تحرّك الإمام زيد ” عليه السلام” ليغيّر واقع الأمة الإسلامية في ظل طغيان بني أمية
ونحن في صراعنا مع المستكبرين من أعظم مخاوفنا التي نخاف في ظل استهداف أمتنا في هذه العصر والزمن، من أعظم مخاوفنا أن تُستهدف الكعبة، أن تقوم إسرائيل وأمريكا أن يقوم اليهود والصهاينة باستهداف الكعبة، أليست هذه من أعظم مخاوفنا؟ من أشد ما نتخوّف منه؟ من أكبر ما يزعجنا، هذا حصل في تاريخنا ما نتخوّف أن تفعله إسرائيل، أو أن تقوم به أمريكا، ما يدعو إليه الصهاينة اليوم هو ما قد عمله بني أمية في تاريخ الأمة، فاستهدفوا الكعبة، وقتلوا الناس في البيت الحرام، استباحوا مدينة رسول الله ولم يرعوا أي حرمة، وقتلوا أهل المدينة حتى من لاذ منهم إلى قبر رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، كثير من أهل المدينة في بعض الأخبار وفي بعض الروايات أن ما يقارب ثلاث مائة شخص أو أكثر ذهبوا ولاذوا بقبر الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، على أساس أنه ربما يحترمه الجنود الأمويون، قتلوا الناس على القبر وذبحوهم، ذبحوا الرقاب على قبر رسول الله حتى أغرقوه بالدماء، ثم استباحوا مدينة رسول الله ثلاثة أيام، استباح فيها الجيش الأموي كل شيء، العرض، أباحوا للجيش الأموي قادته بأمرٍ من يزيد أباحوا، نساء أهل المدينة، عرض أهل المدينة، وأباحوا قتل أهل المدينة، وأباحوا ممتلكات أهل المدينة لمدة ثلاثة أيام، استبيحت المقدسات، استبيح الأخيار، قتلوا أخيار الأمة، صفوة الأمة، أعلام الأمة هداة الأمة الذين إليهم ترجع الأمة، في دينها، في تربيتها، في بنائها التربوي والإيماني والديني، قاموا بقتلهم عترة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لم يرعوا حرمةً للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله).
ثم نجد أيضاً من أشكال استباحه المقدسات والاستهانة بكل شيء الاستهانة بالأمة في كل شيء في دينها ومقدساتها وماعدا ذلك هو أهون بالتالي، نجد أنه في عصر الإمام زيد عليه السلام، دخل الإمام زيد عليه السلام إلى مجلس الوالي الأموي هشام وإذا بيهودي! يهودي موجود في المجلس يتحدث إلى هشام ثم ذلك اليهودي في حضرة من يُسمي نفسه أمير المؤمنين، ويعتبر نفسه حاكماً على الأمة الإسلامية بكلها وهو هشام، إذا بذلك اليهودي يسب رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) قبل أن يأتي الأمريكيون أو الدنمارك أو أي طرف آخر، سب في مجلس الحاكم الذي يحكم على الأمة الإسلامية ثم لا يتخذ أي موقف ولا حتى ينهر ذلك اليهودي، ولا حتى يُبدي استياءً، فالإمام زيد عليه السلام غضب لله، وغضب لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وتهدد ذلك اليهودي ونهره وقال: (لإن أمكنني الله منك لاختطفن روحك) فما كان من هشام إلا أن نظر نظرات الغضب والاستياء إلى الإمام زيد عليه السلام ليقول له: مَهْ لا تؤذ جليسنا يا زيد. جليسه اليهودي يؤذي رسول الله، يسب رسول الله، ولا يحترم حتى المقام العظيم لرسول الإسلام، فلا يبالي المسألة عادية، ونحن ذكرنا شبيهاً لهذه، انزعاج البعض من تحطيم زجاج نوافذ السفارة الأمريكية فيما هم لم ينزعجوا ولم يغضبوا ولم يتبنوا أي موقف آنذاك تجاه السب والإساءة الفظيعة التي هي أسوأ حتى من السب لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).
على العموم نحن أمام واقع، واقع لا حرمة فيه للأمة لا في دينها، لا في مقدساتها لا في أعلامها، الأمة بنظر الحكم الأموي والنظام الأموي الناس مجرد خَوَل خدم والوظيفة بنظرهم، بنظرهم الوظيفة الأساسية للأمة هي أن تكون في خدمتهم، أن تكون في خدمتهم! ولا يتحاشون في حالٍ من الأحوال أو في ظروف معينة من الاستعباد الصريح والواضح للناس مثل ما فعلوه في المدينة المنورة، في المدينة المنورة ختموا على رقاب الناس بأختام الرِّق والعبودية، وطلبوا من أهل المدينة أن يبايعوا الفرد على أنه عبدٌ رقٌ خالصٌ ليزيد، عبد هكذا يُقرّ على نفسه، يبايع على أنه عبد رق خالص ليزيد ثم يُكوى بالنار ختماً على رقبته إشعاراً أو دلالةً وعلامةً للعبودية وللرق، هكذا حولوا الأمة إلى خول، وحرفوا مفاهيم الإسلام على ضوء ما يخدمهم، ما يفيدهم، ما يعزز من نفوذهم ما يُخضع الأمة لهم، واستأثروا بالفيء بمال الله، المال العام الذي هو عطية الله لعباده كلهم على حساب الكثير الكثير معظم أبناء الأمة فقراء يعانون البؤس والحرمان والفقر والشقاء ونكد العيش، فيما هم يستأثرون بالمال العام.
