المعارك في غزة تحتدم.. ضربات المقاومة الفلسطينية توجع العدو وتدفعه باتجاه إعادة حساباته
موقع أنصار الله – متابعات – 4 جمادى الآخرة 1445هـ
بعد أكثر من 50 يوماً على بداية التوغل العسكري الإسرائيلي في غزة، يبدو واضحاً أنّ الحسابات التي عمل العدو الصهيوني على أساسها في سعيه للسيطرة على القطاع بأسرع وقت ممكن لم تعد صالحة لمتابعة الهجوم البري.
فمن خلال تتبع مسار الخسائر البشرية والمادية للعدو، والأهداف الأساسية التي وضعها لعمليته البرية، يمكن الاستنتاج بأنّ المعركة تسير باتجاه غير محسوب عند الاحتلال، الذي كان يتوقع أن تضعف عمليات المقاومة وتقلّ خسائره البشرية والمادية مع مضي الوقت، لا العكس كما هو الحاصل حالياً.
فخلال الأيام الأخيرة، ارتفع عدد قتلى العدو الصهيوني إلى نحو 450 جندياً في غزة، مع مقتل رقيبين صباح اليوم الأحد، 125 منهم قتلوا خلال المعارك البرية، 55 قتيلاً منهم قتل بعد انتهاء الهدنة منذ نحو أسبوعين، و4 منهم من الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة.
الإجهاز على قوات العدو: المقاومة تعمل على قتل أكبر عدد ممكن
تتدرج العمليات التي تقوم بها المقاومة ضد العدو الصهيوني من حيث النوع والأذى الذي تلحقه بالاحتلال، بحسب طبيعة المهمة والهدف المطلوب منها.
فبعض العمليات تتطلب أن يتمّ إشغال القوات الموجودة، أو انتقالها من مكانها، وبالتالي يحتاج الأمر إلى ازعاجها واستهدافها وتهديدها، ولا يحتاج الأمر إلى تكبيدها خسائر بشرية عالية.
كما تتطلب بعض العمليات أن يتمّ إيقاع خسائر مادية في معدات وآليات الاحتلال، لإجبار جنوده على الخروج إلى المعركة مشاةً، بهدف الاشتباك معهم وأسرهم أو قتلهم، وتتطلب أخرى أن يتمّ إصابة الجنود بجراح فقط لإجبار عدد كبير من القوات المهاجمة على الإنشغال بالجرحى وعدم متابعة الاشتباك.
واليوم، يمكن الاستنتاج بأنّ المقاومة بدأت تعتمد تكتيكات أكثر إيلاماً للاحتلال، للضغط على قيادته السياسية والعسكرية، وعلى جمهور المستوطنين وبنية الاحتلال الاجتماعية، حيث أوقعت الأيام الأخير خسائر يومية للاحتلال في عمليات خاصة “كوماندوس” للمقاومة، تضمنت كمائن مركبة وتسللات عبر الأنفاق وفوق الأرض، وإغارات سريعة وانسحابات مخطط لها، جعلت الاحتلال يتخبط ويظهر بصورة كارثية في أوساطه الإعلامية، برغم كل الرقابة والتعتيم المفروض.
خسائر فادحة للاحتلال في الشجاعية.. والاشتباكات تتكثف
وتستمرّ الاشتباكات الضارية بين المقاومة والعدو الصهيوني في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة في شمالي القطاع، وفي مناطق أخرى في غربي المدينة وشمالها في حيّ التفاح والزيتون وفي التوام، حيث استهدف مقاومون 4 آليات عسكرية إسرائيلية مختلفة بقذائف الـ “تاندوم” وعبوات “العمل الفدائي” في محاور جباليا وتل الزعتر والتوام، بحسب بيان لسرايا القدس صباح اليوم.
وأكّدت سرايا القدس أنّ مقاوميها خاضوا اشتباكات ضارية مع قوات الاحتلال المتوغلة عند محوري شرقي خان يونس وشمالها، محققين إصابات مؤكدة بصفوف جنود العدو، بعد استهدافهم بالقذائف المضادة للدروع والأسلحة الرشاشة والهاون.
وأضافت أنّ المجاهدين يخوضون اشتباكات ضارية في حي الشجاعية مع قوة صهيونية راجلة من 7 جنود، مشيرة إلى إيقاع القوة المحتلة بين قتيل وجريح.
