الحرب الدعائية وطرق التصدي لها  (1-3)

باتت شبكات التواصل الاجتماعي التي تضم الملايين من البشر منصات حرب تضليلية ودعائية واسعة وتتمثل بمجموعة من الأنشطة والاستراتيجيات التي تهدف إلى التأثير على الرأي العام والسلوك السياسي من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك ومنصة X وإنستغرام وتلغرام.. إلخ. هذه الأنشطة قد تشمل نشر المعلومات المضللة أو المزيفة أو المغرضة، أو استخدام الحسابات الوهمية أو المزورة أو المتلاعب بها، أو تنفيذ عمليات التضليل أو التشويش أو التحريض أو التخريب. الهدف من هذه الحرب الدعائية قد يكون تشكيل أو تغيير أو تقويض المواقف والمعتقدات والانتماءات والثقة بشأن قضايا معينة، أو دعم أو معارضة جهات معينة أو الضغط على طرف معين أثناء المشاورات.

الحرب الدعائية على شبكات التواصل ليست ظاهرة جديدة، فقد سبق أن استخدمت في بعض الصراعات والأزمات السابقة، مثل [الحرب الباردة]  لكنها ازدادت حدة وانتشاراً مع تطور التكنولوجيا وزيادة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي.

 بعض الدراسات تشير إلى أن هناك [أكثر من 70 دولة] شاركت في حملات دعائية على شبكات التواصل بين عامي 2017 و2019. كما أن هناك [العديد من الجهات] غير الحكومية، مثل المجموعات المتطرفة أو المؤسسات الإعلامية أو المؤثرين، التي تستخدم هذه الأساليب لتحقيق أهدافها..

ولأن الشعب اليمني يتعرض لعدوان عسكري إجرامي لتسع سنوات ترافق معه حرب اقتصادية وثقافية وإعلامية وتضليلية واسعة وبالرغم من الهدنة والتهدئة التي اتاحت توقف شبه كامل للحرب العسكرية إلا أن الحرب الدعائية والتضليلية ما تزال مستعمرة ويهدف من ورائها العدو إلى ضرب الجبهة الداخلية التي صمدت في مواجهته وخلق انقسامات بين أبناء الشعب اليمني المجاهد..

 هذه الحرب لا تكاد تتوقف لا ليل ولا نهار وأصبح العدو يمتلك جيشا واسعا من المرتزقة والناشطين الذين يترصدون أبسط الإشكالات والعيوب داخل جغرافيا الوطن الحر ويصنعون منها قضية إعلامية كبرى كما يعمدون للكذب والتضليل وخلق المشاهد والمشاعر المزيفة واعتبار ذلك يحدث يوميا داخل مناطقنا..

إن الحرب الدعائية كما يقول السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله): (( لا يمكن أن تواجهها ببندق, ولا بمدفع, ولا برشاش, يعني: لا تكفي خبرتك القتالية في مواجهة العمل الدعائي, تحتاج إلى الوعي, تحتاج إلى الثقافة القرآنية, تحتاج إلى الكفاءة والقدرة اللازمة, التي تتحرك من خلالها بتقديم هذا الحق إلى الناس, وهو مقنع, وهو مؤثر, وهو سيزيح ما لدى الأعداء من باطل, وسيزهق باطلهم, هذا جانب مهم جداً)).

إذا ما هي الطرق والوسائل والأساليب والسلوكيات التي يمكننا من خلالها مواجهة هذه الحرب التخريبية والتضليلية الواسعة؟! هذا ما سنتناوله في هذا التقرير :

نحن قادرون على مواجهة الحرب التضليلية وتحويلها إلى مجرد فقاعات تتبخر كما واجهنا الحرب العسكرية وذلك من خلال:

  1. عن طريق الوعي العالي

عندما نأتي نحن لنواجه الأسلوب الدعائي, نحتاج أولاً أن نكون نحن فيما نحن عليه من الوعي, فيما نحن عليه من الاستيعاب, والفهم للحق, والثبات عليه, والارتباط بهدى الله سبحانه وتعالى, على مستوى عال, لا نتأثر نحن, ثم نقدم للناس من الهدى والحق, ما يكشف زيف تلك الادعاءات ويفندها.(السيد عبد الملك/ مكارم الأخلاق الدرس الثاني)

  1. فهم الحق واستيعابه وامتلاك القدرة على تقديمه بأساليب مقنعة

ونواجه أسلوب الأعداء الدعائي, بما يكون فعلاً مقنعاً للناس, وبما يكشف زيف الباطل, ودعايات المنافقين والكافرين , هذا جانب مهم.

