دروس من غزوة بدرٍ الكبرى

استهل السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي “حفظه الله” المحاضرة الرمضانية الثالثة عشرة التأكيد أن من أهم وأبرز الأحداث في سيرة رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، هي غزوة بدرٍ الكبرى، التي وقعت في السابع عشر من شهر رمضان المبارك، من السنة الثانية للهجرة، وأن من أهم الأحداث في شهر رمضان، والتي وقعت فيما بعد بسنوات فتح مكة، والذي كان في السنة الثامنة للهجرة النبوية، و
ويؤكد أن لغزوة بدرٍ وفتح مكة الأهمية الكبيرة جداً في سيرة رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وفي جهاده، وأيضاً في تاريخ المسلمين؛ باعتبار ما لكل منهما من تأثير كبير في واقع المسلمين يمتد إلى قيام الساعة.
ويبين السيد القائد أنه عندما نعود إلى غزوة بدرٍ الكبرى، فإننا نعود إلى سيرة رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، الذي هو لنا الأسوة والقدوة، وذلك لاستلهام الدروس والعبر من المعلم والقدوة والأسوة، الذي منحه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” النور، والهداية، والحكمة؛ ليعلمنا، وينقذنا، ويهدينا، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عندما قال لنا في القرآن الكريم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.
ويؤكد السيد القائد أن العودة إلى سيرة رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” مسألة مهمة لنا في ديننا ودنيانا، ونستفيد منها على كل المستويات، ولها أهميتها بالاعتبار الإيماني، وباعتبار الواقع، وفي ضل هذه الظروف المهمة، والحساسة، والخطيرة، التي تعاني فيها أمتنا، وهي أمةٌ مستهدفةٌ من أعدائها بكل أشكال الاستهداف، فإننا بحاجة إلى أن نعود إلى سيرة رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وإلى جهاده، من خلال ما قدَّمه القرآن الكريم، ومن خلال ما هو صحيحٌ وثابتٌ في كتب السِّيَّر والتاريخ؛ لنستفيد منه في واقعنا، وأن ذلك يعنينا أيضاً، سواءً بحساب الانتماء الإيماني والديني، أو بحساب ما نواجهه وما نعانيه من تحديات وأخطار في واقعنا.
ويؤكد السيد القائد على الأهمية الكبيرة جداً في غزوةٍ بدرٍ الكبرى في كيفية قيام الأمة الإسلامية وانتصارها، ومواجهتها للتحديات والأخطار آنذاك، ونشوء وامتداد نور الإسلام، وكذلك في انتصار المسلمين، وفي تغيير الواقع الجاهلي الظلامي في الجزيرة العربية، وما تبع ذلك أيضاً في الأخير من امتدادٍ لنور الإسلام إلى أرجاء واسعة في الأرض، وإلى انتشاره عالمياً، ولذلك، يبين السيد القائد أن التسمية في القرآن الكريم لغزوة بدرٍ الكبرى أتت تسميةً مميزة، وذات أهمية كبيرة،، حينما سمَّها الله بيوم الفرقان، قال “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} وهو يومٌ فارقٌ فعلاً، فارقٌ، ما بعده اختلف تماماً عمَّا قبله.
وعندما نأتي إلى يوم الفرقان، يوضح السيد القائد أن القرآن الكريم قدَّم لنا عرضاً مهماً جداً لتسلسل تلك الأحداث، وقدَّم في سورة الأنفال عرضاً مميزاً جداً لأحداث غزوة بدر، عرضاً مليئاً بالدروس والعبر، يبني الأمة فيما بعد ذلك، سواءً في عصر رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، أو ما بعده؛ لتكون في مستوى القوة، والمنعة، والتحرك الفاعل في مواجهة المخاطر التي تهددها، ومن قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} يبين السيد القائد أن الإذن أتى من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” للنبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” وللمسلمين بالتحرك العسكري، كانت هذه هي الإعلان عن بداية المرحلة الجديدة، التي سيتَّجه المسلمون فيها لمواجهة الأعداء، ومواجهة التحديات والمخاطر التي تستهدفهم عسكرياً.
ويبين السيد القائد انه عندما أتى التحرك في وقت حركة تلك القافلة وعودتها، وهي قافلة خُصِّصت عائداتها للترتيب للاستهداف للمسلمين بعملية عسكرية، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} ويؤكد أنَّ الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الذي أمر رسوله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” بالتَّحرُّك، ولم يكن ذلك التَّحرُّك عبارة عن رأيٍ شخصيٍ من النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، أو من بعض المسلمين؛ وإنما كان أمراً من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في إطار تدبيره وتوجيهاته وتعليماته، ويؤكد أن هذا درسٌ مهمٌ لنا نحن المسلمين في هذا العصر، الذين نتقاعس عن التحرك حتى بعد أن يدهمنا الخطر إلى عقر ديارنا.
