{أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}
نجد في القرآن الكريم الوعيد الشديد على الظلم، الله حرَّم الظلم، وتوعَّد عليه بالوعيد الشديد، وبالعقوبات الشديدة، وبالعذاب الشديد على مستوى الآخرة، وعلى مستوى الدنيا، نجد في الوعيد قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود: من الآية18]، نعوذ بالله، نعوذ بالله! اللعنة من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هي الطرد من رحمته، الإنسان إذا طرد من رحمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، معناه: أصبح إنساناً شريراً مخذولاً، لا يحظى من الله بأي رحمة، بأي توفيق، بأي هداية، ويستوجب عذاب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويكون تدبير الله له في هذه الدنيا فيما يدبره بشأنه، وما يعده له في الآخرة، هو ما فيه هلاكه، ما فيه شقاؤه، ما فيه عذابه.
لاحظوا على سبيل المثال: الشيطان، إبليس عندما لعنه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، عندما طرده من السماء ولعنه، قطع عنه رحمته، فلا يتوفق أبداً، لا يهتدي أبداً، لا يصلح أبداً، يتمادى في جرمه، في طغيانه، في فساده، في ضلاله، يزداد ضلالاً، يزداد شقاءً، يزداد خسراناً، يتحمل المزيد والمزيد من الأوزار.
فاللعنة من الله قضية خطيرة جدًّا على الإنسان، الإنسان إذا لُعِن من الله، معناه: طرد من ساحة الرحمة الإلهية، معناه: خرج من ألطاف الله وتوفيقه وهدايته إلى دائرة السخط الإلهي، والعقوبة الإلهية، وهذه حالة خطيرة جدًّا، يجب أن يحذر منها الإنسان جدًّا، فمن نتائج الظلم، الإنسان إذا ظلم، وأصر على ظلمه، وتمادى في ظلمه، لم يخرج مما هو فيه من مظلمة، وينيب إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويتخلص من المظالم، فالقضية خطيرة جدًّا، يدخل في إطار هذه اللعنة من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بكل ما يترتب عليها من نتائج رهيبة جدًّا في الدنيا، وعذاب عظيم في الآخرة.
الله “جلَّ شأنه” يقول في القرآن الكريم: {إِنَّا}: الله “جلَّ شأنه”، عظيم الشأن، بقدرته، بجبروته، بقوته، بعزته، بانتقامه، {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}[الكهف: من الآية 29]، السجن الأبدي الذي سينقل إليه كل الظالمين، ثم لا يخرجون منه أبداً، النار، نار جهنم والعياذ بالله، حيث سيسجنهم الله فيها للأبد، سجناً مؤبَّداً، ليس له نهاية، مليارات السنين قليلةٌ في الحساب، {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}، لا يمكنهم أن يتخلصوا أبداً، قد أحيط بهم بالسرادق، سرادق: يشمل أشياء كثيرة في نار جهنم، يشمل أسوار جهنم، يشمل كذلك جدران قد تكون أو أماكن ضيقة في جهنم، توابيت في جهنم… أشياء كثيرة يدخلون إليها في جهنم، ثم لا يتخلصون منها والعياذ بالله، {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}، يعني: لا خلاص لهم منها، لا فرار لهم منها، لا ملاذ لهم منها، لا مناص لهم، لا إمكانية للهروب منها أبداً.
يقول الله “جلَّ شأنه”: {إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[إبراهيم: من الآية 22]، وعيدٌ قاطع وواضح وصريح بعذاب الله الأليم جدًّا، يقول الله “جلَّ شأنه” في القرآن الكريم عن يوم القيامة في ساحة الحساب: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[غافر: الآية 52]، لا تنفعهم التبريرات والأعذار والتلفيقات التي يحاولون أن يبرروا بها الظلم الذي ارتكبوه، لا ينفعهم ذلك أبداً، {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ}: فطردوا من رحمة الله نهائياً، ولا يحظون بذرةٍ من رحمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}: وهو جهنم والعياذ بالله.
يقول الله “جلَّ شأنه”: {تَرَى الظَّالِمِينَ}[الشورى: من الآية 22]، يعني: في يوم القيامة وهم في وضعية رهيبة جدًّا، وقد جيء بجهنم، وسينتقلون إليها، {مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا}[الشورى: من الآية 22]، أدركوا عظيم وزرهم، وكبير جرمهم، وشناعة أعمالهم، فأصبحوا في حالة من الخوف والذعر الشديد، {مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا}؛ لأنهم أدركوا ما هي النتائج الحتمية التي سيذهبون إليها، {وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ}[الشورى: من الآية 22]، لا يستطيعون دفعه، ولا التخلص منه أبداً، من كان منهم يحتمي بالجيوش لا تنفعه جيوشه، من كان منهم يحتمي بالمال لا ينفعه ماله، من كان منهم يستند إلى سطوته وجبروته وقوته، تلاشى ذلك، من كان منهم في الدنيا يستند إلى ضعف من يظلمه، فهناك لا يمكنه أن يستند إلى ضعف ذلك؛ لأنه أصبح هو في دائرة الضعف والعجز والاستسلام التام.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}[إبراهيم: الآية 42]، قد يستغرب الإنسان ويتساءل أمام كثيرٍ من المظالم، عندما يرى الطغاة، عندما يرى الظالمين المستكبرين المجرمين وهم يرتكبون أبشع الجرائم، وأكبر المظالم، فيتعجب كيف لا يعاجلهم الله بعقوبة نهائية، وضربة قاضية! الله ليس غافلاً عن أعمالهم، وتصرفاتهم، وظلمهم، وجرائمهم، {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يجعل جزءاً من العقوبات في الدنيا، لكنَّ الجزاء الكبير، والكبير الحقيقي، والجزاء الوافي هو في الآخرة، {يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ}، يعني: ليوم القيامة، ليومٍ عظيم، ليومٍ رهيب، {تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}، أولئك الذين كانوا في الدنيا يفتحون أعينهم، على حسب التعبير المحلي [يبهررون] على عباد الله بكل كبر وغطرسة، في ذلك اليوم أبصارهم شاخصة، وهم في حالة من الرعب الشديد، والخوف العظيم، {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ}[إبراهيم: من الآية 43]، فهم في حالة من الذل، قد مدوا أعناقهم، ورفعوا رؤوسهم، أعناقهم منحنية، ورؤوسهم مرتفعة هكذا في حالة من الذل والرهبة الشديدة جدًّا، {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ}[إبراهيم: من الآية43]، من شدة الخوف والرعب، طرف العين لا يرتد، لا يتحرك، لا يرجع، في حالة منبهرين، وخائفين، ومفجوعين، ومرعوبين، وفي حالة من الإذلال الشديد جدًّا، انتقاماً منهم كما ظلموا وطغوا وتكبروا في هذه الدنيا، {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}[إبراهيم: من الآية 43]، أفئدتهم: واقعهم الداخلي في نفوسهم، في قلوبهم فراغ، ليس عندهم ذرة من الروح المعنوية، ولا من الاطمئنان أبداً، خوف شديد جدًّا هم فيه.
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
المحاضرة الرمضانية الثالثة عشرة: الثلاثاء 12 رمضان 1441هـ 5 مايو 2020م