع وملئوا الساحات، وخرج الإمام الخامنئي، وكلهم هددوا أمريكا، وكلهم لعنوا أمريكا، وهم من كنا نسمع عنهم مباشرة أنهم كانوا يتمنون أن يدخلوا في حرب مباشرة مع أمريكا، قالوا: أمريكا هي كانت وراء العراق، يوم دخل العراق معهم في حرب شديدة وطويلة، أمريكا هي التي دفعته، أمريكا هي التي دفعت البلدان العربية الأخرى لترسل جيوشها، ولترسل مساعداتها الكبيرة للعراق، ويقاتلون جميعًا صفًا واحدًا ضد الإمام الخميني، وضد الشعب الإيراني، وضد الثورة الإسلامية، على الرغم من ذلك كله ألم يهدد هؤلاء الأمريكيين، هددوهم وفعلًا بدا منطق أمريكا ضعيفًا.

لأنهم وعلى مدى عشرين عامًا فقط، عشرين عامًا التي هي قد تكون عمر رئاسة شخص، أو ملك من ملوك العرب، وبعضهم يبقى في حكمه خمسة وعشرين عامًا أو ثلاثين عامًا، وترى شعبه ما يزال فقيرًا، ترى شعبه ما يزال ذليلًا، ترى شعبه متى ما سمع تهديدًا ونظر ورجع إلى نفسه رأى أنه لا يمتلك قوته فيخاف أن يقول كلمة جريئة أمام أعدائه.

أولئك هم من استطاعوا أن يخفضوا إنتاج البترول عما كان عليه أيام ملك إيران السابق، خفضوه بنحو مليونين برميل في اليوم، واستطاعوا بعد التخفيض أن يبنوا إيران في مختلف مجالات الحياة، وهاهم لما انطلقوا وعلى مدى عشرين عامًا فقط لما سمعوا تهديد أمريكا استطاعوا أن يصرخوا في وجه أمريكا وأن يتحدوها، ورأينا فعلًا كيف بدأ زعماء آخرون من الغرب وكيف بدأ [الكونجرس] الأمريكي نفسه يهاجم [بوش] على سياسته القاسية، ستضرب مصالح أمريكا هوِّن.

هذا ما كنا نقوله للناس: أولئك جبناء، أولئك يرون أن مصالحهم تحت أقدامنا لو نعرف واقعنا إنهم أحوج إلينا من أي أمة أخرى، إنهم من يجب أن يكونوا تحت رحمتنا لو كنا نفهم، إن مجاميعنا هذه هي سوقهم الاقتصادية، إن خيرات أوطاننا هي المواد الأولية التي تحرك مصانعهم، إن البترول هو من أرضنا أكثر من 85% من احتياطي العالم من البترول هو في البلاد الإسلامية أكثر من 85%، هم من هم تحت رحمتنا لو كنا نفهم.

هل تحرك [الكونجرس] الأمريكي وهاجم [بوش]؟ متى تحرك؟ بعدما تحرك الإيرانيون وتهددوا وقالوا: لو تضرب أمريكا، أو تفكر أن تضرب فسيتلقون ضربة مباشرة وشديدة. هم يعرفون إيران، ويعرفون شعب إيران، ويعرفون أن إيران استطاعت أن تبني نفسها عسكريًا واقتصاديًا وثقافيًا.

لكن الآخرين مازالوا هكذا، همهم أن يبقوا في مناصبهم، ونحن همنا أن ننظر إلى ما يمكن أن يقدموه لنا من مشاريع بسيطة لا تعمل شيئًا، ليست في قائمة (البُنَى التحتية الاقتصادية) – كما يقولون – ولا تشكل في واقعها تنمية حقيقية؛ لأنهم عرفوا أن هذا هو همنا، أن هذا هو ما نريد، أننا نفوس حقيرة، أننا نفوس ضعيفة، ليس لدينا طموحات، ليس لدينا أهداف، ليس لدينا شعور بكرامة، ولا بعزة، يُسْلِينا أي شيء، يرضينا أي شيء، وليكن هذا الشيء البسيط هو ثمن ديننا لا نفكر ولا نعبأ به.

تراهم في كل مناسبة وطنية يعرضون علينا المنجزات! نحن نقول: أين المنجزات الحقيقة التي تحافظ على كرامتنا؟ أين البناء الاقتصادي، والتنمية الحقيقية التي تجعلنا أمة تستطيع أن تقف على قدميها؟ إذا كنتم تبنون مستشفى هنا، ومستوصف هناك من أجل متى ما أحسسنا بألم ما صداع في الرأس، أو جرح، أو ضيق في الشرايين، أو في التنفس، يكون هناك أمامنا مستشفى، إننا نعيش الألم النفسي، نعيش ألمًا شديدًا ليس من نقص في الفيتامينات إنما من نقص في الكرامة وفي العزة، نقص في الحياة الكريمة التي أراد ديننا أن تتوفر لنا، نعيش الألم فأين هو العلاج؟ نعيش الجوع الذي سيجعلنا مستسلمين أمام أعدائنا فأين هو الغذاء من أوطاننا؟ هذا هو العلاج الحقيقي، هذا هو العلاج الحقيقي، هل هناك عمل على توفيره؟ لا يوجد. لماذا؟ لأن الشعوب نفسها لا تتحدث مع أولئك.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

لتحذن حذو بني إسرائيل

ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ: 7/2/2002م

اليمن – صعدة

 

قد يعجبك ايضا