يمنُ الإيمان في قلب معركة الطوفان
موقع أنصار الله ||مقالات ||علي عبدالله صومل
ليس من السهل -في أي بلد آخر غير اليمن- أن تتحول فعالية يوم القدس العالمي من مناسبة سنوية يتم إحياؤها في آخر جمعة من رمضان في كُـلّ عام إلى فعالية أسبوعية -بل ولا حتى شهرية- يتجدد إحياؤها عصر يوم الجمعة، من كُـلّ أسبوع وبحضور ميلوني حاشد ومهيب.
إنه يمن الإيمان الذي قال فيه المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم-: (الإيمان يمان والحكمة يمانية)؛ فهُــوِيَّة هذا الشعب الوطنية لا تختلف عن هُــوِيَّته الدينية فكل بلد إسلامي ينتسب إلى الإيمان إلا اليمن فقد نسب إليها الإيمان.
فدخول يمن الإيمان إلى قلب معركة الطوفان إنما هو تعبير صادق عن هذه الهُــوِيَّة الإيمانية الفريدة التي قلده وسامها النبي الأكرم -صلى الله عليه وآله وسلم- وَإذَا كانت الحكمة هي وضع الأمور في مواضعها؛ فموقف اليمن الذي أربك حسابات الأعداء هو من مصاديق الحكمة اليمانية التي تفرد بها اليمنيون عن بقية شعوب العالم.
ولا غرو أن نجدَ اليمنيين يتفاعلون من أعماق مشاعرهم مع مشاهد المظلومية والمأساة في قطاع غزة فهم كما وصفهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “أرق قلوباً وألين أفئدة”.
وعندما نرى ضربات اليمن تكسر هيبة العدوّ وتدمّـر سطوة فرعون العصر وتغرقه وجنوده في البحر فتختصر بتلك البطولة الحيدرية مسافة الطريق إلى النصر فَــإنَّما هو نفس الرحمن القادم من قبل اليمن ونفس الرحمن هو فرجه المرتجى في أشد أوقات الكرب ولحظات الضيق.
إن اليمن يكسر قواعد المستحيل؛ إذ يكتب تأريخ مجد الأُمَّــة العربية والإسلامية على مسطحات مياه البحرين الأحمر والعربي كما نحته سابقًا في صفائح صخور الجبال ولوحات كثبان الرمال في جميع جبهات ومحاور القتال، في الوقت الذي يعجز آخرون عن كتابة بعض حروف هذا التأريخ على صفحات الورق الأبيض، فالكتابة على الماء مستحيلة إلا أن القلم اليمني كسر هذه القاعدة؛ لأَنَّه يكتب موقفه المقدس بدم الكرامة وقلم العدالة ولغة القوة.
فمعارك البحر لا يخوضها إلا أشجع من ركبت في أبدانهم الأرواح.
يقول الإمام علي -عليه السلام- عن راكب البحر “لا يسلم قلبُه من الفَرَق “الخوف” وإن سلم جسده من الغرق”.
وسئل بحار ما أعجب ما وجدت في البحر فأجاب: سلامتي منه.
فالسفر-ولو في البر- قطعة من العذاب أما السفر في البحر فعذاب مكتمل الأركان؛ إذ هو سفرٌ محفوفٌ بالأهوال.
فما ظنك بخوض اشتباك عسكري في البحر إنك ستواجه هولين في آن واحد، هول الحرب مع هول البحر؛ فلا يخوض هذه الحرب العظيمة المخاطر والأهوال إلا رجال الرجال وأبطال الأبطال.
أحفاد من قالوا لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلّم- في معركة بدر الكبرى معبرين عن مستوى استعدادهم للتضحية والاستبسال “لو خضت هذا البحر لخُضناه معك ما تخلف منا رجل واحد” هكذا قال الأنصار لرسول الله، أما أحفادهم اليوم فقد سبق قولهم الفعل وصعق العدوّ بأزيز الصواريخ المشفوع بزئير الصرخات.
