“إسرائيل” بعد طوفان الأقصى: أقرب إلى الزوال
||صحافة||
صحيح أن تكلفة الحرب التي يخوضها اليوم محور المقاومة بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي مكلفة، حيث يرتقي عدد هائل من الشهداء المدنيين، وخاصة الأطفال في غزة الأبية، وكذلك عدد كبير من الشهداء المقاومين المقاتلين في غزة ولبنان على جبهة العدو الشمالية، والحرب لمّا تنته بعد وما تزال مندلعة بقوة، ولا يبدو أن نهايتها واضحة المعالم. وصحيح أيضًا أن العدو الإسرائيلي، وبمجرد اندلاع هذه الحرب بعد عملية طوفان الأقصى مباشرة، حصل على دعم مباشر ومفتوح وغير مشروط – من ناحية تجاوزه كل القوانين الدولية والإنسانية المعروفة، وتحديدًا في استهدافه كل المنشآت الطبية والمدنية الفلسطينية والدولية أيضا المتمركزة في غزة- ظهر واضحًا بشكل علني وفاجر من أغلب الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن بعض الدول الأوروبية وتحديدًا الدائمة العضوية في مجلس الأمن. وصحيح أن العدو الإسرائيلي، في هذه الحرب التي يشنها على قطاع غزة بوحشية غير مسبوقة في التاريخ، حصل على دعم عربي وإقليمي فاعل وكبير وغير بعيد في تأثيره كثيرًا عن الدعم الغربي، حيث جاء هذا الدعم الإقليمي للكيان ضمنيًا وخفيًا بالرغم من ادعاء هذه الدول عكس ذلك، وأن الدعم المزدوج -غربيًا واقليميًا للاحتلال- سيبقى متواصلًا ومفتوحًا طبعًا، بالرغم من بعض الأصوات الكاذبة والرخيصة التي تتبجح رياءً، مظهرة إدانتها لجرائم “إسرائيل” وارتكاباتها الشنيعة وغير الإنسانية في غزة والضفة الغربية، ولكن..
لا يمكن لأي متابع موضوعي لوقائع ومعطيات الحرب الدائرة اليوم في فلسطين المحتلة، بين غزة والضفة الغربية أو بين جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، أو للمعطيات التي فرضتها وبقوة على كل العالم المناورة اليمنية الاستثنائية في البحر الأحمر وبحر العرب وشمال غرب المحيط الهندي، إلا وسيستنتج أنه بعد هذه الحرب ستكون هناك نقطة تحوّل غير تقليدية في مسار المواجهة ضد الاحتلال الاسرائيلي، وهذه النقطة في تحول مسار المواجهة، ستكون حتمًا لمصلحة أطراف محور مقاومة الاحتلال، وهي فعليًا واقعة لا محالة، وليست فقط إعلامية أو سياسية، ولن تكون بعيدة كثيرًا، ويمكن استنتاجها من النقاط الآتية:
مع هذه الحرب وخلالها، فقدت “إسرائيل” كل هيبتها العسكرية التي كانت تحاول أن تظهرها، وكل الردع الذي كان يحمي موقعها واحتلالها من خلال إشهاره بوجه أغلب العرب وليس كلهم، وبعد أن كانت – بحسب ادعاء قادتها، وبحسب نظرة بعض أصحاب النفوس الضعيفة من العرب- تملك جيشًا لا يُقهر، أصبح، وعلى مستوى القتال الفردي والقتال المتقارب وقتال الالتحام المباشر، جيشًا مفككًا مرعوبًا ومنهارًا، حيث ضُربت معنويات ضباطه وجنوده، وذلك بعد أن استطاع بضعة مئات من المقاومين في غزة أو في جنوب لبنان، أن يبثوا الذعر في نفوس هؤلاء في أغلب المعارك والمواجهات المباشرة. وقد أثبتت وقائع تلك المواجهات، أن عسكريي العدو فقدوا في الميدان أيّة قدرة على ضبط معركتهم وإدارتها، وبعض الكمائن المذلة التي تعرضت لها وحداتهم الخاصة- كمين الشجاعية الذي فتك بالضباط الأعلى رتبًا في لواء غولاني- وبعض وقائع فقدانهم لأعصابهم ولتماسكهم، عندما أقدموا مثلًا على قتل بعض أسراهم بطريقة غريبة وضعيفة ومثيرة للشفقة أو للسخرية، لم تحصل في التاريخ مع أي وحدات عسكرية أو أمنية في العالم. والكثير من الوقائع المتلاحقة التي ظهر فيها تكرار فاضح ومضحك أيضًا، عن تعرضهم لكمائن وإغارات صادمة وشنيعة بحقهم، في المواقع ذاته ولأكثر من عدة مرات وبالطريقة نفسها، ومنطقة جحر الديك شمال قطاع غزة – على سبيل المثال لا الحصر- خير شاهدة على ذلك، تشكّل كلها صورًا لهذا التفكك والضعف والانهيار، والذي يبدو أن لا حل له.
هذه الصورة الضعيفة والمنهارة التي باتت تميّز ضباط العدو وجنوده، هي نقطة التقييم الأدق التي يمكن الاستناد إليها للاستنتاج بأن جيش الكيان فقد القدرة على الثبات في حروب المستقبل.
لطالما شكّلت الروح القتالية عند الفرد، ضابطًا أو رتيبًا أو جنديًا، وفي الجيوش كافّة، نقطة الارتكاز الأساسية لتحديد مستوى قدرات أي جيش وإمكاناته. ولم يكن يومًا ما يملكه أي جيش من أسلحة وقدرات عسكرية مدمرة ومتفوقة حاسمًا أو فاصلًا في المواجهات المباشرة، إذ إن الحروب كافة لم تُحسم عبر القصف البعيد أو التدمير الواسع، بل كانت دائمًا الحرب البرية المباشرة والمواجهات المتقاربة هي معيار الحسم والانتصار، وعدوان “إسرائيل” على لبنان العام ٢٠٠٦ نموذجًا، وحربها في غزة اليوم نموذج آخر.
لذلك، وأمام كل هذه المعطيات، يمكن القول إنه بعد أن فقدت الوحدات العسكرية الاسرائيلية عصب القتال في نفوس ضباطها وجنودها، وبعد أن خسرت وحداتها روح حُسنِ إدارة المعركة المتقاربة والمباشرة، لن تقوى على الثبات والاستمرار في احتلالها. وأمام هذا المدّ المقدس والمتصاعد في قدرات أطراف محور المقاومة، مصيرُ الاحتلال عاجلًا أم آجلًا هو الزوال.
العهد الاخباري: شارل أبي نادر