سنَّة الله في الحياة أن يكشف واقع الناس من خلال مسألة الجهاد والولاء

 

يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أيضًا، وهو يوضح في كتابه الكريم أنَّ سنَّته في هذه الحياة أن يكشف واقع الناس من خلال مسألة الجهاد والولاء، بالتحديد هذه المسألة، يقول “جلَّ شأنه”: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ}[محمد: الآية29](الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ) من المنتسبين للإيمان والمدَّعين له، ولكن في قلوبهم مرض، وطبعًا هذا المرض غير المرض الجسمي، يعني: ليس مرض الشرايين ولا الصمامات… ولا من أيٍّ من هذه، هذا مرض من نوع آخر، إما شك في الحق، عدم ثقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” خبث متجذر بأيِّ شكل من الأشكال: بخل، حقد… أي مرض من تلك الآفات والمساوئ النفسية والأخلاقية، التي تؤثِّر على الإنسان في نفسيته وأخلاقه.

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}، حالة من الانحراف، حالة تخالف مقتضى الفطرة، المرض: هو الحالة التي تخالف مقتضى الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها، الإنسان مفطور على قيم ومبادئ عظيمة، والدين إنَّما يأتي متطابقًا مع الفطرة، ولكن الإنسان- أحيانًا- ينحرف عن فطرته هذه؛ فيؤثر حتى على فطرته، تتأثر فطرته، يتوجه نحو أشياء أخرى، ويتربى على أشياء أخرى، ويتعود على أشياء أخرى؛ حتى تنطبع بها نفسه، وتنمحي تلك القيم الفطرية، أو تضعف- إلى حدٍ كبير- مقابل تجذر وتعمق تلك الأشياء السلبية التي دخلت على نفسيته، وعلى مشاعره، وعلى وجدانه؛ فانشد إليها بأكثر من الأشياء الفطرية، وأحيانًا يصل البعض إلى أن تنتهي وتندثر بقايا تلك الأمور الفطرية التي أودعها الله في أعماق نفسه.

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ 29 وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ 30 وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ 31}[محمد: 29-31]، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) من خلال الأحداث والمواقف التي يتحتم عليكم في مقابلها أن تجاهدوا، فَمَنْ جاهد أثبت مصداقيته مع الله، مَنْ جاهد وصبر أثبت مصداقيته، وتجلى ما يحمله في واقعه: من إيمانٍ راسخ، من قيم عظيمة، من أخلاق عظيمة، من مبادئ راسخة عظيمة، من التزام عملي، وصدق في الاستجابة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ومن لم يجاهد، وتنصَّل عن المسؤولية؛ يتضح أمام الله أنَّه يعاني من ذلك المرض الذي مَثَّلَ عائقًا أمامه، مرض في مبادئه، في انتمائه، في عمق نفسه، عنده أضغان، عنده خلل معنوي كبير مَثَّلَ عائقًا ما بينه وبين أن يستجيب لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

وفعلاً، تجد ما يدل على هذا المرض، طبيعة الأحداث طبيعة تجلِّي كل شيء، مثلًا: في ظل الصراع- نفسه- يحصل من جانب قوى الشر والطاغوت والإجرام جرائم وممارسات بشعة وفظيعة جدًّا، يندى لها جبين الإنسانية، نرى اليوم مثلًا، في العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على بلدنا، ماذا يفعل أولئك بنا كشعبٍ يمنيٍ مسلم؟ أوليسوا يقتلون منا الآلاف المؤلفة من الأطفال والنساء بجرائم بشعة ووحشية للغاية، مشهد من تلك الجرائم وأنت ترى منزلًا مدمرًا، أو تجمعًا بشريًا في سوق، أو في مسجد، أو في مستشفى، أو في مدرسة، وترى كيف ألقوا قنابلهم المدمرة والفتاكة على ذلك التجمع، وقد مزقت الكثير من أولئك الأطفال والنساء والناس إلى أشلاء، وتفحَّمت جثامين أكثرهم، والبعض قد أصيبوا بجراحات كبيرة جدًّا، والبعض جراحات قاتلة، إنما البعض لا يصل حتى إلى المستشفى، أو ما إن يصل حتى ينال الشهادة، المشهد بنفسه مشهد مؤثر، يكفي أن تكون إنسانًا سليمًا طبيعيًا عاديًا؛ لتتأثر بذلك المشهد، مشهد مأساوي، مشهد يعبِّر عن مظلومية كبيرة جدًّا، الأطفال الذين لا يزالون يعانون من الجراحة، ودماؤهم تنسكب، وأجسادهم تتلوى من الألم، وهم يصرخون من الأوجاع، مشهد مؤلم جدًّا، يكفي أن تبقى فيك بقايا من إنسانيتك؛ لتتألم، ولتدرك بشاعة ما يفعله أولئك الطغاة المجرمون بمثل هذه الجرائم التي يرتكبونها كل يوم، هذا بنفسه كافٍ في أن يكون لك موقف، ولكن أمام هذا كله، وهو مشهد كبير ودامي ومؤلم جدًّا، ويتكرر يوميًا، وتكرر بكثير وكثير؛ حتى طال الآلاف، وشمل معظم المحافظات والمناطق، وشاهده الكثير، أو يمكن للكثير أن يشاهدوه، مع ذلك البعض لا يبالي، لا يكترث، لا تتحرك حتى فيه المشاعر الإنسانية، لا يأسى لذلك، ولا يتفاعل مع ذلك، نفسية كهذه، أمام مشاهد كهذه، متبلدة، وباردة، وجامدة، ومستهترة، ولا مبالية، هل هي مشاعر سليمة؟ |لا|، مرض، لم يعد إنسانًا طبيعيًا، لو بقيت له فطرته الطبيعية، ونفسيته السليمة، الله فطر الأنفس أن تتألم عندما تشاهد مآسٍ كتلك، مظلومية كتلك، يتألم لها البعض من أطراف الدنيا، وترى البعض ممن هم يتسمَّون بأنهم متدينين وإسلاميين، مثل: بعض المنتمين لحزب الإصلاح، والتكفيريين، يرتاحون لمثل تلك الجرائم، ويبررونها، ويجوزونها، ويشرعنونها باسم الدين نفسه، باسم الدين نفسه، بالافتراء على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ولا يرون ضيرًا- كما قال أحدهم- في أن يقتل ولو أربعة وعشرون مليون يمني، ويبقى مليون واحد أو أقل أو أكثر، في مقابل أن يصلوا هم إلى السلطة، وأن يتحقق لهم في التنكيل بهذا الشعب ما يريدونه، ما يسعون له بأحقادهم، وضغائنهم، وأمراضهم، وعقدهم.

إذًا، الأحداث نفسها يتجلى من خلالها ما الناس عليه، {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}، أي مرض كان هذا: شك، حقد… أي ضغينة لابدَّ أن تخرج إلى الواقع، {وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}، حتى في تعبيرهم، في كلامهم، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ}.

 

الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام

 

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

المحاضرة السادسة من محاضرات الهجرة النبوية 1440 هـ

قد يعجبك ايضا