الثأر مشكلة من موروث الجاهلية

 

 

هناك حديث مهم جدًّا عن قضية هي من أسوأ ما يعانيه مجتمعنا اليمني العزيز وهي مشكلة الثأر، الآية المباركة تقول: {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}، من العادات الجاهلية التي هي موروثة من العهد الجاهلي هي قتل غير القاتل ثأراً من القاتل، وهذه عادة سلبية جدًّا، عندما تثأر فتقتل غير القاتل، البعض قد يقتل القاتل وغيره أيضاً، فيشمل الآخرين من أقاربه، أو من قبيلته، أو من منطقته، أو من جماعته، وهذه قضية خطيرة، البعض مثلاً يريد أن يثأر بطريقة يعتبرها أكبر، مثلاً: يريد أن يقتل شخصاً مهماً في تلك القبيلة بدلاً من القاتل؛ ليؤلمهم أكثر، والبعض يتصور أنه قد فاته القاتل، فيريد أن يبادر بقتل أي شخص من أقاربه، أو من قبيلته، أو من منطقته بشكلٍ عاجل؛ لأنه مستعجل للثأر من قاتل قريبه، أو قاتل أخيه، أو قاتل ابنه، فهو مستعجل على عملية الثأر، فيقتل- مع استعجاله- أي شخص من أقارب القاتل، أو من قبيلته ومنطقته أو جماعته… أو غير ذلك من الروابط المعروفة، فيكون قد ارتكب جرماً آخر، والآخرون كذلك يأتون للثأر من أقارب ذلك القاتل، أو من قبيلته، حتى تصل المسألة إلى مستوى جرائم كبيرة جدًّا ما بين الأطراف، وتصل أحياناً أيضاً إلى قتل نساء وأطفال، ثم يعم الخوف ما بين أوساط المجتمع ليشمل القبيلتين، أو يشمل مجتمعاً بكله، والقضية واحدة، والمجرم واحد، ثم تعممت المشكلة وأصبحت مشكلةً عامة، هذا هو سلوكٌ جاهليٌ، ليس من الإسلام في شيء.

الإنسان إذا قُتِل قريبٌ له: إما أخ، وإما ابن، وإما أب، وإما… أي قريب، أو من منطقته، أو من قبيلته، أول ما عليه أن يتقيد به هو الضوابط الشرعية، أن لا يتجه إلى غير الجاني، أن لا يثأر من غيره أبداً، وخاصة في ظل ظروف يتهيأ فيها تفعيل القضاء والجهات المعنية في الدولة والأجهزة الأمنية هي المعنية أصلاً أن تقوم بواجبها في الأساس، وتسعى إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار في الساحة، ثم تتخذ إجراءاتها بقدر ما تستطيع، لكن حتى لو افترضنا وقصَّرت تلك الجهات بمسؤولياتها وواجباتها، لا يجوز الثأر العشوائي، لا يجوز أبداً استهداف غير الجاني، الله يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الإسراء: من الآية15]، تصبح كمثل الجاني، تصبح مجرماً مثله، وهذه كارثة وتصرف أحمق، تلحظ البعض مثلاً في البداية يكون في الموقف الذي هو لصالحه، مظلوم، هو مظلوم، وقتل قريبه مظلوماً، هو في هذه الوضعية القضية لصالحه عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وهو صاحب حق، في تلك الحالة هو صاحب حق، وبالاستناد إلى الشريعة الإسلامية، بالاستناد إلى هذا الحق، بالاستناد إلى معونة الله ووعده؛ لأن قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}، وعدٌ من الله بالنصر، فبما أنك صاحب حق، وبما أنك صاحب مظلومية، إذا تقيدت بالضوابط الشرعية، والتزمت بالتصرف المشروع الحق، فثق بأن الله سينصرك، ثق بنصر الله، الله يقول: {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}، لا تسرف في القتل بقتل غير القاتل، بالاعتداء على غير الجاني، أو بإلحاق الضرر بمن هو بريء، هذا إسرافٌ في القتل، أو أنك تسعى إلى قتل القاتل وقتل آخرين، تريد أن تقتل مدري كم (عدد معيناً) مقابل المقتول من أقربائك أو من قبيلتك، وهذه القضية خطيرة جدًّا، الإسراف في القتل، يتحول الوضع بالنسبة لك من صاحب حق، ومن صاحب مظلومية، ومن صاحب وعدٍ وعده الله بالنصر: {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}، إلى إنسان يتحمل الوزر، يتحمل الإثم، يتحمل الجريمة، يخسر، يدخل ضمن الوعيد والتهديد الإلهي بالعذاب في جهنم.

لو نأتي إلى واقع مجتمعنا كم مشاكل حصلت ما بين قبيلة وأخرى، كم سفكت دماء ما بين قبيلة وأخرى، نتيجةً للثأر بهذه الطريقة الجاهلية، وبهذا السلوك الجاهلي الذي ليس من الإيمان في شيء، كم انتشرت حالة الخوف، وأثَّرت على حياة الناس في حركتهم في الحياة، في بيعهم، في شرائهم، في تنقلاتهم، نتيجةً لهذا السلوك الجاهلي، وأول ما يجب محاربته بالوعي والإيمان والالتزام بالشريعة الإسلامية، وبالإجراءات وبالاتفاقيات التي يجب أن تساعد- كذلك- على حماية الناس من هذه الجريمة ابتداءً، ثم في حالات الثأر الذي يأتي على النحو الجاهلي، وبالسلوك الجاهلي.

{فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}، البعض تؤثر فيهم العجلة (الاستعجال)، مستعجل أن يثأر؛ لأن القاتل اختفى، أو هرب… أو غير ذلك، فيتصرف كيفما كان. |لا| ثق بنصر الله، الله قد وعد بالنصر: {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}، إذا لم يسرف الإنسان في القتل، وتقيَّد بالشرع الإلهي، والتزم بأحكام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتوجيهاته وتعليماته، فقد وعد بالنصر.

نأمل أن يكون هناك أيضاً اهتمام بمعالجة هذه الظاهرة السلبية، وهذه المشكلة الخطيرة جدًّا المؤثرة في واقع الناس، من خلال التوعية، من خلال الوثيقة القبلية، من خلال الإجراءات الرسمية، من خلال اهتمامات واسعة لمعالجة هذه المشكلة والعمل على إنهائها؛ لأنها سلوك جاهلي، وسلوك مدمِّر، وسلوك خطير جدًّا.

والاستهتار أيضاً بحالة القتل نتيجةً لأتفه الأسباب قضية خطيرة على الناس، الأمة تواجه تحديات، وتواجه مخاطر، لا ينبغي أن تستنزف في الصراعات الداخلية على أتفه الأسباب، وأن يقتل الناس على أبسط الأشياء، الأمة بحاجة إلى قوتها البشرية وطاقتها البشرية في الاتجاه الصحيح، في المواقف الصحيحة، والإنسان الذي يمتلك الشجاعة، يمتلك الجرأة، يمتلك القوة، يمكن أن يوفر شجاعته وأن يوظِّف قدرته هذه وطاقته هذه في محلها الصحيح.

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

المحاضرة الرمضانية الـ16 لعام 1440هـ

قد يعجبك ايضا