كما أعلنت سرايا القدس استهداف الحشود العسكرية في محور التقدم في بيت لاهيا بوابل من قذائف الهاون من عيار 60 ملم، وكذلك الحشود العسكرية في “جحر الديك” و”شرق المغازي” و”الشركة الهندسية” بقذائف الهاون من العيار الثقيل، بالإضافة إلى استهداف موقعي “صوفا” و”حوليت” برشقات صاروخية.
وفي السياق، أعلنت كتائب القسام استهداف تجمع لجنود الاحتلال شرق مدينة خان يونس بقذائف الهاون من العيار الثقيل، واستهداف كيبوتس “نيريم” بمنظومة الصواريخ “رجوم” قصيرة المدى من عيار 114ملم.
وقد أظهرت الأيام الماضية قدرات المقاومين الفلسطينيين، وبشكل خاص لدى كتائب القسام وسرايا القدس، على القيام بمناورات هجومية منسَّقة، والعمل براحة أكبر في مواجهة قوات الاحتلال المتوغلة في مناطق الشمال والجنوب في قطاع غزة.
إذ تمكنت مجموعة من المقاتلين في كتائب القسام من تنفيذ عملية تسلل وإغارة ناجحة، باستعمال نفق، في منطقة متقدمة جداً هي جحر الديك، الواقعة في مقابل محور التقدم الأساسي وسط القطاع، والذي استعملته قوات الاحتلال للالتفاف على مدينة غزة من الجنوب وفصل شمالي القطاع عن وسطه وجنوبه.
ومن خلال العملية التي بثّت القسام جزءاً مصوراً منها، تظهر قدرة مقاتلي القسام على الالتحام مع مركز قيادة إسرائيلي والإجهاز على جنوده، واغتنام أسلحة، والانسحاب بسلام من المكان برغم وجود طائرات الاستطلاع وكونه يبعد عن المراكز العمرانية ويقع وسط منطقة رملية مفتوحة، وزعم الاحتلال منذ الأيام الأولى للاجتياح أنها سقطت عسكرياً.
فشل جديد لنتنياهو: عمليات تحرير الأسرى تتحول إلى كارثة
بعد فشل عملية الكومندوس الأولى، والتي سعت قوات خاصة إسرائيلية لتنفيذها في القطاع، بهدف استعادة أسير محتجز لدى القسام، قبل نحو 10 أيام، وأدّت إلى مقتل الأسير وإصابة عناصر من القوة الإسرائيلية الخاصة بجروح بليغة،استمرّ الاحتلال في محاولاته، تحت وطأة وعوده للمستوطنين بإعادة أبنائهم من غير مفاوضات مع المقاومة.
وأدّت العملية الثانية، التي قتل فيها الجندي الخاص غال آيزنكوت مع مقاتل آخر في وحدة عمليات الإنقاذ القتالية الإسرائيلية، وكانت تهدف إلى تحرير أسيرين إسرائيليين، إلى مقتل الأسيرين واستعادتهما جثتين، وهو ما يعدّ فشلاً مركباً.
ومنذ يومين، أعلن العدو الصهيوني رسمياً قيام جنوده بقتل 3 أسرى إسرائيليين خلال عملية لتحريرهم، وهو ما أثار عاصفة سياسية وإعلامية لم تتوقف حدودها عند نطاق جمهور الاحتلال، إذ ارتفعت أصوات عالمية تدعو إلى الالتفات إلى حجم غياب الاحترافية والدقة عند “جيش” الاحتلال وجنوده، ما يكشف عن حجم الفظاعات التي يمكن أن يرتكبها بحق المدنيين الفلسطينيين إذا كان عاجزاً عن تمييز الإسرائيليين الأسرى، عن مقاتلي المقاومة.
ويعني ذلك أنّ خطط الاعتماد الإسرائيلي على عمليات الكوماندوس لتحرير الأسرى، تتّجه لتتحوّل فشلاً جديداً يلقي بثقله على القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، ويزيد في يأسها من إمكانية تحرير أسرى بغير مفاوضات مع المقاومة، كما أبرزت هذه الإخفاقات قدرة مقاتلي وحدة الظل في القسام على مواجهة القوات الخاصة الإسرائيلية، وإفشال عملياتها.
لا تغيرات كبيرة في الوضعية الميدانية في غزة
لم تحقق قوات العدو الصهيوني خلال الأيام الأخيرة تقدمات ملحوظة في الكتل العمرانية سواء في شمالي غزة وفي جنوبها، حيث تستمرّ المقاومة في الاستفادة من محاولات توغل الاحتلال لاصطياد دباباته ومدرعاته وجنوده، بسبب اضطراره لإيقاف القصف الجوي للمنطقة التي يتوغل فيها.
فقد أدّت غارات العدو الصهيوني ونيران مدفعيته ودباباته وجنوده إلى مقتل أكثر من 20 جندي إسرائيلي حتى الآن في غزة عن طريق الخطأ، باعتراف العدو، في تكلفة مرتفعة تظهر حجم التخبط الميداني وغياب التدريب اللازم والإحاطة المعلوماتية عند الجنود بهذه المناطق العمرانية وطبيعة القتال فيها، فضلاً عن ضعف القدرة على التنسيق بين الأجهزة الإسرائيلية المتقدمة بشكل فعال وموازي للميدان.
وفي حين تستمر محاولات الاحتلال التوغل إلى داخل مدينة خان يونس من الجهتين الشرقية والشمالية، تستمر المقاومة في إيقاع خسائر فادحة في جنوده وآلياته، إذ أكدت المقاومة أنّ أكثر من 100 آلية للاحتلال تمّ تدميرها جنوبي القطاع خلال الأيام الماضية، كما أنّ خسائره تزداد فداحة مع عمليات التسلل والمواجهات والاشتباكات المباشرة، وإدخال المقاومة أسلحة جديدة إلى الخدمة أبرزها صاروخ PG29 المضاد للدروع، والفعال بشكل كبير في مواجهة منظومات “تروفي” التفاعلية الدفاعية.
وبرز استخدام المقاومين للعبوات من أنواع مختلفة، وتتضمّن عبوات “تلفزيونية” مضادة للأفراد، وعبوات صدم ضد التحصينات، “رعدية”، وعبوات خارقة للدروع، من نوع “ثاقب”، وعبوات ناسفة برميلية، والتي باتت تشكل رعباً خاصاً لقوات الاحتلال.
آلاف الجنود الجرحى في المعارك يضعضعون تشكيلات “جيش” الاحتلال
ومع إعلان القائد الأسبق للواء غولاني أنّ لواء المشاة النخبوي خسر ربع قوته المقاتلة في غزة حتى الآن، تبرز أهمية الإصابات والجرحى في صفوف الاحتلال، في وقت يركّز فيه البعض فقط على أرقام القتلى من الجنود.
فمع ورود أرقام تتحدث عن أكثر من 5000 مصاب إسرائيلي، بينهم قسم كبير من الضباط وأصحاب الرتب، ومعظمهم من الألوية الأساسية المقاتلة في غزة، لا سيما من فرقة غزة والناحال وجفعاتي وغولاني، والحديث عن أكثر من 2000 معاق ومئات الإصابات الحرجة، يظهر حجم الخسائر الضخمة التي تحدث الإعلام الإسرائيلي عنها أنه لم يشهد مثلها من قبل.
فالأرقام هذه تظهر أنّ الألوية الإسرائيلية تفقد قسماً كبيراً من قواتها الأساسية المقاتلة في الميدان خلال المواجهات، وليس بالضرورة بالقتل، ولكن بتعرضها لإصابة تمنعها من مواصلة القتال بشكل موقت أو دائم، ما يخرجها من المعركة الحالية ويحوّلها إلى عبءٍ على القيادة والجبهة الداخلية.
كما يؤدي هذا الأمر إلى تراجع القدرة على القتال بفعالية، فاستبدال الجنود الجرحى والقتلى بجنود جدد لا يعني أنّ المشكلة قد حلّت، لأن الجنود الجدد يفتقدون للخبرة الميدانية التي يملكها الذين خاضوا بالفعل في القتال، كما أنّ قتال المدن والطبيعة المعقدة للمعارك تولي أهمية كبرى لكون الفرق المقاتلة منسجمة ومتجانسة وتملك خبرات سابقة في القتال المشترك، وفقدان أجزاء من كل مجموعة يضعف أداء المجموعة بكاملها.