ما ذا لو لم نمتلك القدرات العسكرية؟
إن لم نمتلك قدرات عسكرية، ولم نكن أصحاب اهتمامات عسكرية، لم يكن لدينا تركيز على أن نكون أمةً قوية؛ سيسحقنا الآخرون، يستذلنا الآخرون، يستعبدنا الآخرون، يطمع بنا الآخرون، إذا لم نمتلك قوةً تردع الآخرين عنا، تجعلهم ينظرون إلينا إلى أن لدينا المنعة والقدرة والقوة، وأننا أمة في حالةٍ من الجهوزية للدفاع عن أنفسنا، ودفع الخطر عن أنفسنا، يطمع بنا الآخرون، ويرون فينا فريسةً سهلة، وهذا ما حذَّر منه الرسول “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَـيْهِ وَعَلى آلِه” عندما قال: ((يُوشَك أَنْ تَتَدَاعى عَلَيكُمُ الأُمَمُ، كَمَا تَتَدَاعى الأَكَلَةُ عَلى قَصعَتِها))، تتداعى الأمم الأخرى من أصقاع الأرض، الكل يطمعون بكم، الكل يركِّزون عليكم، الكل يرون فيكم فريسةً سهلة، يرون فيكم مغنماً كبيراً في أرضكم، في ثرواتكم، في مقدراتكم، حتى فيكم كثروةٍ بشرية، فيأتي إليكم الآخرون من شتى أقطار الأرض وهم يطمعون بكم، وكأنهم يتقدمون على وجبة من الطعام ((كَمَا تَتَدَاعى الأَكَلَةُ عَلى قَصعَتِها))، وكأنكم قصعة دسمة ومائدة مغرية، يتنافسون عليكم، ويتزاحمون عليكم، أليس هذا هو الذي يحصل؟ ألا يتزاحم علينا الآخرون اليوم، ألا يتزاحم الأمريكي، البريطاني، الفرنسي، الروسي، الصيني… كل الأمم الأخرى يرون فيكم مغنماً، وإن كان الأبرز في هذا التداعي هم الأمريكيون والأوروبيون أكثر من غيرهم.
يتداعون عليكم، تعالوا هناك أمة سهلة، ثرواتها هائلة، وهي في واقعها في حالة من الضعف والشتات، لا تمتلك المنعة لتواجه، بل ستجدون من داخلها من يعينكم، فيتداعون، ((قَالُوا: أَمِن قِلَةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُوْلَ الله))، هل طمعهم إلى هذه الدرجة بنا، وتساهلهم لنا، وتداعيهم علينا بسبب القلة؟ ((قَال: أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِير))، وفعلاً نحن اليوم كمسلمين أكثر من مليار مسلم، بينما إسرائيل هناك ستة ملايين أو أقل أو أكثر بقليل، ((أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِير، وَلَكِنَكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْل)).
عندما تكون الأمة بلا منعة، بلا قدرة، بلا قوة، بلا جهوزية، تكون غثاءً كغثاء السيل، كذلك الذي يحمله السيل من حطام هذا الأرض من حطام النبات، ومما يجرفه من النبات المهترئ والأشجار، ((كَغُثَاءِ السَّيْل، يُنْزَعُ الوَهنُ مِن قُلُوبِ أعْدَائِكُمْ وَيُلْقَى فِي قُلُوبِكُمْ. قِيلَ: وَمَا الوَهنُ يَا رَسُوْلَ الله. قَالَ: حُبُ الدُّنْيَا وَكَرَاهيَتِكُمُ المَوْت))، أمة مرعوبة، أمة خائفة، أمة بمجرد أن تذكر على مسامع البعض منها هذه المسائل المهمة؛ يتهربون حتى من سماع الكلام، لهذه الدرجة من الذعر، والوهن، والتهرب من المسؤولية، والتنصل عن المسؤولية، يتهرب البعض حتى من سماع الكلام حول هذه المواضيع.
فالحالة حالة خطيرة علينا، ونحن سنظلم أنفسنا كمسلمين، وسنجعل من أنفسنا أدنى حتى من بقية الأمم والشعوب الموجودة على هذه الأرض، سنكون في هذه الدنيا الأضعف، الأذل، الأكثر قهراً واستعباداً، الساحة التي يطمع بها الآخرون ويتزاحم عليها الآخرون، ويتنافس عليها الآخرون؛ إن لم نركز على هذه الفريضة المهمة، إن الله يقول: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}[البقرة من الآية:251]، {لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}.
(لَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ): عندما نتجاهل سنن الله في عباده، ونأتي لنحاول أن نبني حياتنا على أساسٍ من الأفكار الخاطئة، التي قد يجرنا إليها البعض من الجبناء، والبعض من الأغبياء، والبعض من الناس غير الواقعيين، والبعض من الذين يعملون أصلاً لصالح الأعداء، ويريدون لنا أن نكون أمةً مدجَّنة لا تمتلك القوة للدفاع عن نفسها، ولا لحماية نفسها، ولا لدفع الخطر عن نفسها، من الذين لا يلتفتون لا إلى القرآن ولا إلى الرسول “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَـيْهِ وَعَلى آلِه” في موقع القدوة، فالمسألة هي حاجة إنسانية لا بديل لها، لا بديل لها، ليس هناك وسيلة تجعل منا أمةً ضعيفةً، ولكن في نفس الوقت لا خطورة عليها من أي طرفٍ في هذه الأرض، لا وسيلة أخرى، الله يقول “جلَّ شأنه”: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ 243 وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة: 243-244]، (قَاتِلُواْ): لا تتصرفوا على هذا النحو: (خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) ألوف لديهم إمكانية أن يكونوا قوة لحماية أنفسهم، ويشكِّلوا قوةً للدفاع عن أنفسهم، فكانت الوسيلة التي اعتمدوها: التنصل عن المسؤولية والهروب، وفي النتيجة ما الذي وقعوا فيه؟ لقَّنهم الله درساً مهماً: أماتهم، وهم خرجوا من ديارهم حذر الموت. فهي حاجةٌ إنسانية، وهي مسألة واقعية، والواقع البشري قائمٌ على أساسها.
السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي
المحاضرة الرمضانية الـ18 لعام 1440هـ