علاقة الإنسان بالله بين المشاعر والعواطف وبين القضايا المنطقية
موقع أنصار الله | من هدي القرآن |
هذا المنطق أيضاَ حديث عن نعم، أليس كذلك؟ هو أيضًا من هذا القبيل: استعطاف لعباده، واستعطافه لعباده هو تكريم في غاية التكريم للإنسان، مظهر من أعظم مظاهر رحمته بعباده، دليل من أعظم الأدلة على صحة الثقة به؛ لأن من ينعم عليك هذه النعم لا يمكن أن يورطك، لا يمكن أن يغشك، لا يمكن أن يكذب عليك، لا يمكن أن يتركك ويهملك وأنت تسير في طريقه، هي من أعظم الوسائل لتعزيز الثقة به.
ونحن نرى في الدنيا مع بعضنا بعض شخصا تراه يهتم بك، يراك في حاجة يحاول يقدم لك مساعدته، يراك في موقف يبادر معك، يعيش همك، يشاركك في كل شئون حياتك.
ألست أنت من تتجه إليه لينصحك؟ ألا يبدو لديك من أعظم الأشخاص وأعزهم؟ تبدو معه واثقًا به أعظم ثقة من أي شخص آخر؟ تكون عظيم الثقة به، تقول: [يا أخي كيف لا أثق به، وهو الذي كذا، لا يأتي موقف إلا هو معي، لا يلمس أني بحاجة إلاّ ويبذل معروفه إليّ، هو الذي عمل لي كذا، وعندما سافرت عمل لي كذا وكذا، وأعطى ابني كذا وكذا، ودوَّر لابني لعمال يسرحوا يشتغلوا] ألست هنا يمتلئ قلبك حبًا له وثقة به، والثقة بالله مهمة جدًا.
تأتي المواقف الأخرى التي تعكس مدى ثقتك بالله، أو ضعف ثقتك به، المواقف الصعبة التي تبدو وكأنها صعبة عليك تطلب منك بذل مال، تطلب منك بذل جهد، تطلب منك بذل تعاون معين في مواقف قد تكون صعبة عليك نوعًا ما، فهو يرشدك إليها متى ما كنت عظيم الثقة بالله سبحانه وتعالى ستنطلق فيها، تقول: ما يمكن أن يورطني أبدًا، ولا يمكن أن يتخلى عني أبدًا.
بل إننا نثق في الدنيا بأشخاص هم كثيرو الإحسان إلينا بمجرد أن ينصحني نصيحة، وهو لا يعلم السر في السموات والأرض، وهو أيضًا قد لا يكون معي فيصحبني وأنا أتحرك وفق نصيحته، بل قد لا يستطيع أن يعمل لي شيئاَ في الأخير وأنا أتحرك حتى على نصيحته، ومن منطلق ثقتي به أنطلق على ما وجهني إليه، أليس هذا ما يحصل في الدنيا؟ فكيف لا تكون عظيم الثقة بالله سبحانه وتعالى! وهو من نِعَمُه عظيمة عليك، وهو من يرشدك، ويقول: وأنا معك، وعندما يقول: [وأنا معك] هو من هو العزيز القهار، هو من هو صادق في وعده، هو من هو قادر على أن ينجز ما وعدك به، أليس هذا من يجب أن تكون ثقتك به أعظم من ثقتك بأي شيء في الدنيا حتى أعظم من ثقتك بنفسك.
لخلق الثقة في النفس أشياء كثيرة، كثيرة في القرآن الكريم، منها هذا الجانب، ولهذا قال الله: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران: من الآية122) هكذا، ويقول أنبياؤه: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} (هود: من الآية56). أليس سيصبح الإنسان المؤمن بالله عظيم الثقة بالله؛ لأنه عرف الله على هذا النحو، عرف الله من خلال ما هداه إليه من معرفته في كتبه، وعلى ألسنة أنبيائه.
