الأعمال الأساسية في الإسلام هي التي تجعل لبقية الأعمال الصالحة قيمة ولولاها لما كانت مقبولة
موقع أنصار الله | من هدي القرآن |
أعتقد أن ما نضيعه من الإسلام ونتركه هو أكثر بكثير مما نطبقه – حقيقة – تعال واعمل قائمة [جدولاً] بما تحدث عنه القرآن الكريم ودعا عباد الله إليه ثم انظر كم هي التي نطبقها؟ واحدة، اثنتان، ثلاث، أربع، خمس، ست، سبع، من عشرات أو من مئات الأحكام والإرشادات والتوجيهات التي هي تمثل الدين الكامل لله سبحانه وتعالى.
وعندنا يقال في أصولنا: بأن التوبة يجب أن تكون توبة من كل الذنوب {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة: من الآية 27) أن تتوب من ذنب واحد وأنت مصر على ذنوب أخرى، ويجب أن نفهم كلما قلنا: [ذنوب] أن الذنـوب ليسـت فقط تلك التي يتبادر إلى أذهاننا اقتراف معاصي معينة، التقصير من الذنوب الكبيرة، القعود عن العمل في سبيل الله، عن الإنفـاق في سبيله، عن الجهـاد في سبيله، عن الاعتصام بحبله، التقصيـر فيهـا مـن الذنـوب الكبيـرة. {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِـنْ بَعْـدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران: 105). يقال في أصولنا: أن الكبائر: ما توعد الله عليها فهي كبيرة. ألم يتوعد بعذاب عظيم على التفرق والاختلاف؟ فكبيرة، معصية كبيرة.
فعندنا يقولون: بأن التوبة يجب أن تكون من كل المعاصي فتوبة جزئية من المعصية وأنت مصر على معاصي أخرى، أو أنت في وضعية عصيان باعتبارك مقصراً أيضاً تقصيراً لا مبرر لك فيه، فتوبتك لا تقبل حتى من الأشياء التي نحن متفقون في عرفنا على أنها معاصي.
الناس الآن أصبح لديهم عرف: أن تلك الأشياء التـي وجه الله عباده إليها وألزمهم بها لم يعد التخلي عنها معاصي. ألسنا نصف بعضنا بعضاً بأننا مؤمنون، ونقول: [فلان من أولياء الله وفلان رجـال باهر وفلان كذا] ونحن نعلم جميعاً أننا مقصرون في أعمال كبيرة جداً هي أساس الإسلام بكله.
لا يصح أن ندعو بعضنا بعضاً باسم الإيمان ونحن في هذه الحالة، لا لكبير ولا لصغير لا لعالم ولا لجاهل، لا يصح. كيف أسميك مؤمنـاً وأنـت تسمينـي مؤمنـاً، أسميك ولياً من أولياء الله وأنت تسميني ولياً من أولياء الله ونحن جميعاً نعرف أننا مقصرون في العمل في سبيل الله. ألسنا قد تعارفنا على نبذ الكتاب، وقد اتفقنا على أن هذه لم تعد ذنباً ولا معصية؟
الناس هكذا وصل بهم الأمر كلنا اتفقنا على هذا وقد اتفقنا على أن الأشياء الباقية هي ما نسمي بعضنا بعضا فيما إذا كان يؤديها باسم [إيمان] فنقول: [سيدي فلان من أولياء الله. الحاج فلان من أولياء الله] ولا تجد سيدي فلان ولا الحاج فلان يعملون في سبيل الله! فلسنا من أوليائه، ولسنا مؤمنين فعلاً. {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} ألم يقل هكذا في أكثر من آية؟ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: 15).
هنا يصح وسنكون صادقين إذا قلت لك: أنت مؤمن. وتقول لي: أنا مؤمن، لكن نحن كاذبون إذا كنا لا نعمل في سبيل الله، ولا نجدّ في العمل في سبيل الله فتقول لي مؤمناً وأقول لك مؤمناً، هنا قال: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} وحدهم، هم هؤلاء الصادقون في إيمانهم، فأنا وأنت كاذبون، أليس كذلك؟
بعد أن دعا عباده إلى العودة إليه، العودة هي هذه: أن تنيبوا أن تسلموا أن تتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، ويكـرر أن الذنـوب سـواء مـا كانـت بشكـل معاصي، المعاصي التي نحن معترفون بها ومتفقون عليها، أو من المعاصي التي قد تعارفنا على أنها ليست معاصي، يجب أن نتخلص منها وأن نعود إلى الله وإلا فهناك العذاب الـذي كرره في الآية مرتين: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} (الزمر: من الآية 54) {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} (الزمر: من الآية 55).
