ألاعيب الصحافة الغربية في “تجميل” العنف الصهيوني ضد الفلسطينيين
||صحافة||
كان ملفتاً مقال الرأي الذي كتبته كل من لورا الباست Laura Albast وكات كنار Cat Knarr في “واشنطن بوست” في 28 نيسان/ أبريل في العام الماضي، والذي انتقدت فيه الكاتبتان الإعلام الغربي حين يتناول القضية الفلسطينية. عرّف الموقع بكلا الكاتبتين على أنهما من أصول فلسطينية وباحثتان مهتمتان بالشأن والدراسات الفلسطينية. وملفت أيضاً عنوان المقال: “كيف تبيّض التغطية الإعلامية عنف الدولة الإسرائيلية ضد الفلسطينية؟”، أو يمكننا ترجمته بما يلي “التورية الإعلامية الغربية لعنف الدولة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين”، وهذا فعلياً ما تقوم به الصحافة الغربية.
أشارت الكاتبتان في المقال وبوضوح إلى التناقض الذي يظهر بين الصور المنشورة والمتداولة وبين العناوين التي تجتاح الصحف والمجلات. فالصورة تظهر مثلًا أعدادًا من المصلين في المسجد الأقصى راكعين في الصلاة وبنادق الجنود الصهاينة موجهة نحوهم، ومن ثم يقال إن ما يحدث هو “اشتباكات” و”توترات”. وهذه العناوين تستخدم في كبرى وسائل الإعلام مثل Associated Press، وNew York Times، وThe Guardian، وWall Street Journal، وNBC News، ومن ثم يهملون خلال التوصيف المستخدم الوضعية الحقيقية في الصورة والتي تظهر حجم اختلال التوازن ما بين الجهاز العسكري الصهيوني المحتل والشعب الفلسطيني ابن البلد الأصيل. وبذلك مُنحت الدولة المارقة تصريحاً مجانياً لممارسة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين من خلال تجاهل إرهاب الدولة الذي تمارسه. وبدلاً من نقل روايات مكتملة تقوم وسائل الإعلام الغربية بتمكين العدو الإسرائيلي من سرد القصة كاملة ولكن على هواه.
في هذا السياق أعدت رابطة المراسلين في الشرق الأوسط AMEJA بياناً طالبت به “بضرورة مراعاة اللغة والسياق وإعادة نشر إرشادات إعداد التقارير الصادرة خلال الهجوم الإسرائيلي المميت على غزة في العام الماضي، والذي أسفر عن مقتل 259 فلسطينيًا، من بينهم 66 طفلاً”. تأسست الرابطة في العام 2005 في مدينة نيويورك من قبل عدد صغير من الأشخاص الذين يعملون في مؤسسات إعلامية غربية مختلفة، والذين أدركوا وجود مصالح مجتمعية وقضايا مشتركة تواجه صحفيي الولايات المتحدة، الذين يتعاملون مع تراث الشرق الأوسط وشمال إفريقيا MENA، ومنها القضية الفلسطينية.
طلبت الرابطة من المراسلين أن يدركوا أن الفلسطينيين يخضعون لنظام غير عادل وغير متكافئ، والذي تم توثيقه على أنه فصل عنصري من قبل منظمات دولية مثل “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة العفو الدولية. كما طلبت من المراسلين توخي الحذر من التأطير الديني و”إخبار القراء بمن قُتل أو جُرح وأين وعلى يد من، واستخدام لغة إيجابية وليس سلبية”. ما يعنيه هذا عمليًا هو توضيح من هو المعتدي. في صيف العام 2021 وقع أكثر من 500 صحفي في الرابطة على رسالة مفتوحة تنتقد الممارسات الخاطئة للتغطية الإعلامية الأمريكية لفلسطين. ويؤكد المقال أن الصرخة لم تلق آذاناً صاغية وما تزال التغطية المتحيزة هي القاعدة في الصحافة الأميركية.
والملاحظ من خلال الكتابات الصحفية الغربية، أنه عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، غالباً ما تفشل مواربة هذه الصحف في تسمية المعتدي، وفي مقارنة مع تغطية الحرب الاوكرانية، يُطلق على المدنيين الأوكرانيين الذين ألقوا الزجاجات الحارقة على الدبابات الروسية وصف “الشجعان”، لكن الطفل الفلسطيني قُصي حمامرة البالغ من العمر 14 عامًا صُور على أنه يشكل تهديداً فورياً بعد أن ادعى جنود إسرائيليون مسلحون أنه ألقى عليهم زجاجة مولوتوف. ويمثل هذا فارقاً صارخاً وعنصرياً في التغطية، في حين أكدت روايات شهود عيان أن الصبي كان يركض للاختباء من الرصاص الإسرائيلي الموجه إلى فلسطيني آخر ولم يرم حتى قطعة زجاج فارغة. وفي السياق نفسه ضج الإعلام الغربي بمقتل طفلة خلال القصف الجوي الروسي لمواقع عسكرية في أوكرانيا، مع أن الإعلام اعترف بأن مقتلها كان مصادفة وليس مقصوداً، إلا أن الإعلام الغربي لم ينشر يوماً صورة لأطفال غزة والضفة الغربية ومخيماتهما المضرجين بالدماء ميتين أو أحياء، ولم يأت بأي خبر عنهم.