وليس من يقرؤون تلك الكتب التي تخلق جفاء فيما بينك وبين الله حتى تكون متسائلًا من أين وجب علينا أن نطيعه؟ متسائلًا لماذا أباح ذبح هذا؟ لماذا حصلت هذه الآلام؟ إذًا يدفع حقها! لازم يدفع عوضًا! وهكذا يبدو الإنسان هناك، ويبدو الله هناك، كما تتعامل مع أبعد الناس عنك تقريبًا.
يتحدث عن تسخير العالم بكله للإنسان، لنا نحن كأفراد، أفراد الإنسان، ولماذا سخر، هل غصبًا عنه؛ لأنه يخافنا؟ أو من منطلق الرغبة في أن يكثّر في ملكه؟ ليعتز بنا أو لينتصر بنا على إله آخر؟،لا.
يمكن أن يستغني عنا ببعوض، فعلاَ، يمكن أن يستغني عنا بفيروسات مما لا ترى إلا بمكبرات ألف وأكثر منها، يمكن أن يستغني عنك بهبة ريح. رحمة منه تعالى بنا، كرمه الواسع، حكمته، سخر كل شيء.
{وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} (البقرة: من الآية22) ونحن نرى كيف تكون حالتنا متى ما قَلّت الأمطار، تجف النفوس، تغلظ الطباع حتى داخل الأسرة الواحدة، الجيوب نفسها والخزائن تتعطل وتجف، لدرجة أن تصبح زوجتك منتظرة للكلمة القاسية منك متى ما قالت: نحن بحاجة كذا وكذا، تكثر الهموم، تذبل حتى الأبدان تهزل؛ لأنه لا يوجد تغذية، الكماليات، الأشياء الكثيرة من كماليات الحياة التي تبدو في مراحل معينة متى ما كان عند الناس فلوس تبدو وكأنها ضرورية [تصفِّر] عليها واحدة واحدة، ما عدا ذلك الشيء الضروري ويصبح هو نفسه ما زال يشكل عبئاَ كبيرًا عليك، متى ما حصل مرض تعتبر مصيبة تحتاج إلى أن تبحث عمن يسلفك [فلوس] حق مشوار سيارة، وحق علاج، وحق أشياء من هذه.
تقسو القلوب، بل أحيانًا يصل الحال إلى أن يحصل جفاَء فيما بين الناس مع بعضهم بعض فلا أحد يعطف على أحد وكل واحد همه أن يقبض ما تبقى لديه لحاجاته الضرورية ولا همَّ له بالآخرين.
أما عندما تأتي تكلمه في ظروف كهذه عن واجبات أخرى جهاد في سبيل الله، إنفاق في سبيل الله، وتعظه قد لا يلتفت إليك، ذهنه مشغول بحاجاته الخاصة، فترى كيف يؤثر الجفاف ونقص الأمطار يؤثر عليك في كل شيء حتى فيما يتعلق بأخلاقك ودينك، قد يؤثر حتى فيما يتعلق بكرامتك، قد ينطلق كثير من الأسر يتسوّلون. أليس كذلك؟ قد يصل بك الحال إلى أن ـ وأنت تبحث عن سُلْفَة من الفلوس لحاجاتك الضرورية ـ أن تعطي [مشهد] سند بيع على [جربة] على مكان هو من أعز الأماكن لديك ومن أحسن ممتلكاتك التي ما تزال بحوزتك، ألم يحصل كهذا؟ حصل كهذا.
نرى كيف نحتاج أحيانًا ويحتاج الناس في كثير من المناطق إلى الماء فيصل قيمة الخزان الماء إلى نحو ثلاثة آلاف ريال وخمسة آلاف ريال، خزان صغير، قد لا يكون فيه أكثر من متر بخمسة آلاف ريال. ثم تبقى ثيابنا متسخة، ونتوضأ لا نسبغ الوضوء، ثيابنا تبدو غير نظيفة، علاقاتنا داخل البيت تتوتر.
ثم انظر عندما يأتي المطر، وكم يبقى المطر؟ أحيانًا عشرين دقيقة، خمسة عشر دقيقة، ثلاثين دقيقة، ساعة على الأكثر وترى خلال بضع الساعة هذه على منطقة واسعة كم يترك من الأثر، الناس يتطلعون من السطوح ومن نوافذ المنازل يفرحون بالرعود، وكما قال الله في آية أخرى قال سبحانه وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (الروم:48).
