الواقع الذي صنعه النبي مُحَمَّــد (ص) كان أرقى مرحلة في تَأريخ البشرية

هكذا هو الإسْــلَام العظيم الذي يحول الأُمَّــة إلَى أمة لها رسالة تنشد الحقَّ تسعى إلَى الخير، وتحمل إرَادَة الخير وتسعى لنشر الخير في العالم أجمع وإحقاق الحق وإقامة العدل.

الإسْــلَام الذي هو دينُ ألفة وَإخاء وتعامل وتفاهم، يقول الله فيه (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، يقول الله فيه (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) يقول الله فيه (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ)، هذا الإسْــلَام العظيم الذي أثمر في الواقع، تجربة معطاءة عظيمة مشروع واقعي كانت تجربةً الواقعية وحضروه الفعلي في واقع الناس ولمس تغييره، لم يكن مجرد مشروع مثالي، ليبقى مجرد نظرية تقال أَوْ تدرس فقط، لا، نزل إلَى الواقع على يد الرَّسُــوْل مُحَمَّــد صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَـى آلِــهِ، ولمست عظمة هذا الإنْـسَـان وغيّرَ الواقعَ تَمَــاماً ومثّلَ فعلاً أرقى مرحلة في تَأريخ البشرية فيما عُرف عن تَأريخها، في كُلّ ما عُرف عن تَأريخ البشرية، وأرقى واقع هو ذلك الواقع الذي صنعه الإسْــلَام فعلاً في المنطقة العربية وامتدت آثاره إلَى كُلّ أرجاء المعمورة بفعل حركة النبي مُحَمَّــد صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَـى آلِــهِ بتلك القيم بتلك المبادئ بتلك الأَخْلَاق بتلك التعاليم.وهذا ما يجبُ أن نعيَه جيداً.

ثم بعد الانحراف عن تلك القيم عن تلك الأَخْلَاق عن تلك التعاليم، عن ذلك الهدى، والاقتصار على شكليات وليست حتى في مستوها النقي، تطوّع لخدمة الجائرين والمستكبرين، أصبحت المساجد تُطوَّعُ لخدمتهم أصبحت الجبايات المالية تُطوَّع لمصلحتهم، وهكذا أصبحت بقية الهامشيات، باستثناء الأوساط التي تستمر في اتجاهها الصحيح كأوساط الأُمَّــة.

ولكن نتائج الانحرَاف في واقع الأُمَّــة ملموس وكارثي ومأساوي جداً، فالدين الإسْــلَامي الذي جلب للأمة الحرية وأراد للبشرية كلها أن تكونَ حرة، عندما غاب عنه هذا المبدأ ما هو واقعنا اليوم نحن المسلمين.

تأتي قوى العالم المتجبرَة المستكبرة، وفي طليعتها أَمريكا ومعها إسرائيل، ويأتي البعضُ من داخل المسلمين من العملاء والخونة والمجرمين المنقلبين على مبادئ الإسْــلَام العظيمة والطاعنين لأمتهم في الظهر، يأتون من جديد لاستعباد الأُمَّــة..

المشكلة التي تعاني منها اليوم أمتنا هي مشكلة الاستعباد الذي يريدُه الأَمريكي والإسرائيلي بأمتنا، هو الاستعباد لأمتنا والتحكم في كُلّ شيء في واقع أمتنا، وهذا هو الاستعباد، أن يفرضَ عليكم ثقافتَه وسياسته، أن يتحكمَ بك في كُلّ شأنك، لا تفعل إلَّا ما يريد ولا تتَحَـرّك إلَّا بما يريد، وأن يحكم حياتك، أن يحكم واقعك، أن يتحكم بكل شأنك، هذا هو الاستعباد.

وديننا هو دينُ الحرية الذي تعلمنا فيه ونتعلم منه أن لا نقبل أبداً بأن نُستعبد لأحد وأن لا نكونَ عبيداً إلَّا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى، ديننا هو الذي علمنا الله فيه وقال في قرآنه (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ).

