مفاوضات صنعاء – الرياض ما بعد وقف التصعيد إلى تثبيت الهدنة

الكاتب:د. عبد الملك محمد عيسى

تمر المفاوضات ما بين الوفد الوطني اليمني برئاسة محمد عبدالسلام المتحدث الرسمي باسم أنصار الله رئيس الوفد الوطني وما بين الرياض بمطبات كثيرة وطرق شائكة طوال عام ونيف وحتى اليوم، فبعد الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة اعتقد الشعب اليمني بأن السعودية وصلت في حربها إلى طريق مسدود وأنها ستقوم بتنفيذ الشروط اللازمة لإنهاء عدوانها على الشعب اليمني والتسليم بشروط صنعاء المحقة لتنفيذ الاتفاق، هكذا كان الاعتقاد إلا أن الشعب اليمني اكتشف طوال فترة العام بأن السعودية لديها خطة أخرى وهي التي تحدث عنها السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله التي أطلق عليها الخطة (ب) والسيد القائد عندما تحدث عنها ليس من باب التهويل أو من باب التخلي عن المسؤولية بل من باب المعطيات والمعلومات التي يمتلكها كحقيقة ثابتة فالسعودية حاولت أن تتلاعب بصنعاء عبر اللجوء إلى الخطة (ب) وتثوير المجتمع اليمني ضد حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء وتحميلها مسؤولية عدم صرف المرتبات وهي خطة أمريكية تم اللجوء إليها بعد أن عجزت السعودية والإمارات عن تنفيذ المطلوب منها في الملف اليمني، فقد تعهدت السعودية والإمارات أمام الأمريكي باحتلال صنعاء خلال أسبوع وعند العجز في تنفيذ الخيار العسكري لجأت الإمارات إلى الخطة (ب) الخاصة بها وهي اللجوء إلى الرئيس الأسبق “صالح” وحاولت أن تخلق فتنة بين بعض أتباعه وبين حكومة الإنقاذ في العام 2017م وفق خطة أمريكية تعهدت الإمارات بتنفيذها، وعندها أعلن “صالح” فك الارتباط بالاتفاق السياسي القائم حتى اليوم ولكن الدولة حينها حسمت المسألة وتم القضاء على هذه الفتنة التي وقى الله شرها.
فقامت السعودية باللجوء إلى الخطة (ب) والتي تكفلت بتنفيذها والمعتمدة على عناصر هامة منها:
1 – التخلص من   عبدربه منصور هادي باعتباره عائقاً أمام تنفيذ أي خطة جديدة.
2 – وضع قادة المليشيات الارتزاقية في مجلس رئاسي واحد (مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي، مليشيات طارق عفاش، مليشيات ألوية العمالقة، مليشيات حزب الإصلاح، مليشيات حضرموت، وغيرها) لتوحيد هذه المليشيات ضد حركة أنصار الله وفق المعطيات في حينه.
3 – التصعيد العسكري من أجل الوصول إلى حلول سياسية وفقط معطيات ميدانية جديدة منها محاولة السيطرة على محافظة البيضاء والجوف ومأرب والتي تكللت بالفشل الذريع.
4 – تثوير الشعب اليمني ضد حكومة الانقاذ الوطني وتحميلها المسؤولية عن انعدام المرتبات وإثارة السخط الشعبي ضد أي خطوة تقوم به الحكومة حتى لو كانت إيجابية (كما هو الحال مع المولد النبوي الشريف 1445هـ).
كل هذه الخطوات كانت تتم وفق سياق مدروس ومخطط أمريكي واضح المعالم وتم تكليف السعودية بتنفيذها مع خطوة إضافية وهي محاولة تخدير صنعاء عبر المفاوضات غير المباشرة التي تتم في سلطنة عمان والوصول إلى حلول جزئية وكأن الأمور محسومة للوصول إلى حلول نهائية، فكان الطرح أن الموضوع بحاجة “لوقت أطول” وهي من ضمن الخطة (ب) لتخدير صنعاء.
السيد القائد كان على يقين بهذا المخطط ووصلت إليه المعلومات الدقيقة عنه ولكنه يتعامل مع الله سبحانه وتعالى فاستخدم أسلوبين هامين قرآنيين:
1 – الصبر الاستراتيجي.
2 – إقامة الحجة على الخصم.
اعتقد الأمريكي والسعودي من بعده بأن صنعاء غافلة عن المخطط المراد تنفيذه وأن صنعاء نائمة على حرير، لكنها قامت حينها بخطوات هامة للفت الانتباه بمعرفتها على المخطط والرد عليه عبر الآتي:
1 – القيام بمناورات عسكرية هامة في صنعاء والمحافظات وخاصة في مدينة الحديدة استعرضت فيها بعض الأسلحة الهامة منها البحرية والجوية والصاروخية والطيران المسير.
2- القيام بتحذير السفن التي تنهب النفط اليمني من الاقتراب من الشواطئ اليمنية فاعتقدت الرياض بأنها  مجرد كلام أو استهلاك إعلامي.
3 – توجيه القيادة للجيش اليمني بضرب “حنفيات” تصدير النفط بحضرموت وشبوة لعل وعسى تستوعب السعودية وأمريكا بأن الخطة مكشوفة.
وهي خطوات مدروسة بالتتابع.
