موقف الجن من القرآن ومن النبي الكريم موقفا جديرًا بأن يسطره الله في القرآن الكريم

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

في الأيام الماضية تكلمنا كثيرًا على ضوء آيات من كتاب الله الكريم، كتاب الله المبارك، ببركة القرآن، بتوفيق الله سبحانه وتعالى سمعنا كلامًا كثيرًا حوله، وحول ما ينبغي أن يكون الناس عليه في عقيدتهم، في سلوكهم، في مواقفهم، في اهتمامهم بأمر الدين، في اهتمامهم بأنفسهم لإصلاحها، وأعتقد أنه لا ينبغي للإنسان الذي خلقه الله وأكمل خلقه، الإنسان الذي قال الله فيه: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي ًأحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (التين:4) لا ينبغي أن نكون أقل وعيًا من الجن، الجن الذين نحن إذا ما غضب أحد منا على ابنه، أو على أي شخص دعا بالجن.

الله قال عن الجن: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا ًأنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا ًأجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} (الأحقاف:29- 31) كان موقف الجن موقفًا جميلًا، موقفًا متكاملًا من بدايته إلى نهايته على مستوى عالٍ من الأداء، جعل ذلك الموقف جديرًا بأن يسطره الله في القرآن الكريم، وأن يجعله عبرة للإنس.

حكى عنهم منذ أن وصلوا إلى عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كيف أنهم لما حضروه {قَالُوا ًأنْصِتُوا} استماع بإقبال بتَوَجه {فَلَمَّا قُضِيَ} ذلك الجزء من القرآن الكريم الذي استمعوه، فهموا، ووعوا، وانطلقوا إلى قومهم عائدين، منذرين لقومهم.

جلسة واحدة مع من؟ مع القرآن الكريم، هذا القرآن الذي نجلس معه جلسات وجلسات، وأشهر، ولا ندع هذا القرآن العظيم أن يترك أثره في نفوسنا، جلسة واحدة اكتفى بها أولئك النفر من الجن؛ لأنهم هكذا: لما حضروا أنصتوا واستمعوا بكل مشاعرهم، كانوا كلهم آذانًا سامعة، ثم فهموا: أن القرآن هذا ليس مجرد كلام يعجب به من يسمعه، ثم يعود إلى بيته. هل عادوا إلى بيوتهم وقالوا: [سبحان الله ما أجمل ذلك الكلام وكل واحد عاد إلى شغله وعمله]؟ عادوا إلى قومهم منذرين.

وإنذار أيضًا على أرقى أسلوب، عندما عادوا إلى قومهم لم ينطلق الواحد منهم ليقول: [يا جماعة اعملوا كذا وكذا وكذا،،] من تلقاء نفسه؛ لأنه هو الجنِّي الذي انصرف من عندهم قبل ساعة ثم عاد، سينظرون إليه نفس النظرة السابقة، لن يتأثروا به، لكنهم اختاروا أسلوبًا جميلًا – ولهذا سُطِّر هذا الأسلوب أيضًا – عندما عادوا إلى قومهم قالوا: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنًأ} (الأحقاف: من الآية30) ألم يحكوا أنهم سمعوا كتابًا أنزل من بعد موسى؟ كتابًا أنزل من عند الله إلى نبي بعثه الله من بعد موسى، الله أعلم في أي بلد كان هؤلاء الجن فلم يسمعوا بعيسى، ولم يسمعوا بأنبياء آخرين! لكنهم على الرغم من جهلهم حتى بالموضوع ليس في أذهانهم إلا موسى، تأثروا بالقرآن الكريم، فكيف بمن يولد في بيئة القرآن الكريم، وفي بيوت يُقرأ فيها القرآن الكريم، وعند مساجد يُقرأ فيها القرآن الكريم، في الصلاة، وفي غير الصلاة ثم لا يتأثر؟!

{إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} (الأحقاف: من الآية30) بعض الناس قد يعود إلى أصحابه، وبعض الشباب من طلاب العلم إذا ما سمع شيئًا عاد إلى بلده، وانطلق هو ليحكي باسمه، باسم نفسه، ثم يأتي بعد ليقول: [يا أخي الناس ما عاد رضيوا يستمعوا، الناس ما عاد بيرضوا يقبلوا] بالطبع هم لن يتقبلوا منك، أنت ما تزال صغيرًا في أعينهم، لكن لماذا لا تستخدم أسلوب الجن؟ أن تقول: [يا جماعة أنا سمعت كذا وكذا، أنا سمعت فلانًا] وفي نفس الوقت تعتمد على القرآن الكريم، أن تقدمه للآخرين؛ في هذه الحالة ستؤثر؛ لأنهم سيقبلونك كناقل، وحينئذٍ ما تنقله إليهم أنت قد تنقله عمن لـه مكانته عندهم أعظم من مكانتك، وكلامه هو أرفع من كلامك، وكلام الآخرين؛ لأنه هو كلام الله سبحانه وتعالى. هذا هو الأسلوب الصحيح، وإن كان بعض الشباب قد يكون لديه رغبة هو أن ينطلق باسم نفسه، ويجرب نفسه.

كأنه التي يمكن أن يؤثر بها على الآخرين؛ فيتكلم من تلقاء نفسه، يستخدم هذا الأسلوب: يحكي كتاب الله، يحكي كلام الآخرين ممن قد يكونون مقبولين أكثر منه.

هذا هو الأسلوب الصحيح، إذا كنت تريد أن تؤثر في الآخرين، ليس أن يكون همك أن تبني شخصيتك – كما يقول البعض – فأنا أريد أن أحدثهم أنا، لأؤثر فيهم أنا، ليعرفوا من أنا، لا حاجة لهذا.

أنا عندما أحدثكم لا آتي بجديد، من كتاب الله سبحانه وتعالى الذي عرفه من هو أكبر مني سنًا من الحاضرين، ومن غيرهم، ومن أقوال أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) ومنهج أهل البيت، كالإمام الهادي، وغيره من قدماء العترة (عليهم السلام) فنحن لم نأت بجديد، إنما نشكو من الجديد، نحن نشكو من الجديد الذي هو دخيل على أهل البيت وعلى الزيدية، إنه هو الذي ضَرَبنا، هو الذي أثر علينا، هو الذي فرق كلمتنا، هو الذي جعلنا أذلة مستضعفين، جعلنا نصمت، نسكت على الرغم مما يواجه به الإسلام، والمسلمون من قبل أعداء الله، فأنا شخصيًا لا أقول جديدًا، كتاب الله، وما نعلمه من قدماء أهل البيت (عليهم السلام) ومنهجهم.

فعندما يلمس الآخرون تأثيرًا لكلام آتي به، إنما هي بركة القرآن الكريم، وبركة أهل البيت، أئمة أهل البيت، لو انطلقت لأستخدم أنا نفسي هذا الأسلوب: أتحدث باسمي شخصيًا، وأريد أنا شخصيًا أن أؤثر في الآخرين، قد لا أؤثر، قد لا تؤثر، لكن ليكن همك هو النصح، هو أن تنصح، وإذا كان الأسلوب الصحيح لأن تنصح هو: أن تحكي عمَّن الناسُ سيقبلونه فاحكه، وليس عيبًا فيك أن تقول: سمعت؛ لأنك ترغب أن تقول: قلت، ليكون التأثير هو لك شخصيًا؛ ليعرفوا مقامك، أو ليعتبروك شخصًا عظيمًا أو لأي شيءٍ آخر.

هذه هي مما يحول دون التأثير، قد يكون مما يفقد كلامك بركته – وإن كان كلامًا إيجابيًا – لأنه لم ينطلق خالصًا، فيه شيء، تحاول أن تبدو كبيرًا، وتبدو عظيمًا عند الآخرين.