من يتابع صحافة الأعداء, مواقعهم على الإنترنت, كتاباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي, ونشاطهم الدعائي بين الناس, في قرى, في مدن, في مناطق كثيرة, المنشورات التي توزع, يلحظ فعلاً أن هناك حملة دعائية كبيرة ضد هذه المسيرة القرآنية المباركة جانبين الفهم للحق, والقدرة على تقديم هذا الحق بالشكل المطلوب, بالشكل المؤثر والمقنع, جانبين مهمين, وتسبق عملية الاستيعاب والفهم للحق بالشكل المطلوب, ثم المهارات والقدرات على تقديم الحق بالشكل المطلوب في مواجهة الباطل.[وفي نفس الوقت يجد آذاناً مفتحة واعية فإنه وحده الكفيل بإزهاق الباطل بمختلف أنواعه، ومن أي جهة كان].

 ولذلك كلما كان عندنا استيعاب وفهم لهدى الله, نستطيع أن نواجه كل أنواع الباطل, ما يلبس من الباطل غطاء ديني, مثلما يعمل الوهابيون, الذين يقدمون الباطل باسم الدين, وباسم السنّة, وإلى آخرة, أو ما يلبس بثوب سياسي الدعايات التي يكون لها غطاء سياسي, ويحاربوننا بها, أو بقية الدعايات التي يكون لها إما شكل جنائي, أو شكل اجتماعي, أو أي شيء, عنصري أو غيره, بقدر فهمنا للحق وقدرتنا على تقديمه, نستطيع أن نواجه كل أنواع الباطل, لأن هناك دراسات للواقع, لواقع المجتمع يعملون دراسات وينظرون من خلال التقييم لواقع كل مجتمع, ماهي الدعاية التي يمكن أن تنفق وتؤثر في هذا المجتمع؟..

  1. ترسيخ الثقة بالله وبوعده بالنصر لأوليائه

إذا كان الإنسان ضعيف الإيمان، ضعيف الثقة بالله، ضعيف في إدراكه لتنـزيه الله سبحانه وتعالى قد يهتز عند الشدائد, إما أن يسيء الظن في موقفه: [ربما موقفنا غير صحيح وإلا لكنا انتصرنا، لكنا نجحنا..] تحصل ربما، ربما..إلى آخره، أو يسيء الظن بالله تعالى وكأنه تخلى عنا، وكأنه ما علم أننا نعمل في سبيله، وأننا نبذل أنفسنا وأموالنا في سبيله: [لماذا لم ينصرنا؟. لماذا لم..؟].الإنسان المؤمن، الإنسان المؤمن يزداد إيماناً مع الشدائد: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران:173)؛

 لأن الحياة كل أحداثها دروس، كل أحداثها آيات تزيدك إيماناً، كما تزداد إيماناً بآيات القرآن الكريم {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً}(الأنفال: من الآية2) كذلك المؤمن يزداد إيماناً من كل الأحداث في الحياة، يزداد بصيرة، كم هو الفارق بين من يسيئون الظن عندما تحصل أحداث، وبين من يزدادون إيماناً؟. وهي في نفس الأحداث، أليس الفارق كبيراً جداً؟.

 لماذا هذا ساء ظنه، وضعف إيمانه، وتزلزل وتردد وشك وارتاب؟ وهذا ازداد يقيناً وازداد بصيرة وازداد إيماناً؟! هذا علاقته بالله قوية، تصديقه بالله سبحانه وتعالى، وثقته بالله قوية، تنزيهه لله تنزيه مترسخ في أعماق نفسه، يسيطر على كامل مشاعره فلا يمكن أن يسيء الظن بالله مهما كانت الأحوال، حتى ولو رأى نفسه في يوم من الأيام وقد جثم على صدره [شمر بن ذي الجوشن] ليحتز رأسه كالإمام الحسين (صلوات الله عليه).

