لاستنقاذ الأمة من وضعيتها لا بد من إعادة الرابطة الإيمانية بخاتم الأنبياء
إن الكفيل بحصول المجتمع الإسلامي على هذه الرحمة في الدنيا والآخرة مجتمعًا وفردًا هو بالتفاعل والتجاوب مع هذه الرحمة، متمثلةً في نبي الإسلام، رسول الله محمد “صلى الله وسلم عليه وعلى آله” بمنهجه ورسالته التي تضمَّنها القرآن، وحركته بالرسالة التي قدم فيها الأسوة والقدوة والمعلم والمزكِّي، المربي الهادي، لتستعيد الأمة تجربة مجدها الأول الذي استنقذها به نبي الله من جحيم الجاهلية الأولى، يوم كانت قد فقدت الرحمة لدرجة وَأْدِ البنات وقتل الأبناء لأتفه الأسباب، ويوم استباح الإنسان كل شيء في أخيه الإنسان، وفقد جوهر إنسانيته.
واليوم لابدَّ- في الاستنقاذ من الجاهلية الأخرى الأكثر شرًا من الجاهلية الأولى- من إعادة الوصل والعلاقة والرابطة الإيمانية برحمة الله المهداة لعباده، خاتم أنبيائه محمد “صلى الله عليه وعلى آله”، وأول ما تحتاج إليه الأمة في ذلك؛ معرفة هذه العلاقة، وما ينبغي أن تقوم عليه من التعظيم والتوقير والإتِّباع، فالله “سبحانه وتعالى” قد دمج في القرآن الكريم علاقتنا به بعلاقتنا برسوله، لنعرف أنها علاقة إيمانية، فجعل طاعته من طاعته، قال “جلَّ شأنه”: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ}[النساء: من الآية80]، وجعل الإيمان به والتعظيم والتقديس كذلك، قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفتح: الآية 9]، فدمج بين التسبيح له سبحانه وبين النصرة والتعظيم لرسوله محمد، والإيمان به وبرسوله، وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: الآية 21].
فَهَلُمَّ يا أمة الإسلام إلى نبي الإسلام في رسالته، في حركته، في جهاده، في صبره، في هدي قرآنه، هَلُمَّ لتزكية النفوس، فالله كلفه بتزكيتنا، هَلُمَّ إلى مكارم الأخلاق، فهو بعث ليتمم مكارم الأخلاق، هَلُمَّ إلى الرحمة والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالمرحمة، هَلُمَّ إلى الثبات في مواجهة التحديات، وهَلُمَّ يا يمن الإيمان ويا أحفاد الأنصار لتنمية القيم الإيمانية، وترسيخ المبادئ الإيمانية، وتعزيز الروابط الإيمانية، وتتميم مكارم الأخلاق، وتقديم النموذج من جديد كما النموذج الأول من أجدادنا الأنصار، {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: من الآية 9]، تقديم النموذج الذي قدمه الأجداد، فقال عنهم رسول الله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم”: ((إِنَّكُم مَا عَلِمْتُم، تَكْثُرُونَ عِنْدَ الفَزَعِ))، رجال مواقف، رجال صمود، رجال شجاعة وأهل مبادئ، ((تَكْثُرُونَ عِنْدَ الفَزَعِ، وَتَقِلُّونَ عِنْدَ الطَّمَعِ))، نفوس زكية وعفيفة، ليست أسيرةً للطمع والذل، تقديم النموذج المؤمن، العزيز بعزة الإيمان، والحكيم بحكمة القرآن، تقديم النموذج المحب لله ولرسول الله ولمسؤوليته المقدسة فوق كل محبوب ومرغوب لتحقيق مصداقية الإيمان، حينما قال رسول الله “صلى الله عليه وعلى آله”: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حَتَى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين))، وتعزيز ارتباط الولاء الصادق الراسخ لرسول الله الذي ولايته علينا كمؤمنين فوق ولايتنا على أنفسنا، {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}[الأحزاب: من الآية 6]، لتقديم النموذج الأول الذي حمل راية الإسلام، راية الحق، راية الحرية، والعدل، والكرامة، ناصرًا، ومضحيًا، ومعطيًا، ومجاهدًا؛ حتى قامت للإسلام دولته، وللأمة كيانها الكبير، وللإسلام الحق سيادته، وللعدل حكمه.
الخطاب الجماهيري للسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف12 ربيع الأول 1439هـ