سقوطٌ خليجي مخزٍ تجاهَ العدوان الصهيوني على غزة
||صحافة||
مؤشراتُ التقارُبِ اللامتناهي ما بين السعوديّة و”إسرائيل”، الإمارات و”إسرائيل”، تعززت مع العدوان على غزة و”طُوفان الأقصى” بشكل قوي، لكنه تحصيل حاصل.
التدرج الذي تبناه ابن سلمان في علاقته مع “تل أبيب” ليس ذاك التدرج الحريص على كسب أوراق كإنشاء مفاعل نووي سلمي أَو غير سلمي، بل كان تدرُّجَ الخوف من الشارع السعوديّ والمِزاج العام القبلي للشعب السعوديّ، حَيثُ تقوم تكتيكات إشهار العلاقات على مراحل الإقناع المتدرج؛ اعتماداً على تدعيم المواقف المتلاحقة؛ تحاشياً للصدمة والمفاجَأة التي يخشى سلمان وابنه أن تقودَهما إلى شيء من الفوضى التي لا يمكن التحكم بها والسيطرة عليها خَاصَّة في المؤسّسة الدينية.
ومع أن المزاج السلطوي الحاكم في المملكة السعوديّة كان في عدائية مع التيارات “الإخوانية” إلا أن هذا لم يكن قاصراً على تيار ديني بحد ذاته؛ فبعد استهداف التيار “الإخواني” تم استهدافُ التيار السلفي الذي قام عليه حكم آل سعود، حَيثُ تم إضعاف هذا التيار والزج بالمعرضين منه في سجون بن سلمان والتخلص من جماعة الأمر بالمعروف، في مؤشر واضح على عزم ابن سلمان على التخلص من الجماعات الدينية أَيًّا كانت مسمياتها، بدءًا بإضعاف دورها وحضورها في المجتمع مقابل تشجيع حياة الترفيه وحرية السلوك الاجتماعي لا الحريات السياسية، حَيثُ يعتبر الحاكم حجمَ تفاعل الشارع مع هذا الانفتاح مؤشرًا قويًّا يمكن القياس على أَسَاسه مدى تقبل الشعب السعوديّ لفكرة التحول من المجتمع الديني “الشكلي” إلى مجتمع انفتاحي متحرّر مما يراه قيوداً دينية اجتماعية ثقافية.
هذا الصَّخَبُ الذي قادته النخبة السياسية السعوديّة في العقد الأول لحكم آل سلمان، إلى جانب مثقفين وإطلاق مجموعات التأثير السياسية الاجتماعية الاقتصادية الثقافية المنفتحة، أَو بالأصح التي لا تؤمن بالفكر الديني المشكِّل للدولة، حَيثُ ظهر التأثيرُ وردودُ الفعل المصطنعة؛ لتوحي أن كُـلّ المجتمع السعوديّ راغبٌ في الانفتاح المنسلخ من القيم، وهو ما يخفي حقيقة المعارضة لهذا التوجّـه المجنون.
كُلُّ هذا كان خدمةً لتقاربات آل سلمان مع الكيان الإسرائيلي الذي ما كان يمكن أن يظهر للسطح دون حضور هذا الانفتاح ذي الصبغة السياسية لعدة أسباب.
دولةٌ تزعُمُ أنها خادمةٌ وحاميةٌ للحرمين الشريفين بصدد الإفصاح عن علاقاتها مع عدو الأُمَّــة الإسلامية كان مشروطًا لنجاح هذه الخطوة إطلاقُ مشروع تحرّري يزيل أَو يحاول اجتثاث الصبغة الدينية للدولة السعوديّة؛ حتى يتناسب هذا مع فرضية إقامة علاقات علنية مع “إسرائيل” عدو الأُمَّــة الأول.
مثّل صعودُ آل سلمان إلى حكم المملكة السعوديّة كصفقة ليس شرط الإعلان عنها، حماية هذه الأسرة وتمكينها دون بقية آل سعودٍ، مقابل إطلاق مشروع التحوُّل الاجتماعي الثقافي للمملكة إلى ما يسميه النظام السعوديّ “الترفيه” والانفتاح كوصف منمَّقٍ لا يفصح عن كسره للقيم والعادات التي يقوم عليها المجتمعُ السعوديّ القبلي.