أمام هذا الواقع المليء بالظلم والمشحون بالطغيان، أمام هذا الواقع المليء بالفساد، أمام هذا الواقع الذي أصبح فيه لبني أمية هيبة كبيرة، وأصبحت الأمة ترزح تحت حالةٍ رهيبةٍ من الخوف والقهر والذل، وبعد قتل الآلاف المؤلفة في عددٍ من أقطار الإسلام في المدينة، ومكة، والعراق، وعددٍ من أقطار الإسلام وقد خيّم الصمت وعمّ السكوت والجمود، تحرك الإمام زيد عليه السلام بمبادئ الحق من تلك المنطلقات العظيمة، من منطلقات حركته وثورته أنه كان يحمل الهمّ والألم لواقع أمة جده، وكان حريصاً على إنقاذها وإصلاح أمرها، وهذا أثرٌ عظيم من آثار الإيمان وهو في نفس الوقت مما يربِّي عليه الإسلام.
الإمام زيد عليه السلام كان فيما يحمله من همٍ وألمٍ وحرصٍ على إنقاذ أمة جده لدرجةٍ عبر عنها فقال: (والله لوددت أن يدي ملصقةٌ بالثريا – الثريا مجموعة النجوم البعيدة جداً في عنان السماء – والله لوددت أن يدي ملصقةٌ بالثريا ثم أقع من حيث أقع فأتقطع قطعةً قطعة وأن يُصلح الله بذلك أمر أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)) هكذا كان فيما يحمله من همّ، فيما يستشعره من مسؤولية في عظيم رحمته بأمة جده، وحنانه وشفقته، إنسان. إنسان بقيم عظيمة يتحرّق على واقع الناس ليس لا أُبالياً كما هو حال الكثير من الناس حتى من المحسوبين على الدين ممن لا يبالي بالناس في أي حالٍ كانوا وفي أي واديٍ هلكوا وسقطوا، لا، حرقة القلب والمشاعر والأسف والألم على الواقع المرير والمهين الذي تعيشه الأمة، وبهذا الحرص تحرك في واقع الأمة ليعمل على استنقاذها مما هي فيه، ثم من تلك الدوافع دافِع المسؤولية، فهو حليف القرآن، القرآن الكريم ولذلك كان يقول: (والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت) ما يدعني كتاب الله أن أسكت، هذا الكتاب الذي هو كتابنا جميعاً كأمةٍ مسلمة، كمسلمين هذا الكتاب الذي يجب علينا أن نتّبعه، أن نتمسك به، أن نطيع الله فيما أمرنا فيه الله جل شأنه في هذا الكتاب حملنا مسئولية أن نقيم العدل، أن نواجه الظلم، أن نواجه الفساد، أن نواجه الطغيان والشر.
(والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت) هذا الانتماء الواعي للقرآن الكريم الذي ترتب عليه الالتزام، والعمل، والتطبيق، والاتباع، والتمسك، هو الذي غاب من واقع الأمة وللأسف، وإلا فالقرآن ليس فقط كتاب زيد بن علي أو أن ما فيه من توجيهات وأوامر حركت زيداً في ميدان الحياة، في واقع المسؤولية ليقدم نفسه قرباناً لله وليواجه الطاغوت دون خوف، أو تردد، أو تلكؤ، لا، ليس خاصاً بزيد، وليست تلك المسؤوليات خاصةً بالإمام زيد عليه السلام. لا. نحن كمسلمين إنما بقدر إيماننا بقدر اهتدائنا بهذا الكتاب بقدر مصداقيتنا في انتمائنا لهذا الدين، في ارتباطنا بهذا الكتاب الذي هو منهج الله الحق، هذا القرآن هذا الكتاب الذي لم يدع زيداً ليسكت لماذا اليوم يسكت الكثير والكثير من الذين يقدمون أنفسهم على أنهم متدينين والبعض منهم ربما يقرأ هذا الكتاب عن ظهر قلب غيباً يحفظ آيةً آية، ويتلوها في أي وقت، كم في واقع الأمة من مدارس لتعليم القرآن، وتحفيظ القرآن، ونرى كثيراً من القائمين عليها الذين يتعاملون باستغلال، باستغلال في كل شيء، مسلكهم ومسارهم في الحياة بعيد كل البعد عن هذا الكتاب وعن توجيهاته وعن مساره الذي رسمه لنا في واقع الحياة.
الإمام زيد عليه السلام بدافع المسئولية تحرك مؤمن، يدرك أن انتماءه لهذا الدين، وأن تمسكه بكتاب الله عز وجل، وأن اقتفاءه لأثر نبي الإسلام محمد يفرض عليه حتماً أن يتحرك، ألا يسكت، أن يصدع بكلمة الحق في وجه السلطان الجائر، أن يتحرك في أمة جده ليقيم الحق وليعمل على إقامة العدل، هو يذكر هو ما قاله جده رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) (من لا يهتم بأمر المسلمين فليس من المسلمين) ثم الإمام زيد عليه السلام تحرك لإحياء مبدأ من أهم مبادئ الإسلام، مبدأُ حيويٌ في واقع حياة الأمة، هو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا المبدأ المهم العظيم في الإسلام والحيوي الذي يترتب عليه تصحيح واقع الأمة من الداخل، وإصلاح واقعها من الداخل، وتطهير ساحتها الداخلية من هيمنة المفسدين، والجائرين، والظالمين، والعابثين، والطغاة.
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
ذكرى استشهاد الإمام زيد ” ع” لعام 1435 هـ