استمرت السعودية وأمريكا في تجاهل المطالب اليمنية إلى حين خطاب السيد القائد في 25 محرم 1445 في ذكرى استشهاد  الإمام زيد بن علي عليه السلام الذي هدد فيها السيد القائد بأن الخطة (ب) مكشوفة وأن رد الشعب اليمني ضدها سيكون التصعيد وحذر السعودية من خسارة مشروع (نيوم).
بعدها قام الرئيس مهدي المشاط بتهديد السعودية في خطاب له أثناء زيارة محافظتي عمران وصعدة بأن الشعب لن يستمر في التفرج وبأنه قادم على تصعيد حقيقي وستكون السعودية أكثر المتضررين منه، عندها أفاق العالم على فرضية سيناريو إعادة الأمور إلى المربع الأول، وهو العودة عن خفض التصعيد والعودة للحرب (وهو خيار شعبي في المقام الأول) فالشعب اليمني كان على مستوى عالٍ من الوعي ولن يقبل أن يعيش في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وخانقة بينما المرتزقة ينعمون بالثروة اليمنية، ففضل العودة إلى التصعيد على أن تكون هدنة يتجرع فيها ضيق العيش، وكشف رئيس الجمهورية في الخطاب عن بنود مشابهة للخطة (ب) وشرح بعض مضامينها.
تحركت الدبلوماسية في سلطنة عمان وبدأ الحديث عن العودة إلى الملف اليمني كأولوية وكانت زيارة بن سلمان ولي عهد النظام السعودي أحد أهم مفتاح الوصول إلى حلول سياسية .
على نطاق واسع يُعتقد أن الحلول موجودة ومتفق عليها سواء الآليات أو فصل الملف الإنساني عن باقي الملفات وهو ما أكد عليه السيد القائد بعدم القبول بأقل من ذلك خاصة بعد زيارة الوفد السعودي إلى العاصمة اليمنية صنعاء في رمضان الماضي.
إلا أنه يبدو بأن السعودية تريد تقديم نفسها كوسيط وكأن الحرب العدوانية على الشعب اليمني ما هو إلا مجرد حرب أهلية بين متخاصمين يمنيين وأنها تحاول رأب الصدع بينهما وهذا الأمر غير صحيح مطلقاً فالعدوان أعلن من واشنطن عبر السفير السعودي حينها عادل الجبير وتفاجأ به حتى الرئيس الدمية عبدربه منصور هادي وهي من شكلّت وقادت تحالف العدوان ومولت وسلحت الميليشيات المحلية والأجنبية.
أثناء زيارة بن سلمان مؤكد بأنه قدم تعهدات لدى سلطنة عمان عن مدى جديته في الوصول إلى حلول حقيقية في الملف اليمني بعد أن أحرجت سلطنة عمان لدى صنعاء التي أعلن السيد القائد بأنها أعطيت الوقت الكافي لكل الوساطات وأنه لم يعد مقبولاً الاستمرار بنفس الآلية السابقة وتنفيذ الخطة (ب) وأن الشعب اليمني لديه الوعي الكافي والمعلومات الدقيقة عن هذا المخطط وبعد أخذ التعهدات المطمئنة ذهب الوفد الوطني اليمني إلى الرياض لحسم بقية الملفات العالقة والوصول إلى حلول حقيقية.
يبدو أن ثمة ملفات تريدها أمريكا من قبل السعودية منها على سبيل المثال قضية التطبيع ما بين السعودية والكيان الصهيوني المحتل وهو أولوية أمريكية والسعودية تعتبر الخروج من اليمن أولوية سعودية فيبدو أن اتفاقاً أمريكياً سعودياً يتم إعداده لمقايضة الملف اليمني كأولوية سعودية مع التطبيع مع الكيان الصهيوني كأولوية أمريكية رغم أن أمريكا لا تريد حل الملف اليمني تحت أي ظرف إلا بمقابل أكبر وهو التطبيع مع الكيان الصهيوني.
القيادة الثورية كما السياسية لم تعد تثق بالمفاوضات مع الرياض ولكن هناك أمل بسيط بنجاح الوفد الوطني بالوصول إلى حلول حقيقية، ما لم فسيكون خطاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في ذكرى المولد النبوي الشريف حاسماً ومفصلياً إما هدنة حقيقية تكون مقدمة للحل النهائي وإما العودة إلى التصعيد.
وما وصول الوفد الوطني المفاوض إلى الرياض إلا من باب إقامة الحجة أمام الله سبحانه وتعالى وأمام الشعب اليمني الذي صبر عاماً ونيف من أجل السلام.
إلى ذلك الحين ننتظر هل تتجه الأمور نحو التصعيد العسكري
أم إلى هدنة بعد الوصول إلى تفاهمات في الملف الإنساني الذي على رأسه:
1 – الوصول إلى اتفاق تبادل الأسرى وفق مبدأ الجميع مقابل الجميع.
2 – فك الحصار عن الشعب اليمني (فتح مطار صنعاء الدولي – فتح الطرقات البرية – فتح ميناء الحديدة أمام الملاحة البحرية).
3 – تسليم المرتبات لجميع موظفي الدولة من الثروات الوطنية (النفط والغاز).
وهي الملفات التي تحدث فيها رئيس الوفد الوطني المفاوض قبل ذهابه إلى الرياض كونها حقوق أصيلة لجميع أبناء الشعب اليمني شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً وملفاً إنسانياً لا علاقة له بالحرب العدوانية على الشعب اليمني ومن ثم التفاوض على حلول سياسية في باقي الملفات بعد خروج القوات الأجنبية المحتلة من الأراضي اليمنية.

 

قد يعجبك ايضا