اسرائيل تعتدي.. وتجتر خياراتها العقيمة..

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية || جهاد حيدر / العهد الاخباري
مع أن الاعتداء الذي شنه طيران العدو على الاراضي السورية، لم يكن الاول ولن يكون الاخير، لكنه يأتي في سياق مشابه للكثير من الاعتداءات السابقة، ومن جهة اخرى، يتسم بقدر من الخصوصية التي تنبع من المرحلة وظروفها.
تنبع الاعتداءات الإسرائيلية، ومن ضمنها الاعتداء الاخير الذي تمثل باطلاق صاروخين في منطقة الصبورة الواقعة في ريف دمشق الغربي دون سقوط اصابات، انطلاقا من رؤية وتقدير، تتبناه القيادة السياسية والامنية في تل ابيب، يفيد بأن المعركة التي تخوضها الدولة السورية وحلفاؤها في مواجهة التهديد التكفيري، يدفعهم إلى عدم الرد على هذا المستوى من الاعتداءات الموضعية. وبالتالي تشكل هذه الحرب الدائرة على الارض السورية فرصة لشن هذه الاعتداءات من دون اثمان مؤلمة للعدو ، أو المخاطرة بتدحرج نحو مواجهة لا يريدها أي من الاطراف.
في المقابل، يدرك الإسرائيلي أن امتناع الجيش السوري، وحلفائه، عن فتح أكثر من جبهة لا يعني أن بوسع إسرائيل الذهاب بعيدا في اعتداءاتها سواء على الاراضي السورية أو باتجاه توسيعها نحو الاراضي اللبنانية. وهو ما لمسته إسرائيل في أكثر من محطة استوجبت أكثر من رد كاد أن يتدحرج نحو مواجهة واسعة.
من أجل ذلك، لم يكن صدفة التزام الإسرائيلي بضوابط محدَّدة تتصل باعتداءاته. من ضمنها حرصه على عدم توسيع نطاقها باتجاه لبنان. وعندما حاول العدو اختبار ارادة الرد لدى حزب الله، مطلع العام 2014، في جنتا، ومطلع العام 2015 في القنيطرة تلقى ردوداً فهم منها أن الامور يمكن أن تتدحرج.. ثم تطورت الرسائل، على لسان سماحة الامين العام لحزب الله، وتضمنت تهديدات واضحة وصريحة ومباشرة بالرد في العمق بما فيها استهداف المنشآت الاكثر حساسية في الكيان الإسرائيلي.
والضابطة الاخرى التي يبدو أن الإسرائيلي ما زال ملتزما بها، هي عدم التدخل العسكري المباشر بما يغير موازين القوى لصالح الجماعات المسلحة.. وعندما حاول الانزياح عن هذه الضابطة قبل اسابيع، تلقى جوابا عبر استهداف طائراته بصواريخ ارض جو، فهم منها أن الرد يمكن أن يتطور..
في ضوء ذلك، يمكن الحديث عن معادلة مركبة تحكم حركة الصراع، تجعل أي اعتداء وأي رد بمثابة سير على حافة التدحرج والتصعيد.
يأتي الاعتداء الإسرائيلي، الاخير، ترجمة لاستراتيجية إسرائيلية معلنة، تحمل اسم “المعركة بين الحروب”:. والتي اجترحتها إسرائيل كخيار بديل بين خيارين، إما البقاء مكتوفة الايدي ازاء صمود النظام السوري وفشل الرهان على تطويق حزب الله تمهيدا للقضاء عليه. ورأت إسرائيل في خيار الاكتفاء بالنظر من بعيد على المشهد السوري، تفويتا للفرصة التي وفرتها الجماعات التكفيرية والارهابية، بفعل الحرب التي فرضوها على سوريا، وايضا، استمرار تعاظم قدرات حزب الله الاستراتيجية بما يهدد الامن القومي الإسرائيلي.
أو (البديل الثاني) التدخل العسكري المباشر، والتورط في معركة واسعة تستهدف تحقيق ما عجزت عنه هذه الجماعات. ما يعني في الحسابات الإسرائيلية أن يتلقى العمق الإسرائيلي الصواريخ المدمرة وامكانية تطور المواجهة نحو حرب اقليمية، غير مضمونة النتائج لكنها مضمونة الاثمان الباهظة..
وهكذا كان خيار “المعركة بين الحروب” ما بين هذين الحدين، تستثمر فيه الفرصة التي وفرتها الجماعات المسلحة، وفي الوقت نفسه تتجنب المواجهة الواسعة والمكلفة.
لكن اللافت، أن إسرائيل تواصل تنفيذ هذه السياسة رغم ادراكها لمفاعيلها المحدودة، وهو ما صدر على ألسنة كبار مسؤوليها وعلى رأسهم نتنياهو، الذين أقروا بحصول حزب الله على أحدث الاسلحة الاستراتيجية ..
مع أن إسرائيل استطاعت، بفضل الجماعات الارهابية، إحداث اختراق في معادلة الردع عبر الساحة السورية، ولكنها تقر في كل ضربة توجهها، بمردوعيتها عن محاولة توسيع هذه الاعتداءات باتجاه الساحة اللبنانية، بل وتُظهِّر أن انكفاءها كان قهرياً ونتيجة حسابات الكلفة والجدوى. وما كان ذلك، ليتحقق لولا ادراك صانع القرار السياسي والامني في تل ابيب، بشكل ملموس، لارادة حزب الله في الرد المباشر والمؤلم، في حال ارتكبت هذا الخطأ… بما قد يؤدي إلى التدحرج نحو ما لا يريده أي من الاطراف ابتداء..
على خط مواز، تنبع خصوصية هذا الاعتداء، وما سبقه وقد يلحقه في هذه المرحلة، من أنه يأتي بعد اليأس من امكانية تغيير معادلات الصراع على الساحة السورية لمصلحة الجماعات الارهابية. وبعدما بات المسار الميداني تصاعديا لمصلحة محور المقاومة.. ومع ذلك، لم تجرؤ إسرائيل – حتى عن “الانزياح” عن ضوابط استراتيجية “المعركة بين الحروب”، حتى على الساحة السورية.
وهكذا يمكن القول أن إسرائيل تدرك، بأن تجاوز اعتداءاتها لسقوف معينة، سيؤدي إلى تهشيم القالب الذي تستند اليه في تقديراتها لردات الفعل امام طبيعة وحجم رد محور المقاومة على الساحة السورية.
من جهة أخرى، تزامن الاعتداء الإسرائيلي مع الهزائم التي تتعرض لها الجماعات المسلحة، وهو ما لا يمكن تجاوز دلالاته لجهة أنه يندرج ضمن الهجوم المضاد الذي تعجز الجماعات الارهابية عن تحقيقه. ومع ذلك، يبقى العدو مقيدا بضوابط تجعل أي هجوم قاصرا عن تحقيق أي من الانجازات المؤملة.
وهكذا يصح القول، أن تمسك إسرائيل بخيار أقرت بأنه غير مجد وفي أقصى الاحوال فإن جدواه محدودة جداً، يأتي تعبيرا عن المأزق الإسرائيلي الذي يحاول اجتراح خيارات بديلة تحقق ما عجزت عنه الجماعات المسلحة. لكن ما ينبغي أن يكون حاضراً تحت مجهر المتابعة والمراقبة أن هذا المأزق الناتج عن انتصارات محور المقاومة في سوريا يضع إسرائيل، وبقية الدول الداعمة للجماعات المسلحة، أمام منعطف ومحطة مفصلية تدفعهم جميعا إلى اعادة تقويم ودراسة خياراتهم.

قد يعجبك ايضا