حادثة كربلاء ألم تكن حادثة مؤلمة جداً؟ كانت كلمات الإمام الحسين فيها تدل على قوة إيمانه، كمال وعيه، كمال يقينه، بصيرته, كان همه من وراء كل ذلك أن يكون لله فيه رضى، ما دام وفيه رضى لك فلا يهمني ما حصل.

 وهذه هي نفسية المؤمن, نفسية المؤمن هو أن ينطلق في أعماله يريد من ورائها كلها رضى الله. رضى الله هو الغاية.. وإن وضع له أهدافاً مرحلية, وداخلية, هي ليست كل شيء لديه، ليست كل شيء لديه، فإذا لم يتحقق ذلك شك وارتاب، أن يجندوا أنفسهم لمعركة ما مع أعداء الله ثم ينهزمون، أو يرون أنفسهم مضطرين إلى أن يتصالحوا صلحاً مؤقتاً، فيرجعون بنفوس مرتابة لماذا؟. ألم نسمع أن الله تعالى قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج: من الآية40) لماذا، لماذا؟!.

 المؤمن هدفه هو أن يحصل على رضى الله، وأن يكسب رضى الله، وأن يكون في أعماله ما يحقق رضا الله، وأن النصر الذي يريده، النصر الذي ينشده هو نصر القضية التي يتحرك من أجلها، هي تلك القضية التي تتطلب منه أن يبذل نفسه وماله، فإذا كان مطلوب منك أن تبذل نفسك ومالك فهل ذلك يعني بالنسبة لك نصراً مادياً شخصياً؟ الذي يبذل ماله ونفسه فيقتل في سبيل الله، هل حصل نصر مادي له شخصي؟ هو انتصر للقضية، هو حصل على الغاية التي ينشدها، حتى وإن كان صريعاً فوق الرمضاء، ألم يصبح شهيداً؟ حظي بتلك الكرامة العظيمة التي وعد الله بها الشهداء، دمه ودم أمثاله، روحه وروح أمثاله، أليست هي الوسيلة المهمة لتحقيق النصر للقضية؟.

المؤمن لا ينظر إلى نفسه، النصر الشخصي، المقصد الشخصي، قضيته الخاصة، خِطته المعينة، موقفه الخاص. المسيرة هي المسيرة الطويلة: العمل على إعلاء كلمة الله، النصر لدين الله, في هذه المرة أو في المرة الثانية أو في المرة الثالثة، إن لم يكن على يديك أنت فقد يكون على يد آخرين ممن هيأتهم أنت، وهكذا.. حتى تنتصر، ولا بد أن يتحقق النصر.(معنى التسبيح)

 

  1. الرقي الإيماني المستمر

 كلما ضعف جانب الإيمان كلما نفقت كل هذه  الشرور, تنفق الدعاية, تنفق أساليب الترغيب, تنفق أساليب الترهيب, كلما ضعف الجانب الإيماني عندك, يمكن أن يؤثروا عليك, يؤثروا عليك بدعاية, أو يؤثروا عليك بمال, أو يؤثروا عليك بتعقيد, أو يؤثروا عليك بترغيب, لكن إذا كان مسارك مسار إيماني يتنامى فيه إيمانك, وعيك, علاقتك بالله, استشعار للمسئولية, ما يستطيعوا أبدًا أن يؤثروا عليك بأي شيء أبداً.

وهذا الجانب يمثل حصانة كبيرة للإنسان, إذا كنت في واقعك الإيماني ترتقي, لا تهبط, إذا أنت واقف عند مستوى معين ستتناقص, سيصبح إيمانك مثل “البترول ”  إذا سلطت عليه حرارة الشمس يتبخر, يتبخر حتى ينتهي.

أنت إذا كنت واقف في مستوى معين, أحداث كثيرة, تحديات كثيرة, أمور كثيرة ستؤثر عليك, ويتبخر إيمانك, ويتناقص وعيك, وارتباطك, واستشعارك للمسئولية, وما عدى ذلك.[الجندي المسلح بالإيمان إذا لم يكن إلى درجة أن تتبخر كل تلك الدعايات, وكل ذلك التضليل – سواء إذا ما وُجِّه إليه, أو وجِّه لمن هم في طريقه، لمن هم ميدان عمله – يستطيع أيضاً أن يجعلها كلها لا شيء؛ لأن هذا هو الواقع، واقع الحق إذا ما وجد من يستطيع أن ينطق به، إذا ما وجد من يفهمه.