لما كان أسلوب الجن أسلوبًا جميلًا سطره الله في القرآن الكريم، استطاعوا في موقف واحد – وهم من هم دون الإنسان في كماله – في موقف واحد أن يفهموا القرآن الكريم أنه من عند الله، وأن يتأثروا به في أنفسهم، وأن يعرفوا ماذا يريد القرآن منهم، فانطلقوا عاملين، لم ينطلقوا إلى بيوتهم عائدين وساكتين، ثم عندما تحركوا للعمل عرفوا أن الأسلوب الصحيح هو: أننا عندما نعود إلى الآخرين، ونحن لم نفارقهم إلا منذُ ساعة، أو ساعتين ماذا سيكون لكلامنا من أثر عندهم؟ فلنقل: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} (الأحقاف: من الآية30) لم يقولوا مجرد ثناء على ذلك الكتاب، كتاب هداية، فهموا أن القرآن هو كتاب عمل وكتاب هداية، يهدي إلى الحق، هو يرشد، وهم – فعلا – فهموا أن قومهم بحاجة إلى أن يهتدوا.

كثير مما في داخل هذه الآية مما فهمه الجن هو ما يغيب عن أكثرنا فهمه، فهموا أن قومهم في أمس الحاجة إلى أن يهتدوا فقالوا لقومهم: هناك مصدر للهداية هو هذا الكتاب، يهدي إلى الحق، وهذه قضية مهمة، أن يعثروا على شيء يهدي إلى الحق؛ لأن الحق مطلب مهم، هو نفسه الشيء الذي لا نكترث أمامه، أن نعرف أن هناك شيئًا يهدي إلى الحق فتكون أنت من تبحث عنه، وأنت من يشغل ذهنك أن تعثر عليه.

{يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} (الأحقاف: من الآية30) لأن المسيرة هي مسيرة عمل، والحياة هي كلها مسيرة إلى الله سبحانه وتعالى، يهدي إلى الحق فتفهمه، إلى الحق فتنطلق تعمل من أجله، وتدافع عنه، ولتسير على الطريق التي رسمها الحق، وإلى طريق مستقيم، طريقة مستقيمة في هذه الحياة، وطريق مستقيم يهدي، أو يوصل من يسير عليه إلى رضوان الله سبحانه وتعالى وجنته.

{يَا قَوْمَنَا ًأجِيبُوا دَاعِيَ اللَّه} (الأحقاف: من الآية31) لاحظوا كيف الأسلوب تكرر أيضا {دَاعِيَ اللَّه}؟ لم يقولوا: يا قومنا: أعملوا كذا وكذا، هكذا بدون أن يلحظوا من هو الذي دعا إلى هذا الشيء الذي يريدون من أصحابهم، أو قومهم أن يعملوا به {يَا قَوْمَنَا ًأجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} (الأحقاف: من الآية31).

نحن هنا تكررت جلسات كثيرة مع من؟ مع القرآن الكريم، ومع ما ننقله من أهل البيت (عليهم السلام) فلا ينبغي أن نكون أقل وعيًا من الجن، في أن نفهم أهمية ما سمعناه على ضوء كتاب الله، ومن نصوص آيات الله في القرآن الكريم، من خلال ما سمعنا هو: أن الدين دين عمل، أن هدى الله يهدي إلى العمل، أن القرآن الكريم كتاب عمل، هي القضية التي ترسخ لدينا، وفي مجتمعنا ضدها: الجمود، السكوت، الإعراض، هذه الحالة إذا لم ننتقل بأنفسنا إليها فيكون ما يملأ مشاعرنا هو: أن الدين هو عمل في كل مجالاته، في كل جوانبه.

وقد قلنا أكثر من مرة: أنه حتى كل ما نسميه إيمانًا، أو اعتقادًا هو أيضًا عمل، ليس هناك في الإسلام اعتقادات لمجرد الاعتقاد، ولا إيمان لمجرد الإيمان، كل إيمان يبعث على عمل وكل اعتقاد يبعث على عمل، فهمنا أيضًا أن هذا الظرف الذي نعيش فيه والذي تعيش فيه هذه الأمة بصورة عامة وضع مأساوي، وضع مخزي، هجمة شديدة على الدين، على الإسلام، وعلى المسلمين، أصبح الكبير والصغير يرى، ويلمس مشاهدها في كل مكان.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن

ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ: 11/2/2002م

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا