الواقع النفسي للمقصرين يوم القيامة
||صحافة||
{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} (الزمر:55) إن هذا يوحي بأن هناك ذنوباً نحن لا نشعر بأنها ذنوب قد اتفقنا بأن لا أحـد يكلـم الثانـي بأننا مقصرون! ألم نتفق على هذا؟ فأصبحنا – فعلاً – نغش بعضنا بعضاً، تعظني، وأعظك ولا أسمع منك، ولا تسمع مني كلمة ترشدني أو ترشدك إلى أن هناك شيء نحن مقصرون فيه! انتهى الأمر أصبحنا لا نشعر فيأتي العذاب من حيث لا نشعر وإلا فالمذنب الذي يقترف الذنوب المعروفة هو يشعر أنها ذنوب وراءها عقوبة ويستحق عليها عقوبة. من هو ذلك الـذي سينطلـق ليعمـل جريمة من هذه الجرائم وهو يرى أنه لا يستحق عقوبة؟ وأنـه لـو جاء أحد يريد أن يعاقبه سيكون مفاجئـاً لـه؟ لا. المجـرم يعرف أنه مستحق بأن يعاقب.
هذا يوحي بأن هناك ذنوباً هي من هذا النوع التي الناس ألغوها من قائمة التذكير لبعضهم بعضاً بأنهم مقصرون، وأنهم بتقصيرهم مقترفون لها.
ثم ماذا يمكن أن يحصل من وراء الذنوب هنا في الدنيا والتقصير هنا في الدنيا؟ يوم القيامة سيكون يوم ندامة وحسرة للمقصرين للذين أسرفوا على أنفسهم، ولم ينيبوا إلى الله، ولم يسلموا أنفسهم له، ولم يتبعوا أحسن ما أنزل إليهم.
يبدأ يتحدث ماذا يمكن أن يحصل بعد أن قال بالنسبة للعذاب: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} يذكر بحالة الندم، ولأن الندم شيء نحن نعرفه في الدنيا. أليس الله يذكرنا بعذاب جهنم؟ ألم يجعل عذاب جهنم ناراً، ناراً نعرفها؟ ألسنا نعرف في الدنيـا النـار؟ لو أن عذاب جهنم كان عذاباً آخر نحن لا نعرف مـا هـو ربمـا مـا كان يفيد التذكير لنا به، لكن جعل جهنم عذاباً نحن نعرف جنسه. ناراً.
فعندمـا يخوفنـا بالنـار نحـن نعـرف فـي الدنيا هذه النار. أليس كذلك؟ ونحن نعرف أنه لو لم تكن جهنم إلا كهذه النار لكانت كفاية وفوق الكفاية، ولرحمة الله الواسعة بعباده هكذا ينطلق: أن يكون ما يخوفهم به مما جنسه معروف لديهم في الدنيا، خوفنا بالعذاب ثم خوفنا من حالات الندم والحسرة. أليس الإنسان في حياته تحصل له مواقف يتندم؟ يتحسر؟ هل ترى نفسك أنت في أثناء الندم وأثناء التحسر كيف تكون؟
يذكرنا أيضاً بأنه: سيحصل هناك ندم شديد، وحسرة شديدة، والتحسر أو الحسرة والندم هي في حد ذاتها عذاب، عذاب نفسي شديد، بل أصبح العذاب النفسي – كما يقولون – من أكثر ما يستخدم في التعذيب في السجون، التعذيب النفسي غير التعذيب الجسدي، تعذيب نفسيتك بأي طريقة.
{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} (الزمر: من الآية 56) أي: ومن قبل أن تصل إلى {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} (الزمر: من الآية 56) أليس هذا تعبيراً عن التحسر عندما يرى نفسه إلى أين وصل به الحال أصبح من أهل جهنم، وجهنم أمامه يراها، هذا الشيء المخيف: أن جهنـم تبـرز يـوم القيامـة أمـام النـاس ويسمعون تغيظها ويسمعون زفيرها، وهو منتظر أن يساق إلى جهنم هو في حالة من العذاب، عذاب التحسر {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ} على ما قصرت {فِي جَنْبِ اللَّهِ} في طاعته، لاحظوا هنا لم يقولوا: [في أوامر الله] أنا قصرت فيما له علاقة بالله، فيما كان يمكن أن أحصل من خلاله على رضى الله، وما كان يمكن أن يقي نفسي من هذه النار التي أشاهدها.
لم يقولوا في يوم القيامـة: ممن يعمل في هذه الدنيا على أن يتعامل مع الله فيما يتعلق بالواجب فقط، والواجب من منظار ضيق، الذي لا مناص من القيام به على أقل مستوى.