كيف الاستبشار عندنا، عبارات الاستبشار في بلادنا؟ {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} كل واحد تغير، تغير البرنامج، وتغير حركة الشريط في ذهنه من هموم هم بعد هم وهو يواجه متطلبات الحياة واحدة بعد واحدة {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} أصبح يرى بأنه إن شاء الله سيحصل لنا ثمر كذا سينتج القات، أصبح يحسب حساب كم سيربح من القات، كم ستكون [جَنْوَة البن]؟ كم سيحصل من [الحَبّ]؟ كل بلد على حسب ما عندها من الثمار فسيسدد دينه، وسيشتري إن شاء الله سيارة لابنه، وسوف، وسوف، والأسرة داخل البيت نفوسهم تتحول إلى نفوس طيبة وسليمة وتعامل حسن، والناس كذلك يتحولون في تعاملهم مع بعضهم البعض إلى تعامل بلطف، وينتهي ذلك الجفاء الذي كان سببه الجفاف وكثرة الهموم {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}.
ثم تعال حاول أن تنظر إلى ما توفر للناس من خلال هذا المطر الذي أنزله الله في ربع ساعة أو نصف ساعة كم سيطلع، ملايين، عندما يأتي مطر على منطقة مثل هذه المنطقة وفيها قات كثير، وكل واحد انطلق يقطف فيكون الناتج أن فلانًا باع بمائة ألف، وآخر بمائتين ألف، وآخر بخمسين ألف فلان كذا كذا، تعال اجمع كم سيبيع أصحاب تلك المزارع؟ ستكون ملايين، ملايين تطلع، من ساعة واحدة أو من نصف ساعة من المطر الذي أنزله الله من السماء، أليست هذه نعمة كبيرة؟
لو أتى شخص ودخل السوق ومعه كيس من الورق فيه خمسمائة ألف، وفي حالة شدة الناس فيها، وبدأ يوزع الفلوس وينثرها فوق رؤوسهم، سيعتبرون هذا إنسانًا كريمًا، إنسانًا عظيمًا، فيكون نصيب هذا مائتين ريال وهذا ثلاثمائة ريال وهذا خطف له خمسمائة ريال، وهذا [مَزّق] مائة وهو والآخر متجاذبان لها، سنعتبره إنسانا كريما.
الله سبحانه وتعالى هو الذي أنزل المطر في ساعة واحدة حصلنا من خلال نعمة من نعمه العظيمة التي أنزلها علينا على ملايين، ثم ترى كثيرًا من الناس لا يتذكر هذه النعمة ولا يقدِّرها، متى ما جمع فلوس ورجع للقرآن الذي قال: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} هو يخاطبك فافهم يقول لك ذلك عندما تكون الفلوس في [الشمطة] ارجع إلى الآية {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} لماذا الآن قِدِك بِتْقَلِّبْ وَجْهك؟ ألم تكن هنا تستبشر، والآن يقول لك: هات، أنفق في سبيلي، هات قرضة {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (البقرة: من الآية245) أخرج الزكاة، فتراه يتثاقل ويقلب وجهه، ولم يعد يريد أن يحضر مجلس إرشاد أو يسمع [شريط] يتحدث عن هذه الأشياء.
ألم يتغير وجهه الذي كان مستبشرًا عندما نزل المطر؟ هو يرى بأنه جاءه هذا من قبل الله سبحانه وتعالى ولم يقل بأنه هو الذي أنزل المطر، وأنا الذي نصبت سلمًا إلى السماء درجاته حوالي ستة آلاف درجة فصعدت فثقبت السحابة بـ[الماصورة] وخرج لي ماء فأين حق السُلَّم؟ وأين حق كذا، هل الناس يعملون هكذا؟ حتى يقول الواحد لن أعطي شيئًا، أعط القليل في سبيل من أعطاك هذا الكثير وهو نفسه سيرجع إليك.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
سلسلة دروس معرفة الله (2 – 15)
الدرس الثاني
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 19/1/2002م
اليمن – صعدة