السيد القائد يتناول أهوال يوم القيامة والحشر وعمليات الحساب الفردي والجماعي
يستكمل السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي في المحاضرة الرمضانية الثالثة الحديث عن القيامة، وعن المرحلة الثانية وهي مرحلة البعث والنشور في يوم القيامة، وعلى ضوء بعض الآيات المباركة، ويتحدث أنه عندما تأتي القيامة بأسمائها المتعددة: الساعة، الحاقة، القارعة، الواقعة، الطامة الكبرى فإن البشر بكلهم، وبكل ما يمتلكون من إمكانات وقدرات يكونون في حالة عجزٍ تامٍ عن ردها، وعن حماية الأرض منها، فهم في تلك الحال في حالة استسلامٍ تام وذهول وفزع، وحالة خوفٍ شديد، واندهاش أمام تلك المتغيرات الكبرى والأهوال العظيمة.
ومن قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”:{بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ}، يؤكد السيد القائد أن القيامة تأتي في وقتٍ غير متوقعٍ أبداً، وتأتيهم بهولها الكبير والعظيم، والمفجع، والمدمر جداً؛ ولذلك لا يستطيعون ردها، حالتهم حينها هي حالة الفزع، الخوف، قال تعالى: {يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ}، ويكون مصيرهم الحتمي في النفخة الأولى هو الهلاك.
ويصف السيد القائد تلك الأهوال بأنها رهيبة جداً، وفوق مستوى تخيل أي إنسان، حيث لا يستطيع الإنسان أن يتخيل أهوالها، وهي أهوال تشمل كل الأرض، دمارٌ كليٌ للأرض بكلها، وأنها يأتي في مرحلة واحدة، وتشمل الأرض في مرحلة واحدة، وليس من منطقة إلى أخرى، أو من بلد إلى آخر، أو من جبل إلى جبل، بل في لحظة واحدة، ونفخة واحدة.
وبعد ذلك، يبين السيد القائد ما بعد النفحة الأولى، وحدوث دمار هذا العالم، ودمار السماوات والأرض، وإعادة تشكيل وصياغة السماوات والأرض من جديد، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ}، وتتبدل الأرض بعد أن تحولت مهمة الأرض ودورها لتكون ساحةً للحساب.
ومن قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} فإن النفخة الثانية هي نفخة البعث، وصيحة البعث، التي يبعث الله فيها الخلائق من جديد في الأرض للحساب والجزاء. وفي لحظة واحدة، وصيحة واحدة، ونفخة واحدة، يقوم كل الخلائق أجمعين، منذ آدم إلى آخر إنسانٍ ولد من بني آدم، ويخرجون من الأرض، فيقومون مرةً واحدة، ودفعةً واحدة بكلهم يحشرون.
ويؤكد السيد القائد أن الاجتماع في يوم البعث يكون اجتماعاً للحساب والجزاء، وفي ذلك اليوم الذي يجتمع فيه كل البشر في ساحة الحساب، ليس لاجتماع حفلات، أو مهرجان، بل للحساب، لأمرٍ فصل، لا يمكن للإنسان أن يتخلص في ذلك اليوم بالتوبة، ولا بالاعتذار، ولا يمكنه أن يستفيد، أو أن يكسب التعاطف من أحد لينفعه بشيء، ولا ينفعه البكاء، ولا التحسر، ولا الندم، ولا أي شيء، يوم الفصل، كل إنسان مشغولٌ بنفسه، قال تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}.
ويبين السيد القائد بداية عملية الحشر، ويحشر الناس ويقومون، ويتحركون وفق الترتيبات والإجراءات في ساحة الحساب، وأن الكل ينقادون لترتيبات الحساب ودون أي فوضى، وهم منقادين، وخاشعين، وخاضعين، ومتجهين وفق التوجهات التي يتلقونها ويسمعونها، ويبين من قوله تعالى: {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} أن كل الخاسرين، وكل الذين رفضوا هدى الله، وتنكروا لتعاليمه، يتهامسون فيما بينهم، ويدركون فداحت الخسارة التي هم فيها آنذاك.
ويؤكد السيد القائد أن في الحساب تتجلى للناس عدالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويتجلَّى لهم أيضاً- بالنسبة للهالكين والخاسرين- سوء أعمالهم، والآثار الفظيعة لأعمالهم السيئة، ويصل الإنسان إلى قناعةٍ تامة بأنه الذي يتحمل مسؤولية هلاكه، وأنه السبب في هلاك نفسه، وأنه لا حجة له على الله، وأنه لا تقصير من جانب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأنَّ الإنسان هو الذي أوصل نفسه بنفسه، وتسبب لنفسه في ذلك الخسران الأبدي، والهلاك الدائم والعياذ بالله، والشقاء الرهيب، فالإنسان يصل في عملية الحساب إلى قناعة تامة، تعرض له أعماله، ومواقفه، وآثارها، ونتائجها، وما ترتب عليها؛ فيصل إلى اعتراف تام، وقناعة تامة بأنه السبب في هلاك نفسه، وخسارة نفسه. وأيضاً يتجلَّى فوز المتقين، ويتجلَّى لهم عظيم أعمالهم، أهمية الأعمال التي عملوها في نجاتهم، حُسن أعمالهم، وإيجابيتها، ونتائجها العظيمة والطيبة، والآثار الإيجابية لها، والنتائج العظيمة لها؛ فيشعرون بالرضى، والاطمئنان، والفوز، ويحسون أيضاً بأنهم فازوا، وفي نفس الوقت تتجلَّى عدالة الله معهم، أنه لم يُضع شيئاً من جهودهم ومن أعمالهم، ولا حتى مثقال ذرة.
ويشير السيد القائد إلى أنه عندما يؤتى بالصحف، تكون لحظة رهيبة جداً في واقع البشر، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} وتكون كل الأعمال موجودة، وتقوم ملائكة الله في ساحة الحساب بتوزيع الكتب، وأن عملية التوزيع نفسها فيها علامات الشقاء، وعلامات الفوز، وأن الإنسان الذي هو مؤمن، وفائز، ومتقي لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يؤتى كتابه بيمينه؛ ولهذا يقول الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}
وفي المقابل، يبين السيد القائد الحالة الأخرى، والخطيرة، والتي هي من علامات الشقاء، عندما يؤتى الإنسان كتابه من وراء ظهره، ويستلمه بشماله، هذا من علامات الشقاء، وهي حالة رهيبة جداً، ولهذا يقول الله: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا}، وأن الإنسان في تلك الحالة الرهيبة جداً، مهما كانت تحسره لا يفيده شيئاً.
وبعد ذلك يبين السيد القائد الحساب على المستوى الجماعي للأمم والجماعات، التي كان يجمعها موقفٌ واحد، أو توجهٌ واحد، أو قضيةٌ واحدة، وأنه في الحساب الجماعي أيضاً يتجلى أهمية التوجه الحق، والموقف الحق، وإيجابية الاتجاه الصحيح في هذه الدنيا، الذي هو وفق تعليمات الله، وهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
ويؤكد أنه يتجلَّى الانتصار الكبير أيضاً لرسل الله وأنبيائه، والمؤمنين الذين ساروا على نهجهم، وتمسَّكوا بهديهم، واتجهوا الاتجاه الصحيح على أساسٍ من هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وللمظلومين، تتجلَّى أيضاً الانتصاف للمظلومين من الظالمين، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.