من يموّل الأنشطة الشيطانية..{وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ}

 

ونأتي الآن للحديث في سياق الموضوع الرئيسي للمحاضرات الماضية، وهو: عن خطرِ الشَّيْطَان ومن معه من شياطين الجن والإنس، هذا الخطر الذي يصلُ إلى الدرجة التي تحدث عنها القرآن الكريم في قول الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”: {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} الإسراء الآية: 64، النشاطُ الشَّيْطَاني في امتداداته وتأثيراته يصل إلى هذه الدرجة: إلى المشاركة في الأموال وفي الأولاد، المشاركة في الثروة البشرية، سواءً في الناس من الرجال والنساء، أَوْ حتى على مستوى المال.

المشاركة في المال: مشاركة واسعة جدًّا، وكثير من الأموال، ومبالغ هائلة جدًّا من الأموال، في كل مراحل التاريخ، وفي هذا الزمن أيضاً بشكل كبير، هي تصب في الاتجاه الذي يريده الشَّيْطَان: يعني كثير من الأعمال الإجرامية تُمول، تصب فيها الكثير من المبالغ والإمْكَانات المادية، والمال يشمَلُ كُلّ الإمْكَانات المادية، فتُموَّلُ كثير من الجرائم، تُمول كثير من الممارسات السيئة والانحرافات، والمفاسد الأَخْلَاقية، أشياء كثيرة جدًّا، أنشطة كثيرة جدًّا، هي (أنشطة إجرامية، أَوْ أنشطة مُفْسِدة، أَوْ مُضِلَّة) تمول، أَكْثَـر الأشياء هي تحتاج إلى تمويل، وأَكْثَـر الأشياء، أَكْثَـر الأنشطة، ولربما كُلّ الأنشطة في حياة البشر، تحتاج إلى إمْكَانات، الإمْكَانات هذه تحتاج إلى المال، وتعتمدُ بشكل رئيسي على المال، فالشَّيْطَان يصبح شريكاً في كثير من الأموال من خلال تمويل كثير من الأنشطة والجرائم والمفاسد بها؛ فلذلك يمكن اليوم أن نقولَ أنه يصبح شريكاً أساسياً في ميزانيات ضخمة لكثير من الدول، ولدى الكثير من المُؤَسّسات والمنظمات وكل التشكيلات التي لها أنشطة إجرامية، أَوْ إفسادية، أَوْ تضليلية تمول وتعتمد على التمويل المالي: شريك لدول، شريك لمُؤَسّسات، شريك لشخصيات… في مالها، حيث تسخّر الكثير من الأموال في الوجهة التي يريدها الشَّيْطَان؛ فالشَّيْطَان لا يحتاج إلى أنشطة استثمارية مباشرة، إبليس لا يحتاج إلى أن ينشئ له أنشطة استثمارية ليمول أنشطته. لا، هو يستفيد من الأموال الموجودة لدى البشر، ما يحتاج يعمل له شركة (شركة إبليس الكذا وكذا) التي لها أنشطة اقتصادية حتى يستطيعَ أن يقومَ بعمليات التمويل. |لا|، كُلّ أنشطته تمول من دون تعب، ولا وجع رأس: يعني ما يحتاج إلى نشاط خاص به حتى يحصل على إمْكَانات اقتصادية يمول من خلالها مشاريعه [الإفسادية، والتضليلية، والإجرامية]؛ لأن نشاطه في حياة الناس نشاط واسع: [من سفك الدماء، والجرائم، والبغي، والاعتداءات، والظلم… إلى المفاسد الاقتصادية، والنهب، والسرقات، والغش، والابتزاز، والـ…الخ. إلى المفاسد الأَخْلَاقية: من التدنيس، ونشر المفاسد، وتفكيك الأسر…الخ.] أنشطةٌ واسعةٌ ومتنوعةٌ ومتعددة.

فإبليس لم يحتجْ لتمويل أنشطته في كُلّ المجالات: (المجال الثقافي والفكري، التضليل فيه، المفاسد الأَخْلَاقية، الجرائم، والبغي، والظلم، والاعتداءات…) في كُلّ هذه لم يحتج إلى نشاط اقتصادي لتمويل أعماله، ولم يحتج يسرح ليبيع ويشتريَ ويعملَ له أنشطةً مباشرةً في هذا المجال، ويكون معه [مفرش] في كُلّ سوق، ودكان أَوْ بقالة هنا أَوْ هناك تابعة لإبليس لتمويل أنشطته. |لا|، يعتمد في هذه المسألة على الشراكة في أموال كُلّ الذين يستجيبون له؛ فيدفعهم هم إلى الإنفاق، ينفقون أموالاً كثيرة ولا يقصرون في ذلك وباندفاع كبير: يعني عندما تلحظ كم قدّم النظام السعودي لترامب عندما أتى في زيارته الأخيرة إلى المملكة، كم دفع؟ مئات المليارات، مئات المليارات التي ستدفع إلى أمريكا، هل هي في فعل خير، ومصلحة عامة، حقيقية للأمة، وللإسْلَام والمسلمين، وللشعب في المملكة؟ لا، ليست لفعل خير، ولا لطرفٍ خيِّر، إذا دُعم بهذه الأموال، وامتلك هذه الأموال كان ذلك في محله وفي مكانه المناسب. |لا|، ليس الأمر كذلك.