  1. استشعار الخوف من الله في حالة التقصير

يصبح الإنسان بقدر خوفه من الله على درجة عالية من التقوى، من الالتزام، من التجنب للمعاصي، تزكو نفسه، ويطهر قلبه، ويظهر الصلاح في سلوكه، في تصرفاته، في أعماله، تصرفاته وأعماله متزنة، متزنة ليس عنده تهور، وتجاوز للحق، لأنه يخاف، يخاف من الله، وخوفه من الله سبحانه وتعالى يظهر أثره فيه في كل مواقفه، في كل تصرفاته، من خلال التزامه، من خلال التزامه، لا يكون لا من النوع الذي يسهل عليهم التجاوز للحق، يتجاوز سواء في كلامه، في تصرفاته، في أعماله، لا. ولا ممن يتهاون في مقام المسئولية، فلا يبالي بالتقصير، يقصر عامداً، يهمل عن عمد، بقصد، لقلة خوفه من الله سبحانه وتعالى.

حالة الخوف من الله لها أثر إيجابي عظيم في الالتزام الدقيق في مقام العمل والمسئولية، فيكون الإنسان بعيد عن الظلم، بعيد عن المعاصي، يخاف من الله سبحانه وتعالى، ويمثل هذا رادعاً كبيراً له عن تجاوز الحق إلى الدخول في المعاصي.

كذلك التقصير في المسئولية، التقصير في مقام المسئولية، لأنه يخاف الله عنده اندفاع كبير في العمل؛ لأنه يدرك قيمة العمل، هذا جهادك، عملك، تعبك، ما تبذله في سبيل الله، ما تعمله في سبيل الله، هو وقاية لك من عذاب الله، هو الذي يدفع الله به عن جلدك الرقيق جحيم جهنم، نار جهنم، لظى جهنم، حميم جهنم، زقوم جهنم، أغلال جهنم.

 

  1. التوبة والرجوع الصادق إلى الله في حالة الزلل

الإنسان المؤمن لو وصل إلى أي مستوى في إيمانه والتزامه وتقواه وعبادته وإنابته يضل دائماً يستشعر التقصير أمام الله سبحانه وتعالى, يستشعر أنه مقصِّر مهما عمل مهما قدَّم، ويدرك أن من الذنوب ذنوب حتى على مستوى التقصير في الأداء العملي لما يعمله من الطاعات، فهو ملازمٌ للتوبة، ملازمٌ للاستغفار، ملازمٌ للإنابة إلى الله سبحانه وتعالى {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} يأتي التوجيه الإلهي لمن؟ للمؤمنين بالتوبة، المسألة ليست مسألة منحصرة أن تُخاطب المجرمين والمستهترين والمشهورين بكبائر الجرائم والذنوب فتقول توبوا. لا .

 الكل مطلوبٌ منهم أن يتوبوا, بل المؤمن من أهم صفاته أنه توّاب، وأنه ملازمٌ للتوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، فيما هو عليه من استقامة، فيما هو عليه من صلاح، فيما هو عليه من إنابة، فيما هو عليه من عملٍ صالح {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ} ومع ما هم عليه من هذه الصفات الإيمانية العظيمة والرفيعة {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} هم لا يستغفروا من منطلق أنهم أصبحوا مجرمين. لا. بل بكل صلاحهم وإيمانهم بصبرهم وصدقهم وقنوتهم لربهم وعطائهم وإنفاقهم، هم يستشعرون التقصير والقصور فيطلبون من الله المغفرة، ويكررون الإنابة، ويفيقون في وقت الغفلة ليتضرعوا إلى ربهم سائلين له المغفرة, الله سبحانه وتعالى يقول: {‏وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(النور:31) توبوا إلى الله.

 يا مؤمن مهما بلغ بك إيمانك تب إلى الله، وكن دائم الرجوع إليه، ولازم التوبة من أي هفوة أو تقصير أو زلة، قد تتكاثر الكثير من الذنوب التي يتصاغرها الإنسان يستصغرها يتهاون بها حتى تكون مؤثّرة وخطيرة على الإنسان، وشبهها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كمن يجمع الأعواد من الحطب عوداً عوداً حتى تكون لو اشتعلت منه ناراً لأحرقته. (….يتبع)

 

قد يعجبك ايضا