الصراع جزء من الحياة فكيف نتعامل معه؟

 

الإسلام خاض الصراع؛ لأن الصراع في واقع الحياة جزءٌ أساسيٌ من الحياة، لا فكاك عنه، ولا مناص منه، الصراع حالة قائمة في الواقع البشري، لدرجة أنها جزء من هذا الواقع في كل عصر، في كل زمان، في كل مكان، ولذلك عندما نأتي إلى واقعنا كأمةٍ مسلمة يجب أن نفهم أن الإسلام له رؤيته حتى في التعامل مع الصراع، والإسلام من يومه الأول أتى باعتباره رسالة الله (الرسالة الإلهية) التي تصلنا بتوجيهات وبتعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” والتي نبني على أساسها حياتنا ومواقفنا ومسيرة حياتنا وأعمالنا، والإسلام كرسالة إلهية حاله حال الرسالة الإلهية مع كل الرسل والأنبياء، وصولاً إلى خاتمهم محمد “صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَـيْهِ وَعَلى آلِه” فالله “جلَّ شأنه” قال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}[النحل من الآية:36]، رسالة الله هي تحرر البشر، تنقذهم، تخلِّصهم من العبودية للطاغوت، وهي تربطهم في حياتهم بالعبودية لربهم (لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”)، وهذا أول ما في الإسلام، أول ما في الرسالة الإلهية، وأعظم ما في الرسالة الإلهية أنها رسالة تنقذ الإنسان وتحرره من استعباد أخيه الإنسان ومن استغلال الإنسان له (الإنسان الآخر)، وأنها تؤسس مسيرة حياته على أساسٍ صحيح، على أساسٍ سليم، تصله بربه، بخالقه، برب السماوات والأرض، برب العالمين، ليبني حياته على أساس ذلك في الأعمال، في الالتزامات، في المواقف، في الحلال والحرام، فيما يفعل، فيما يترك، وأيضاً تصله بالهداية الإلهية في تصوراته ومفاهيمه وأفكاره ونظرته إلى الحياة وفي واقع الحياة، وهذا الجوهر الأساس للرسالة الإلهية.

ولهذا عندما أتى رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَـيْهِ وَعَلى آلِه” ليتحرك برسالة الله مبلِّغاً، وفي نفس الوقت يسعى إلى التحرك على أساس هذه الرسالة، ليبني عليها واقع الحياة هو ومن اتبعه من الناس، كانت هذه مسألة تمثِّل مشكلةً كبيرةً جدًّا لكل كيانات الطاغوت الموجودة في الواقع، وكان الانزعاج بشكلٍ كبير جدًّا، واتجهت كيانات الطاغوت، بدءاً في مجتمع مكة، والطاغوت في مكة المتمثل بزعامات قريش المنحرفة عن الحق: (أبو سفيان، أبو لهب، أبو جهل…وغيرهم) ومن معهم من أتباعهم الذين بدأوا هم في ذلك المجتمع حربهم على الرسالة الإلهية، ومعارضتهم الشديدة لرسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَـيْهِ وَعَلى آلِه” في البداية حاولوا أن يسكتوه، وأن يمنعوه نهائياً عن تبليغ الرسالة الإلهية؛ لأنهم عرفوا أنها رسالة هذا جوهرها، تختلف معهم بدءاً في الموقف العام، في الموقف الأساسي، في المسيرة العامة؛ لأنها تحرر الإنسان وتفصله عن كيان الطاغوت، وتبني حياته على أساسٍ مستقلٍ ومتحرر يعتمد فيه على تعليمات الله وتوجيهات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لا يبقى للطغاة والمجرمين والظالمين سيطرةٌ عليه وتحكمٌ به، فهذه كانت مسألة مفصلية وحسَّاسة جدًّا عند الآخرين.

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

المحاضرة الرمضانية الـ17 لعام 1440هـ

قد يعجبك ايضا