حسم الموقف في 21 سبتمبر بسرعة مذهلة فكان يوماً من أيام الله

 

 

على العموم في ظل تلك الوضعية المتردية والسيئة، والتي أوشك الشعب فيها أن يخسر حريته واستقلاله وكرامته ومستقبله، وكان كل شيءٍ فيها يتجه نحو تحقيق وتنفيذ السياسات الأمريكية التي تساعد أمريكا على السيطرة التامة على هذا البلد، وبمعونةٍ من أعوانها الإقليميين والمحليين، تحرَّك الشعب اليمني، تحرَّك تحركاً فاعلاً، وتحركاً يعبِّر عن هويته الإيمانية، عن إحساسه بألم المعاناة التي كانت سائدةً آنذاك، عن إدراكه للمأساة التي قد وصل إليها، وتحركاً يعبِّر عن كل مكوناته الحرة، يعني: لم يكن هذا التحرك منحصراً على مكونٍ معين على المستوى الاجتماعي أو السياسي، الأحرار من أبناء هذا البلد من كل المكونات، ومن كل المحافظات، تحركوا بمسؤولية، وبوعي، وبجد، وباعتمادٍ على الله “سبحانه وتعالى”، في ثورةٍ شعبيةٍ مميزة؛ لأنها ثورة أصيلة، لم تكن امتداداً لأي توجه خارجي، ولا بدفع من أي جهة خارجية، إنما كانت نابعةً من وعيٍ وإحساسٍ بالمسؤولية، ومن واقع معاناة حقيقية يعاني منها الشعب آنذاك، فهو تحركٌ واعٍ، وتحركٌ مسؤول، وهو تحركٌ نابعٌ عن معاناةٍ حقيقية وتحرك فاعل وحكيم ومميز بخطواته الحكيمة والصائبة والمميزة والفاعلة والقوية، وهو يعبر فعلاً عن هوية هذا الشعب التي أبرز عناوينها: الإيمان والحكمة، رأينا الإيمان في تلك الحركة النشيطة والفاعلة والقوية والشجاعة والعزيزة لهذا الشعب الذي هب من مختلف المحافظات، هبت قبائله وتحرك أحراره نحو المخيمات ونحو الساحات بنشاط، بفاعلية، بشجاعة، بقوة، بعزة، في مقابل الحالة التي كانت قد سادت على الوضع الرسمي والسياسي من الخنوع والاستسلام، والتذلل أمام الأمريكي، وأمام أعوانه من السفراء الأجانب، حتى باتت السفارات وضباط المخابرات هم من يصدرون التعليمات والأوامر والتوجيهات لأبرز المسؤولين، لكن الحالة الشعبية كانت حالةً مختلفة، برز الإباء اليماني والشجاعة اليمانية وتُرجِمت الحرية بالقول وبالفعل في ذلك التحرك لجماهير هذا الشعب.

ما أجمل تلك المواكب التي اتجهت نحو عواصم المحافظات، ثم نحو صنعاء! وما أجمل ذلك التجمهر الواسع لأبناء هذا الشعب، وذلك التحرك الجماهيري البارز والحاشد والهادر في الساحات، وتلك الأصوات التي امتلأت بها الساحات، وسمع بها كل العالم، وتلك القبضات والصرخات، وارتفاع الأيدي الذي كان حاضراً يعبِّر عن موقفٍ وقرارٍ واعٍ وحكيمٍ وصحيحٍ ومبدئٍ وإنسانيٍ وأخلاقي، خطوات متسارعة، وعملية منظمة، ووصل الحال بأولئك الأجانب الذين كانوا يقودون هم الحالة الرسمية والسياسية من أوكارهم في السفارات، وصلت بهم الحالة إلى إرباك شديد أمام هذا التحرك الذي تفاجئوا به، لقد كانوا يقيسون الحالة الشعبية بقياس الحالة الرسمية والسياسية، وكان لعابهم قد سال، وأطماعهم قد كبرت، حتى ظنوا أن هذا الشعب فريسةً سهلة، وظنوه لقمةً سائغة، ففوجئوا بحالة مختلفة كلياً عن تلك الحالة الرسمية والسياسية المتوددة إليهم دائماً، الخانعة لهم دائماً، والمنحنية أمامهم دائماً، إذا بهذا الشعب أبي وحر، وصوته مرتفع، ومواقفه قوية، وثباته على موقفه صلبٌ وصامد، لا تراجع، ولا انكسار، ولا مساومة، عمدوا إلى خطوات للترهيب، إلى إثارة العناوين الطائفية المناطقية، عمدوا إلى القمع، فوجه إليهم هذا الشعب صفعةً تاريخيةً مدوية يوم انتهكوا الخط الأحمر المتمثل بدماء أبناء هذا الشعب، آنذاك خاطبناهم بلسان هذا الشعب، وقلنا لهم: إياكم أن تسفكوا دم أبناء هذا الشعب، دم هؤلاء الأحرار الذين تواجدوا في ساحات العاصمة صنعاء وهم ينادون بصوت هذا الشعب، بآماله، بتطلعاته، ليس لهم أي مطامع ولا أي مطالب فئوية، أو حزبية، أو شخصية، مطالبهم جامعة، وصوتهم يعبر عن كل هذا الشعب، ولمصلحة كل هذا الشعب، لا تسفكوا دماءهم، إن سفكتم دماءهم فالموقف سيكون موقفاً آخر.

لم يستوعبوا هذا التحذير، ولم يدركوا قوة وفاعلية هذا الشعب المستمدة من توكله على الله، ومن هويته الإيمانية، ومن مبادئه وقيمه الفطرية والإيمانية، لم يستوعبوا هذا التحذير، فعمدوا إلى سفك دماء أبناء هذا الشعب، ولم يتركوا له حتى حرية التعبير، وحرية الكلمة، وحرية أن يعبر عن قضاياه المحقة، ومطالبه المشروعة، وعندما سفكوا دماءه أتتهم الصفعة المدوية المفاجئة المذهلة التاريخية، فكان يوم الحادي والعشرين من سبتمبر يوماً من أيام الله “سبحانه وتعالى”، وحسم الموقف بسرعة مذهلة جعلتهم في حالة من الذهول والدهشة، لا يستوعبون ما الذي حصل، ولا أعرف في تاريخنا المعاصر مثيلاً لمثل ذلك الإنجاز الذي لم يكن يتحقق بمثل تلك الدقة، وبمثل تلك الطريقة التي تمثلت فيها السلامة، والمحافظة على حياة الناس وممتلكاتهم وحقوقهم، وسرعة الإنجاز بأقل كلفة، لولا توفيق الله “سبحانه وتعالى”، كان توفيق الله ومعونته ونصره وتأييده ورعايته لهذا الشعب المظلوم هو سر النجاح الذي لم يكن له من مثيل في سرعة حسم الموقف بطريقة هادئة وسريعة وعجيبة ومدهشة لكل العالم.

قد يعجبك ايضا