لاحظ هنا في قول الله: {وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} (الزمر: 55) الحـالة التي نحن فيها. ألسنا متفقين مع أنفسنا ومع بعضنا بعض أننا مؤمنون؟ قد يأتينا العذاب يوم القيامة بغتة ونحن لا نشعر [هه كان احنا مؤمنين كنا نقول: مؤمنين وكل شي سابر ما بالنا !!]
لأنـه فـي اتباع القرآن يحصل هكذا من جانبنا، وهذا مـا نحـن عليه كباراً وصغاراً. أليس كذلك؟ أن جزءاً كبيراً جزءاً كبيراً من القرآن الكريم لا نعمل به إذاً فنحن نسير سيرة ونحن مغمضون على أعيننا، فقد لا تفتح عينيك إلا وجهنم أمامك، من حيث لا تشعر
ألم يقل في الصلاة: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت: من الآية 45)؟ الزكاة كذلـك، أليس جزءاً منها في سبيل الله، حتى أولئك الفقراء الذين يعطون من الزكاة، هو لتهيئة المجتمع في داخله، أن لا يكون هناك فئة تعيش مبتعدة نفسياً عن الفئات الأخرى، فالفقير يجد نفسه يأكل مع الغني من أمواله، فليس بينه وبينه بون في داخل أعماق نفسه فهو قريب منه إذاً قريب من أن يتوحـد معـه، ولهـذا وجبت الزكاة في العين، في أعيان الأموال، لا تقبل نقداً إلا في حالات خاصة عندما يكون النقد هو الأصلح، وإلا فالواجب في الزكاة أن تكون من العين. لماذا؟
لأجل الفقير الذي يرى المزارع، يرى الأموال، يرى بأنه سيحصل معك من هذا المال، وسيأكل معك من هذه المزرعة، [ويخزن معك من ذلك القات]، ويشرب قهوة معك من ذلك [البن]، ويحصل على [عَلَف] معـك مـن ذلـك [العَلَـف] فيكـون النـاس في واقعهم كأنهم أسرة واحدة، يعمل على تعزيز الروابط فيما بينهم.
الفقير إذا ما أصبح يرى كل شيء، ويرى أنه لا أحد يعطيه شيئاً، فالزكاة لا يعطى له شيء منها، سيرى نفسه في وضعية بعيدة عن الآخرين جداً، فهو بعيد عنهم بنفسيته، بل قد ينطلق ليسرق أموالهم، ينطلق لينهب، يحسـد إذا مـا رآك فـي نعمـة فوجبـت الزكاة في العين.
فأي فقير يرى الأموال يرى وكأنهـا لـه، سيأتي له من هـذا، ويأتـي له من هذا، فالزكاة من عين ما رأى، فلا يحقد، ولا يحسد، ولا يعادي، ولا يتعدى. كيف سيسرق وهو يرى بأن بإمكانه أن يأتي له حلالاً من ذلك [القات]، كيف سيتعدى على ثمارك من الحبوب ونحوها وهو يرى بأنك ستوصل إلى بيته زكاة من هذا المال.
فالزكـاة نفسهـا تخـدم أو تعـزز الروابط الاجتماعية فيما بين الناس، والعلاقات والروابط النفسية لتهيئهم ليكونوا مجتمعاً متوحداً، ولا يكون مجتمعاً قلقاً في داخله مشاكل كثيرة تصرفه عن القضايا الكبيرة، فيكون مهيأً لأن يكون أمة تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتدعو إلى الخير.
هكذا كل الأعمال هذه التي نمارسها إنما هي في واقعها، من غاياتها الكبرى: أن تخدم القضايا المهمة في الإسلام
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
معرفة الله – وعده ووعيده – الدرس العاشر
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 29/1/2002م
اليمن – صعدة