لقد صرخ اليمن في وجه الأمريكي والإسرائيلي قبل أن يصرخ تحت أقدامه وحمل قضية فلسطين روحية جهادية ومواقف استشهادية منذ أمد بعيد؛ فموقفه اليوم هو ثمرة الثقافة القرآنية والهُــوِيَّة الإيمانية التي رسخها الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- وخلفه السيد القائد -يحفظه الله- في وجدان الشعب، ورسما برامج ترجمتها إلى مواقف عملية فعالة ومؤثرة على نفسية وسلوك العدوّ؛ فلقد كانت ملزمة “يوم القدس العالمي” هي أول محاضرة للشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- التي بدأ بها مشروعه القرآني المبارك، ولهذا دلالته المعبرة على أن فلسطين هي بوصلة مسيرة الجهاد ووقود حماسها منذ اليوم الأول.
إنني أشبه موقف اليمن الشجاع والحكيم في معركة (طُـوفان الأقصى) بدور الإمام علي -عليه السلام- في معركة خيبر فقد استغلينا فرصة الهدنة مع قريش العصر (السعوديّة والإمارات) للدخول في المواجهة المباشرة مع خيبر العصر (إسرائيل) كما استغل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- صلح الحديبية مع قريش بالتوجّـه نحو يهود خيبر.
ومن قبيل إسقاط لبطولات التأريخ على مجريات الواقع فسأكتفي في مقاربة موقف الإمام علي في فتح خيبر مع موقف اليمن اليوم في الاشتباك مع خيبر العصر بنقطتين اثنتين:
النقطة الأُولى عندما هزم الذين استنكروا صلح الحديبية أمام يهود خيبر، قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: “لأعطين الراية غدًا رَجُلًا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار يفتح الله على يديه” فلم يتوقع أحد أن يكون علياً -عليه السلام- هو حامل راية النصر ولواء الفتح؛ لأَنَّه كان مصاباً بالرمد، لا يستطيع أن يبصر بوضوح؛ فلما جيء به إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ومسح على عينيه بريقه فذهب عنهما الرمد وحمل راية الجيش ولم يعد إلا فاتحاً منتصراً.
والمثل لم يكن أحد يتوقع أن اليمن المثخن بالجراح المكبل بالحصار على امتداد تسعة أعوام سيكون هو الإيمان كله الذي سيبرز للشرك كله والذي سترتعد فرائص اليهود لما يعرفونه من صلابة رأسه وشدة بأسه فهم يعلمون أن ضربات اليمن ستصيبهم في مقتل، ولقد كان ذلك، ولا تزال رحى المعركة تدور على رؤوس اليهود المعتدين حتى يأذن الله تعالى بالفتح.
النقطة الثانية قصة الباب في الصراع مع اليهود:
فباب خيبر فتحه الإمام علي -عليه السلام- لاقتحام حصون يهود خيبر وباب المندب أغلقه حفيده السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -أيده الله بمدده وأمده بتأييده- لمحاصرة مستوطنات “إسرائيل”.
وكما كانت خيبر هي من تشجع الانقلابات العسكرية الغادرة (ليهود بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير) على نظام الدولة النبوية العادلة؛ فقد كانت “إسرائيل” وأمريكا هي من تشجِّعُ عملاءَها على إثارة الحروب الداخلية في اليمن والذين كانت عقوبة خيانتهم للدين والوطن هي الطرد والجلاء إلى خارج البلد.
وكما كان زعيمُ يهود خيبر حُيَي بن أخطب هو مهندس غزوة الأحزاب فقد كان خَلَفُه في هذا العصر هو مهندس عاصفة الحزم لتحالف الأعراب على اليمن؛ فالحمد لله الذي أعزنا بقيادة حفيد حامل ذي الفقار الذي صرع عمروًا المشرِك في الأولى ومرحبًا اليهودي في الأُخرى.
إن اليمنَ وهو يخوض معركة الدفاع عن الأخوة في الدين والعروبة والدم عازم على المضي في مساندة (طُـوفان الأقصى) إلى الحد الأقصى بالمال والنفس والسلاح، غير آبه بهرير كلاب الغرب المتصهينة ولا بطنين ذباب العرب المتأمركة.
وبالله نصول وعليه نتوكل، وما النصر إلا من عند الله.