يود أنه تمكن وهو في الدنيا أن يعمل أي عمل فيه رضى لله، لم يعد لديهم مقاصاة قصي [ما بلاّ سأعمل فقط تلك الأوامر الخاصة إذا لم يعد هناك مجال].
رأى شـدة الحسـرة والندامـة التـي هـو فيهـا، ورأى العذاب عذاب جهنم أمامه. هل الإنسان هناك يظهر بمظهر من يكون حدياً جداً، وقصي في أعمال الطاعات؟ لا. [ليت أني عملت كل مـا يمكن أن أعمله في جنب الله وفي طاعته وفي رضاه لأسلم من هذه].
هذه الحالة هي التي تحصل عند كثير من الناس هنا في الدنيا عند بعض من العلماء، عند بعض من المتعلمين، عند بعض من المتدينين يبحث عن الحد الأدنى من الواجـب بعـد أن يقولون قد أصبح واجباً، ويذهب ليسأل هذا: هل فعلاً هذا قد وجب.
اذهب اسأل عالم من الناس عن الإنفاق في سبيل الله سيقول لـك: [هـذه آيـات منسوخـة بآيـات الزكاة]. أليس كذلك؟ الآن اذهب اسأل. لكن انظر ماذا يقول الناس هنا المتحسرون والمتندمون، تنَدّم أنه لم يعمل كل ما كان بإمكانه أن يعمل مما فيه لله رضى في هذه الدنيا، واجب مندوب مستحب كيف ما كان، لا يقاصي، لأن جهنم فعلاً، إن الإنسان يفكر في أن يقي نفسه منها، هي مما تفكر أن تقي نفسك بأي شيء، ليس شيئاً بسيطاً وهيناً تكون مقاصي جداً فيما يقيك منها. [هذا قدو يلزمنا يا سيدي فلان يا سيدنا فلان، قدو يلزم، قدو واجب علينا، أو عاد معنا مخرج أو معنا كذا]؟
أنت انظر أن أمامك جهنم. أوليسـت جهنـم بـالشكـل الذي يجعلك تنطلق أنـت لتعمل كلما يمكن أن تعمله مما فيه نجاة نفسـك منهـا؟ [مـا واحـد يأتـي يفتـح الشنطة ويخرج فلوس إذا قدو مشاجر ويريدوا يسجنوه؟] يعطي رشوة لهذا ورشوة لهذا. هل هو يقاصي؟ لا يعد يقاصي. هات عشرة ألف إذا بدك وهم با يخرجوك. قال: تفضلوا. وفـي البيـت عندمـا يقولوا – وهو بيشتـري لـه مثـلاً بمائتين ريال لحمة – لماذا لا تزد بمائتين سيقـول: مـا هـو بأربـعمائـة كـل يوم. هذا كثير! مـا هـو قد يقاصي هنا؟ لكن في حالة السجن: عشرة ألف وبا يخرجوك، قال تفضلوا. ما هو رأى بأنها سهلة؟ لن يقول: أبداً بدك بتسعة ألف وخمس مائة والاّ، لا. هل أحد سيراجل هكذا؟ تسعة آلاف وخمس مـا أنا مزيد ريال واحد. قد يقول أمانة ما رضيوا إلا باثنعشر ألف. ستقول: تفضل، ما أحد بيقاصي.
جهنم ليست مما تقاصي، فالإنسان لا ينطلق في وقاية نفسه من جهنم من منطلق المقاصاة. ليكن سؤالك للعلماء: هل في هذا لله رضى؟ هذا هو الصحيح. هل إذا أنفقت في مجال كذا هل فيه لله رضى؟ مـن الـذي سيقول لك: لا؟ هذا هو السؤال الصحيح. [هل قدو يلزمني؟ هل قدو واجب عليّ. هل. هل. إلى آخره؟
تختلف أنظار العلماء في هذه، والذي يقـول لـك: لا. قد يتحدث معك من وجهة نظره، قد لا ينفعك يوم القيامة هو. قد يكون الأمر ليس كما قال ذلك الشخص، تكون في الواقع ملزماً، إنما أنت الذي تبحث عن مخـارج وحيـل. انطلق في سؤالك للعلماء – إذا كنت ترى بأن جهنم شديدة، وأنها تستدعي منك أن تبحث عن مـا فيـه نجـاة لنفسـك – فقل: هـل هذا العمل فيه وقاية من النار؟ هل هذا العمل فيه لله رضى؟ وستجد الجواب واحداً. وهذا هو الصحيح، سترى الإجابة واحدة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
معرفة الله – وعده ووعيده – الدرس العاش
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 29/1/2002م
اليمن – صعدة