فإذاً، إبليس لا يحتاجُ إلى أي نشاط ذاتي- على المستوى الاقتصادي- لتمويل أعماله، وتصرفاته، وسياساته، وأنشطته… |لا|، هو يدفع بهؤلاء البشر إلى أن يمولوا هم وأن ينفقوا هم على تلك الأعمال الإجرامية، ولاحظوا هذا مؤسف جدًّا بالنسبة للإنْسَان؛ لِأَن الإنْسَان هو يدفع الثمن أيضاً: الشَّيْطَان يغويه، والإنْسَان بنفسه يدفع أيضاً ثمن هذه الغواية، ويدفع ثمناً، ويدفع أموالاً كثيرة في مقابل ما يتحمل به الوزر، وما يكسب به العذاب؛ ولهذا يأتي التعبير القرآني عن هذه الحالة لدى الإنْسَان وهو يشتري لنفسه العذاب.

كُلّ من يدفع من البشر مالاً في غواية، أَوْ في مجال باطل، أَوْ في ارتكاب إثم، هو يشتري بها عذاباً لنفسه، أليست هذه خسارة؟، أنت تشتري من جهنم، تدفع لأن تحصل من عذاب الله في ناره، في جهنم، أنت تدفع- أحياناً- لأن تنال عذاباً إلهياً عاجلاً في الدنيا؛ لأن عذابَ الله: جزء منه في الدنيا، والجزء الأَكْبَـر منه والعذاب الأَكْبَـر والأبدي في الآخرة؛ فالإنْسَان هو، هو بنفسه يأتي ليدفع، قد يدفع على المستوى الشخصي، قد يدفع على المستوى الجماعي (من ميزانية دولة، من ميزانية مُؤَسّسة، من ميزانية منظمة، تاجر كبير، مجموعة دول- أحيانا- تمول هي، تمول عدواناً، أَوْ إثماً، أَوْ بغياً، أَوْ إجراماً، أَوْ إفساداً في الأرض…)، مشروع عملي واسع يدخل ضمنه الكثير والكثير من الجرائم، والمظالم، والمفاسد؛ فيترتب على ذلك إثم كبير، وعقوبات كبيرة.

{وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ} فتكون أنت متدخلاً في هذه الأموال، في ماذا تصرف، حتى في الأولويات، والاهتمامات… وتدفع هذه الأموال في هذا السياق.

مشاركة الشيطان في القوى البشرية

{وَالأَوْلادِ} الكثير يعني من الناس سيوجهون ويحركون الطاقة البشرية الكبيرة، العديد البشري (الناس)، بشكل جيوش، بشكل قوى عاملة في أي مجال (في المجال الإعلامي)؛ فالشَّيْطَان أَصْبَح مستفيداً من ذلك كله، من الثروة البشرية في شقها البشري [العديد، الأفراد، القوى العاملة]، وفي شقها المادي [الإمْكَانات، الفلوس، مختلف أنواع الإمْكَانات]، إمْكَانات عسكرية، إمْكَانات اقتصادية، إمْكَانات إعلامية، إمْكَانات متنوعة… {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} الإسراء الآية: 64، فأَصْبَح شريكاً في القوى العاملة: في الجيوش [تُشغل حيث يريد أن تشغل، حيث يدفع أن تشغل، حيث يحرك أن تشغل، حيث يوسوس ويزين أن تشغل]، وفي القوى الإعلامية: معه حصته من الإعلاميين والإعلاميات والقوى الإعلامية، من يتحدثون ويشتغلون ليلا ونهاراً في نفس الاتجاه الذي يريده: إما التضليل، وإما الإغواء، {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} يعني لا يحتاج إلى أن يصنع له صناعة خَاصَّـة، وأن ينتج له كائنات جديدة. لا، بل يشتغل بالحاصل، بالبشر أنفسهم، وبأموالهم ذاتها.

يمتد أَيْضاً هذا النشاط- كما قلنا- في كُلّ الاتجاهات، ومن أبرزها، ومن أهمها (النشاط العسكري): له اهتمامات عسكرية واسعة، وكثير من المفاسد في هذه الحياة، والانحرافات في هذه الحياة تُدعم وتكون مدعومة عسكرياً، وتستند إلى قوة جبروت، وهيمنة، وتسلط؛ وهذا يثبتها ويفرضها كمسارات مهابة في هذه الحياة، له شغله في هذا الاتجاه، ويحرص على أن ينشط في التعبئة العسكرية لقوى الشر التي تعمل لصالحه، وحكى الله لنا جزءاً من هذه الأنشطة، قال “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} الأنفال الآية: 48، هذه عملية تحريض للمقاتلين: الذين سيقاتلون من أجله، في خدمته، فيما يفيده [في مواجهة الحق، في مواجهة الدين، في مواجهة الإسْلَام، في مواجهة الهدى] فيزين لهم ذلك، ويشجعهم على ذلك، ويسعى إلى رفع معنوياتهم، وتحريضهم، وتعبئتهم، والتخويف أيضاً، يسعى على اللعب مثل ما يعمل عمله في الإغراء والإغواء، أَيْضاً يلعب لعبته في التخويف، {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ} آل عمران الآية: 175، يقول لنا الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”: {وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، لا تسمحوا ولا تفتحوا مجالاً لأن تكونوا محط تأثير الشَّيْطَان في إثارة المخاوف.

الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام

 

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

المحاضرة الرمضانية الثامنة للسيد القائد لعام 1438 هـ

قد يعجبك ايضا