حادثة الفيل وإرهاصات مولد النور

 

في ظل ذروة تلك الأوضاع في ما هي عليه من مشاكل وأزمات وفتن وجاهلية وظلمات أتت حادثة اسمها (حادثة الفيل)، في عامٍ سميّ بعام الفيل، عام الفيل هذا اتجهت فيه قوة عسكرية جبَّارة، بقيادة (أبرهة الحبشي)، وأبرهة هذا من الحبشة، وله جيش كان من الحبشة ومن مرتزقة العرب، سواءً من اليمن، أو من غير اليمن (من الجزيرة)، جيش ضخم اتجه بهدف هدم الكعبة، وبهدفٍ آخر رئيسي يغفل عنه الكثير من أصحاب السير والمؤرخين، الهدف الآخر هو: ما قد أُثِر من بشارات وأخبار عن زمن أو عن عامٍ يولد فيه نبيٌ جديد يغير وجه هذا العالم، ويسقط الكيانات القائمة للطاغوت والاستكبار والفساد والظلم والانحراف، نبي سيقدم ويغيّر هذا الواقع بكله، على أساس أن المؤشرات والأخبار تدل على مولده في ذلك العام، وفعلًا، كان العام نفسه عام مولد رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، فذهب وكان معه فيل كبير، أو مجموعة من الفيلة- كما في بعض الأخبار- بينها فيل كبير، والفيل كان يستخدم عسكريًا لدى بعض الدول- آنذاك- والكيانات المتمكنة، كما هو حال الروم والفرس، والعرب كانوا يخافون جدًّا من الفيل، ينهزمون عسكريًا، يعني: يرون فيه عتادًا عسكريًا غير مألوف بالنسبة لهم؛ فيخافون منه، وينهزمون بسرعة، ولا تثبت أمامه الخيول، فاتجه عسكريًا ومعه الفيل هذا والأفيال تلك، وفعلًا، مع العظمة التي كانت للكعبة والتقديس الذي كان للبيت الحرام، لكن الفجيعة من الفيل جعلت العرب كلهم يتنصلون عن حماية البيت، وعن التصدي لأصحاب الفيل، وغفلتهم عن الهدف الرئيسي للحملة العسكرية تلك، التي هي حملة كما كانت حملة فرعون للاستباق لولادة موسى بقتل كل الأطفال.

ذهبت تلك الحملة وفشلت؛ لأن الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” تصدى لها، وكان التصدي الإلهي من خلال الطير الأبابيل التي أرسلها الله لإبادة ذلك الجيش، كانت هي- أيضًا- من أكبر وأهم إرهاصات هذا المولود القادم الذي ولد بعد أيام، بعد أربعين يومًا في بعض الأخبار، البعض أكثر، البعض أقل، لكن في نفس ذلك العام ولد رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.

نتحدث في الغد- إن شاء الله- عن رسول الله في مولده، ما بعد مولده، في بداية أمر الإسلام، في التغيير العظيم الذي صنعه بالإسلام في واقع العرب، وفي الواقع العام البشري، امتدت تأثيراته العظيمة إلى كل أنحاء الدنيا وإلى اليوم.

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

المحاضرة الرابعة من محاضرات المولد النبوي الشريف 1439هـ

قد يعجبك ايضا