الإسْــلَام يعلّمنا كمسلمين أن لا نتجه نحن لاستعباد أحد وأن لا نستعبد بعضنا البعض وأن لا نقبل من أحد من البشرية أن يستعبدنا؛ لِأَن الله لم يريد لأحد أن يتخذ العبادَ أرباباً، أن يجعل من العباد عبيداً له، وَأن يجعل من نفسه رباً لهم، حتى الملائكة ليس لها ذلك، وحتى الأنبياء ليس لهم ذلك، فما بالك بالمجرمين والمتوحشين والقوى الانتهازية والطامعة والمتجبرة.

مأساةُ الأُمَّــة أن يأتي إليها أشرُّ خلق الله أسوأ عباد الله، قوى طاغية متجبرة ظلومة متوحشة لا أَخْلَاق لها ولا قيم ولا تُعطي أي اعتبار ولا مكانة للبشرية ولا لحقوق البشرية فتستعبدها قهراً وتستعبدها إذلالاً وهواناً وظلماً.

إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى حينما وجّه عباده لطاعته وعبادته إنما يفيضُ عليهم من رحمته ويفيض عليهم من كرمه، إنما يمنحهم من عزته، أما أولئك فهم بطغيانهم وإجْــرَامهم ووحشيتهم ولا إنْـسَـانيتهم وخلوهم من كُلّ القيم من كُلّ الأَخْلَاق من كُلّ المعاني النبيلة والشريفة هم يستعبدون الناس بالإذلال بالاضطهاد بالظلم بالإفساد بالهوان، وهذا ما لا يجوز ولا يمكن القبول به نهائياً..

الأُمَّــة التي كان قد صنع منها الإسْــلَام بمنظومته المتكاملة أمة واحدة اليوم متفرقة، وتستمرُّ عملية التفريق والتجزئة والبعثرة، وتلقى ساحةً قابلة ومهيئة، فينجر الكثير من المحسوبين على الأُمَّــة، ينجر بكل بساطة إلَى تلك العناوين التي تسوَّق وتشغَّل وتفعّل لتفرقة وتجزئة الأُمَّــة وإثارة العداوة والبغضاء بين أوساط الأُمَّــة، العداءات وفقاً للعناوين الطائفية والمذهبية، تلقي تجاوباً بين أوساط الأُمَّــة.

ينجر الآلاف والآلاف من أوساط الأُمَّــة فيحملون العداوة والبغضاء وإرَادَة الشر والحقد وَالكراهية ويتَحَـرّكون ليقتلوا أَوْ ليدمّروا أَوْ ليؤذوا الكثيرَ من أَبْـنَـاء الإسْــلَام تحت عناوين طائفية أَوْ مذهبية عناوين، تفرقة على المستوى المناطقي تلقى تجاوباً، فيأتي البعض ممن يحمل اسم إسْــلَام وينتمي إلَى الإسْــلَام وهو يجهل مبادئ هذا الإسْــلَام وقيم هذا الإسْــلَام وهو مُفرَغ مِن أثر تلك المبادئ العظيمة بالإسْــلَام في نفسه وبحقد مناطقي يتخذ موقفاً من أخيه المسلم؛ لِأَنه من تلك المنطقة، أنا من منطقة كذا فاكره الذي من منطقة كذا، وأريد أن أقتل الذي من منطقة كذا ولا أريد أن أقبل به، أي انحطاط؟، أي تخلف؟، أية مأساة هذه التي وصلت إليها هذه الأُمَّــة، الله يقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُو) اليوم توظّف حالة الانتماءات هذه الانتماءات المناطقية التي هي للتعارُف للتحارب للتقاتل للتباغض للكراهية للعداوات والبغضاء.

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

خطاب السيد في ذكى المولد النبوي الشريف لعام 1437هـ

قد يعجبك ايضا