أعظم برنامج لتزكية النفس البشرية هو في رسالة الله
أعظم برنامج لتزكية النفس البشرية هو في رسالة الله، أشياء كثيرة في رسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” تتجه نحو تزكية الإنسان، وتترك أثرًا عظيمًا في تزكية نفسه، بدءًا بإيمانه بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الإيمان الصادق، الإيمان الواعي، الإيمان الفعلي الذي يترك أثرًا عظيمًا في مشاعر الإنسان، تمتلئ بالمحبة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هذا له أثر في طهر المشاعر، في نقائها، في صفاء الوجدان الإنساني إلى حدٍ كبير، إذا سكنت في مشاعرك المحبة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ونمت وعظمت؛ تركت أثرًا إيجابيًا في شعورك ووجدانك واتجاهك في هذه الحياة، وسمو روحك، الخوف من عذاب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، التعظيم لله والاستشعار لعظمته ولرقابته، الإيمان بالمعاد والحساب والجزاء، كل هذا له أثر مهم في تزكية النفس البشرية، والانطلاقة في هذه الحياة بمسؤولية، وإدراك لقيمة هذا الوجود البشري، وماذا يعنيه، وما هو دور هذا الإنسان في هذه الحياة، وما ينتظره من حساب ومن مستقبل كبير جدًّا: إمَّا في الخير، وإمَّا في العقاب.
ثم كثيرٌ من العقائد، كثيرٌ- أيضًا- مما ورد في القرآن الكريم مما يحبب للإنسان الخير، مكارم الأخلاق، ما ورد عنها مما يحببها لهذا الإنسان، مما يشده نحوها، مما يرغبه فيها، فيما ترى فيها من إيجابية في هذه الحياة، فيما يترتب عليها من نتائج، فيما تمثِّله من سمو للإنسان وزكاء وارتقاء وصلاح لحياته، ثم كذلك التدخل الإلهي، الرعاية الإلهية التي تساعد في صلاح هذا الإنسان، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}[محمد:الآية17]، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يقول: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}[النور:من الآية21]، {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا}[النور:من الآية21]، الله بفضله وبرحمته هناك جانب أساس من رعايته يتجه نحو الإنسان لتزكيته، عطاء إضافي من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
تشريعات- كذلك- مهمة، تحميك من الأشياء التي تدنِّس نفسك، تلوث مشاعرك، تصيب قلبك ومشاعرك ووجدانك بالرجس، فتأتي كثيرٌ من التشريعات لتحميك منها، وتبعدك عنها؛ فتصونك، وتحافظ على وجدانك ومشاعرك، كثير من التشريعات الإلهية والأعمال المهمة التي يأمرنا الله بها، أو يرشدنا إليها ويحثنا عليها، تترك أثرًا من الزكاء في نفس الإنسان، وهكذا برنامج واسع يساعد على تزكية هذا الإنسان.
والرسول “صَلَواتُ اللهِ عَلَـيْهِ وَعَلى آلِه” من موقعه في الرسالة فيما يدعو إليه، فيما يربي عليه، فيما يحرك الأمة فيه، فيما يقدمه من إرشادات وتوجيهات وتعليمات ليزكي الأمة، مسار رئيسي في حركة الرسالة وفي مضمونها يتجه نحو تزكية الإنسان، إذا لم تتزك نفسية الإنسان- لو بلغ ما بلغ- يمكن أن يصل إلى مستوى عالم ديني بالمفهوم السائد، يعني: يحمل كثيرًا من المعلومات عن الدين، عن الشرع الإلهي، عن المعارف الدينية، وفي نفس الوقت يكون في غاية السوء، مثلما سيأتي: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}[الجمعة:من الآية5]، (كَمَثَلِ الْحِمَارِ) هل يمكن أن تقول: أن الحمار يحمل نفسا زاكية، وتوجهات زاكية، وأخلاقا فاضلة، ويحمل من مضمون ما يحمل من كتب، حتى لو حمَّلوه أسفار التوراة، هل سيحمل مضمونها الأخلاقي والعملي في نفسيته، وشعوره، وسلوكياته، وفهمه، وبصيرته؟ لا، حمار، ولذلك هذا الجانب أساسيٌ جدًّا، حتى في الواقع العملي والاستقامة العملية لا تتحقق إلَّا بهذا، إذا أُهمِل هذا الجانب لا تنفع الجوانب الأخرى. {وَيُزَكِّيهِمْ} ويريد الله للمجتمع المسلم أن يكون مجتمعًا زاكيًا في النفسيات والتصرفات والأعمال، أن يبتعد هذا المجتمع عن المفاسد، عن الرذائل، عن القبائح، عن الفواحش، عن الجرائم، يتزكى فيبتعد عن ذلك حتى بدافع نفسي.
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
المحاضرة الثانية من محاضرات (الرسالة والرسول) 1440هـ