ويؤكد السيد القائد أن تربية الإسلام، وهدي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يربي الأمة إلى أن تكون هي مبادرة، وسبَّاقة، وتتحرك لمواجهة الخطر قبل أن يدهمها الخطر؛ ولهذا نجد أنَّ رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” خرج، وتحرَّك بمن استجاب له من المسلمين، ويبين السيد القائد أنَّ البعض منهم كانوا كارهين للخروج في تلك الظروف؛ نظراً للوضعية الصعبة التي يعاني منها المسلمون، من حيث الإمكانات، والعدد، من حيث العدة، وبالمقارنة مع واقع أعدائهم أعداؤهم، حيث كان البعض قلقين جداً من التَّحرُّك في خروج النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، إلى درجة قال عنهم: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ}، وبالرغم من كل ذلك فقد تحرك، رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ في تلك الظروف الصعبة، ولم يقبل باعتراض من اعترض، ولم يتقبَّل مساعي من حاولوا اقناعه بعدم التحرك والخروج، ولا اكترث أيضاً للآخرين: للمنافقين والذين في قلوبهم مرض، الذين سعوا بالإرجاف، والتهويل، والتخويف، {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
ومن جانبٍ آخر، يبين السيد القائد أن الخبر بالغ إلى المشركين في مكة، بأنَّ رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” بدأ بالتحرك من المدينة، ومن معه من المسلمين؛ لاستهداف تلك القافلة، فقاموا بالخروج، وأعدوا العدة، وحشدوا إمكاناتهم، وتحركوا عسكرياً، بقوة عسكرية من مكة؛ لاستهداف النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وخرجوا جيشاً قريباً من الألف مقاتل، وانهم خرجوا كما قال الله عنهم: {بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}، وأصبح هناك تحرُّك من جهة النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” ومن معه، من الذين استجابوا له من المسلمين، وَتَحَرُّك من مكة جيش المشركين الذي قد خرج بإمكاناته، وعتاده، وعُدَّته، والقافلة التي كانت تتحرك أيضاً باتجاه مكة.
في تلك الظروف نفسها، والرسول يتحرك بمن معه من المسلمين، يبين السيد القائد بأنه أتى الوعد من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” للمسلمين بالتمكين من إحدى الطائفتين؛ إمَّا القافلة العائدة بالأموال التجارية، التي خُصِّصت لتمويل هجوم على المسلمين، وإمَّا الجيش العسكري، الذي قد خرج من مكة، يقول الله “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}، ويشير السيد القائد إلى أن الرغبة النفسية كانت  لدى المسلمين، هي أن يتمكنوا من القافلة؛ ليستفيدوا منها مادياً، وليتفادوا الاصطدام العسكري والقتال؛ فكانت الرغبة شيئاً، ولكن التدبير الإلهي كان لشيءٍ آخر.
ومن قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} يؤكد السيد القائد أن النتائج الأكثر أهمية، والتي لها تأثير مهم جداً للإسلام والمسلمين، هي بالتمكين من الجيش العسكري، وإحراز نصرٍ عسكري، وأن هذا ستكون له نتائج مهمة، أكثر أهمية بكثير من أن يظفروا بالقافلة، ويبين أن هذا درسٌ للمسلمين، فيما يتعلق بالخيارات والأهداف الأكثر أهمية، وذات التأثير الأكثر أهمية أيضاً في واقعهم.
ويبين السيد القائد أن التهيئة أتت من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لالتقاء المسلمين بالجيش العسكري التي خرجت لقتالهم من مكة، وانهم في اليوم الأول التجأوا إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فاستجاب الله لهم، ووعدهم بأن يمدهم بعدد كبير من ملائكته، ليؤكد السيد القائد أن هذه مسألة مهمة جداً في كل أحوال الإنسان المسلم، وفي ظروف الجهاد في سبيل الله، وفي مواجهة كل التحديات والأخطار، بأن عليه أن يلتجئ إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن يستغيث بالله “جَلَّ شَأنُهُ”.
ويبين السيد القائد أيضاً أن مما أمد الله المسلمين به تلك الليلة، هو النعاس، قال “جَلَّ شَأنُهُ”: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ}وهو يدل على حالة السكينة والاطمئنان التي منحهم الله إيَّاها؛ لدرجة أن يصيبهم النعاس، والنعاس هو بداية النوم، أو النوم الخفيف الذي يحصل للإنسان، كما كان ضمن المدد الإلهي أيضاً: المطر، قال تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} حيث كان المسلمين بحاجةٍ إلى الماء؛ لأن المشركين سبقوهم إلى البئر التي في تلك المنطقة.
ويبين السيد القائد كيف كان التأييد الإلهي، بأن الله وعد عباده المؤمنين بالتأييد الذي يأتي بأشكال كثيرة، مما يساعدهم على أداء مهمتهم، فنجد كيف حصلت تهيئة نفسية، وتهيئة في الواقع وفي الميدان، وكل هذا كان لمصلحة المسلمين.

قد يعجبك ايضا