الصبغةُ المنفتحة للمجتمع السعوديّ وإطلاقُ جوانب الترفيه الفوضوية -كما هو حاصل- سيسهِّلُ مهمةَ الحاكم السعوديّ في إخراج المؤسّسة الدينية من دائرة الحكم والتأثير إلى دائرة النسيان، مع اعتماد النظام على الأُسلُـوب القمعي وتكميم الأفواه للشخصيات الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية المعارضة لهذه التوجّـهات.
هذا التدرج الذي يقدم آل سلمان كنموذج جيد للتعامل معه أمريكيا وغربياً سيعطي هذه العائلة امتيَازات البقاء على حكم السعوديّة لعقود أَو هكذا يفترض النظامُ الحاكمُ هناك.
مقابل هذا التوجّـه المتدرج نحو علاقات مع “إسرائيل” كعدو تليد للمملكة يفترض هذا المزيد من العدائية للجماعات الإسلامية الفلسطينية حالُهُ حالُ العداء السعوديّ لتلك الأيديولوجية خارج فلسطين.
على هذا الأَسَاس تبرّرُ الرياضُ سلوكَها العدائي للقضية الفلسطينية أمام الرأي العام العربي والعالم الحر، وهذا ليس بجديد؛ ففي حرب غزة أَيَّـام حكم الملك عبدالله بن عبدالعزيز أظهر موقفاً عدائياً لحماس وقتَها، وافترض ذلك الموقف أنه يقف ضد حماس والذي عنى أنه بالجملة سيكون ضد غزة ونُصرة غزة مع تجميل موقفه بالحديث عن المبادرة العربية لعلاقات عربية مع الكيان الصهيوني.
هذا ما يحصل اليوم بصورة مطورة قفزت قفزاتٍ كبيرةً في الإفصاح عن تلك العلاقات، ليس فقط بتفعيل القواعد الأمريكية في السعوديّة والإمارات فحسب بل بالمشاركة في ضرب غزة كما يفعل الطيران الإماراتي، بحسب ما أوردته “فرانس ٢٤”، وطلب هؤلاء الحكام إلى جانب دول عربية أُخرى، التخلُّصَ من “حماس” بمبرّر التخلُّص من جماعة دينية، كما ساق ذلك المبعوث الأمريكي الأسبق للشرق الأوسط، دينيس روس.
ومعَ الانكشافِ الفاضِحِ للتفكير المتسطح والمشوه للنظم العربية الحاكمة تظهر مؤشرات كأنها تفوق مستوى إدراك هؤلاء الحكام الذين يمكن وصفهم بـ “الخونة” في ظل دولهم “الوظيفية” التي لا تتجاوز خدمة المشروع الإمبريالي العالمي الذي تقوده واشنطن بمشاركة الغرب “المهترئ”.
تلك المؤشرات التي تعزز حظوظ العالم العربي الإسلامي الحر مع صعود تكتل عالمي سيقود المرحلة القادمة، حَيثُ تفصح تلك المؤشرات منذ العام ٢٠٠٠ م عن انحسار التأثير الأمريكي في المنطقة والعالم وتراجع حضور القوى والنظم الموالية لها بما فيه الحضور الخليجي الذي تم توظيفه لصنع كوارثَ في المنطقة العربية، على وجه الخصوص، فضلاً عن تأثيراتها في دول العالم الإسلامي لصالح النفوذ والهيمنة الأمريكية.
ومع كُـلّ هذا الانحسار للراعي الأمريكي المهيمن على الخليج والمنطقة ما يزال فكر دول النفط الخليجية ينجر تحت ضغوط الهيمنة العميقة لواشنطن دون إدراك للتحولات المتسارعة لصالح العالم المناهض للهيمنة الأمريكية.
مع وعود أسياد البيت الأبيض لعربان الجزيرة بمستقبل أفضل تحت هيمنتها ضمن ما يسمى الشرق الأوسط الجديد الذي كان قد تلاشى من قبل ويتلاشى اليوم كما يبدو إلى غير رجعة، رغم كُـلّ إصرار أمريكا على فرض أجندتها وخططها في المنطقة العربية؛ ضرباً لأي مشروع جديد بما فيه مشاريع الصين الصاعد الاقتصاد العالمي الذي قهر أمريكا في خمسة عقود.
صحيفة المسيرة- إبراهيم العنسي