كيف تكون علاقتنا برسول الله؟

 

ولعلمكم، النقص في هذا الجانب يؤثر، فعلاً يؤثر على الإنسان في مدى تفاعله مع الأنبياء في هديهم، في تعاليمهم، فيما أتوا به عن الله، لابد من الانتباه لهذا الجانب، الغفلة عنه تؤثر على الإنسان؛ لأننا عندما نعود مثلاً إلى عصر النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، إلى الذين عايشوه، أسلموا، وكانوا معايشين للرسول، يعيشون بقربه، يصلون معه في مسجده، يحضرون عنده، يشاهدونه، يرونه، ويبصرونه، ويسمعونه، والمعايشة هي من أهم ما يمكن أن يؤثر في الإنسان، أن تعيش مع رسول الله في منطقة واحدة، تصلي خلفه، تسمعه والوحي نزل عليه طرياً، تراه في حياته، في تصرفاته، في أخلاقه العظيمة المؤثرة والمعبرة، البعض لم يكن يتنبه إلى أهمية هذه العلاقة، هذا الارتباط، كيف يكون؛ فكانت تصدر منهم تصرفات غريبة جدًّا، لا تنِم عن المستوى المطلوب من المحبة، من التعظيم، من التوقير، من التأثر، من التفاعل، بل تدل على حالة ضعيفة في مستوى التفاعل والارتباط، هذا القرآن الكريم يؤدبهم، ينبههم، يلفت نظرهم إلى هذه المسائل، ينتقد عليهم، ثم يؤدبهم ويرشدهم إلى كيف يجب أن يكونوا، حينما يقول “جلَّ شأنه”: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا  قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ  وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[الجمعة: الآية11].

البعض كانوا وهم يحضرون عند رسول الله، يشاهدونه، يسمعونه، وهو حتى في أثناء خطبة الجمعة المهمة جدًّا، وما يقدمه إليهم؛ هم في أمسِّ الحاجة إليه، يقدم إليهم هدى الله، تعليمات الله، توجيهات الله، ما فيه تزكية لهم، ما فيه هداية لهم، ما فيه ارتقاءٌ بواقعهم الإيماني والأخلاقي، ما فيه تربية، ما فيه هداية، ما فيه تبصرة، ما هم في أمسِّ الحاجة إليه، وما يسمون به، ويَشرُفون به، ويزدادون إيماناً وصلاحاً به، ما فيه فلاحهم ونجاتهم وفوزهم وعزهم والخير لهم في الدنيا والآخرة، مع ذلك كان البعض منهم: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} وصلت قافلة تجارية، {أَوْ لَهْوًا} أو غير التجارة وأقل أهمية من التجارة، بل ما لا ينبغي أن يكون له أي أهمية؛ (لَهْوًا) ضربة على الطبل أو الدف: (برع) {انفَضُّوا إِلَيْهَا} يعني: خرجوا بشكل غير مؤدب، وليس مثلاً قيام بطريقة هادئة ومتأنية ثم خروج، بل خروج بشكل مسارع، حالة انفضاض {انفَضُّوا إِلَيْهَا} يعبّر هذا عن القيام في حالةٍ من الاستعجال، ومسارعة بغير أي التفاتة، وبغير أي تأن، وبدون أي أدب، ومسارعة وخروج إليها، {وَتَرَكُوكَ} يتركون مَنْ؟! تَرَكُوكَ مَنْ؟ رسول الله، سيد المرسلين، خير وسيد ولد! آدم، خير عباد الله أجمعين، {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} يتركونك تتحدث، لا يبقى عندك إلا البعض، والبعض قد انفضوا وخرجوا ليتحلقوا حول ضربةٍ على طبل أو نحو من ذلك.

حينما لا يكون هناك تركيز على كيف تكون علاقتنا مع رسول الله يمكن أن يكون الإنسان على هذا النحو من ضعف الارتباط، ضعف الانشداد، ضعف العلاقة الإيمانية بالرسول “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، يقول عنهم كذلك يؤدبهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}[الحجرات:2-3].

لاحظوا، البعض كانوا على هذا النحو أيضاً، لا يعون ولا يتنبهون كيف ينبغي أن يكون الأدب مع رسول الله، والتعظيم والتوقير لرسول الله كحالة إيمانية، كحالة نابعة من التقوى، من قلوب امتحنها الله بالتقوى، وملأها بالإيمان. فيرفعون أصواتهم عند رسول الله، في مظهر من مظاهر ضعف الاحترام، ضعف التوقير، ضعف التعظيم لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، ضعف في إدراك عظمة هذا الرجل ومكانته الكبيرة جدًّا عند الله كأعظم منزلة وصل إليها بشر؛ فيكون جهرهم في أصواتهم فيما يتحدثون به مع بعضهم البعض أو يتخاطبون به مع رسول الله نفسه “صلوات الله عليه وعلى آله”، فيجهرون له بالقول كجهر بعضهم لبعض: وكأنه يتحدث مع أي إنسان آخر، وليس كأنه يتحدث مع مَنْ؟ يتخاطب مع مَنْ؟ يتكلم مع مَنْ؟ مع رسول الله، مع خاتم أنبياء الله، مع أعلى الخلق منزلة عند الله، مع عظيم الشأن والقدر، فيجهر لرسول الله ويتخاطب بشكل طبيعي جدًّا، كأنه يتحدث مع أي إنسان {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ}، هذه قضية خطيرة، خطورتها حتى على الإيمان، لدرجة أنها تهدد عملك بكله {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} يحبط عملك، الذي هو: جهاد، وصلاة، وصيام، وصدقات، وووو… إلخ. يحبط خلاص [يقرح جو، ينتهي، ما لا يُحسَب] قضية خطيرة.

كيف ينبغي أن نكون مع رسول الله، مع تعليماته، كيف ينبغي أن تكون محبتنا له فوق كل محبة، كيف ندرك، كيف نؤمن، كيف نعي، كيف نستوعب أن حقه علينا أكبر حقٍ بعد حق الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”، وأن حبه ومستوى محبتنا له يجب أن تكون فوق مستوى كل محبة بعد محبتنا لله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”…إلخ. هذا ما سنتحدث عنه- إن شاء الله- في كلماتٍ قادمة.

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

المحاضرة الأولى من محاضرات المولد النبوي الشريف 1439هـ

قد يعجبك ايضا