في السادس من نيسان/ أبريل من هذا العام علقت المقررة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانسيسكا ألبانيز على التغطية الإعلامية الغربية للغارات الصهيونية على المصلين الفلسطينيين المسالمين في المسجد الأقصى بأنها متحيزة ومتعصبة. وقالت في منشور لها على منصة “اكس” إن “التغطية الإعلامية المضللة تساهم في تمكين الاحتلال الإسرائيلي المتفلت والذي يجب إدانته ومحسابته”. وجاء احتجاجها هذا بسبب العنوان الذي نشرته الـ BBC في مقال استخدم فيه كلمة “اشتباكات” للإشارة إلى الاعتداء الإسرائيلي الوحشي على المصلين الفلسطينيين العزل في المسجد الأقصى في ساعة مبكرة من فجر الأربعاء في 5 نيسان/ أبريل. وقالت “تجدد العنف ضد المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى في كل رمضان تحول إلى معاناة، يجب إدانته والتحقيق فيه ومحاسبة مسببيه”. هذا الكلام تكرر عبر مواقع المنظمات الإنسانية ومنظمة العفو الدولية آمنستي، وغيرها ولكنه حتى اليوم لم يلق أية آذان صاغية.
خلال الأسبوع الأول من شهر تموز الفائت، شن العدو الاسرائيلي عدوانًا ضخمًا ضد مخيم جنين وهاجم المخيم حوالي 2000 صهيوني مدججين بالسلاح، مستخدمين الآليات المصفحة والمدججة بالسلاح، ومستخدمين المروحيات العسكرية والمسيرات من أجل ترهيب وترويع الفلسطينيين المدنيين من جميع الفئات العمرية ليومين متتاليين. وفي توصيف ما حدث استخدم الاعلام الأميركي مثل “نيويورك تايمز” أو “سي ان ان” وغيرهما، تعابير مثل “بدء عمليات”. تعابير قد تبدو بسيطة وغير مؤذية ولكنها في الحقيقة تخالف حقيقة ما يحدث من إرهاب وترويع وهدم للبيوت وتأثير ذلك على نفسيات الفلسطينيين في المخيم. تعابير يعتبرها أندرو ميتروفيكا على موقع الجزيرة الإنكليزي نوعًا من الكذب في الصحافة الأميركية ويستند في توصيفها إلى ما عبر عنه جورج أورويل في العام 1946، بأنها “العدو الأكبر للغة الواضحة، ألا وهو النفاق”.
وضمن هذا المفهوم يرى الكاتب أن الصحافة الغربية بشكل فردي أو مؤسساتي تعمل ضمن هذا المفهوم. وبالتالي “الإسرائيليون”، وهم هنا الأناس الطيبون، أو الأبطال لا يهاجمون الفلسطينيين، وإنما ينفذون عمليات ضدهم فقط. وكأن الكلام بهذه الطريقة لا يتضمن تحيزاً ولا تعصباً ضد الفلسطينيين. الأمر الآخر الذي يرى ميتروفيكا أن الصحافة الغربية تصر على التعاطي معه ضمن مفهوم النفاق هو عدم ذكر أسماء الضحايا أو حتى أعمارهم وإنما يبقى الأمر ضمن التورية التي تتضمنها تفاصيل الخبر. ويستعين ميتروفيكا بتحليل جورج أورويل لهذا المنطق من الخطاب، إذ إن العبارات الملطفة تُستخدم “عندما تُثار موضوعات معينة” للتأكد من “ذوبان الواقع في المجرد”. أي أن تورية الحدث الجلل تتم من خلال تعابير مطاطة ومغالطة لما يحدث بالتحديد.
وهنا من المفيد أن نفهم كيف تعمل العقلية الغربية التي تقوم بتحضير شعوبها لتقبل الاحتلال والممارسات الصهيونية من أجل وضع خطط للتعامل معه. فالإعلام الغربي لا يستطيع الخروج من عباءة المعاداة للسامية والتي تحدد المسارات التي يجب أن تحيط حتى بمتاهات عقولهم، بمعنى حتى لو أنهم أرادوا إعادة التفكير بممارسات الصهاينة في فلسطين لا يستطيع الغربيون التفكير خارج إطار مسلسل معاداة السامية لأن الصهاينة هم يهود، ولأن أوروبا تحمل ذنباً تاريخياً من الكراهية والإجرام ضد يهودها، لذا فهي من خلال النفاق تتلطى وراء لغة مواربة في وصف الجرائم الصهيونية في فلسطين، لأن الغرب غير قادر على إزاحة تاريخ في معاداة اليهود أو السامية عن كاهله، وبالتأكيد فإن استخدام التعابير المواربة يمنحهم نوعاً من الحماية ضد التهمة بالمعاداة.
الإعلام الغربي بذلك يعمل على تورية الحقائق والتجهيل وتعميق الإحساس بالذنب تجاه اليهود أو الصهاينة.
العهد الاخباري: عبير بسًام