الابتعاد عن هدى الله يفتح ثغرة خطيرة يستغلها الشيطان الرجيم

استكمالاً للحديث عن قصة نبي الله آدم “عَلَيْهِ السَّلَام”، في ضوء الآيات القرآنية المباركة، يستكمل السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في المحاضرة الرمضانية الخامسة عشرة الحديث على ضوء ما ورد من الآيات المباركة في بعض السور الأخرى، ومن قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في الآيات المباركة من (سورة الحجر): {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} يبين السيد القائد أن الله بيَّن لنا كيف ابتدأ خلق الإنسان، ويؤكد أن هذه مسألة مهمة؛ لأنهيحاول أهل الضلال والباطل من أولياء الشيطان، وبالذات الذين لهم ارتباط بالصهيونية واليهودية، أن يقدِّموا بداية الوجود البشري على أنها بداية مجهولة، ثم أن يفترضوا لها افتراضات تخمينية، قائمة على التخمين، والهواجس، والظنون، والأوهام، وليست مبنيةً على حقائق، وبناءً على ذلك قدَّموا تصوراً خاطئاً جداً عن بداية الوجود البشري، مجرداً من التكريم.
ومن قوله تعالى:{أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ}يؤكد السيد القائد أن أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أراد بهذا السؤال لإبليس أن يكشف لنا السبب والدافع، الذي ليس بمبرر لإبليس في امتناعه عن السجود؛ إنما هو دافعٌ سيء، وليس مبرراً مشروعاً، فلما كانت المسألة ذات أهمية بالنسبة لنا في أن نعرفها، أراد الله أن نعرفها باعتراف مباشر من إبليس نفسه: {قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} وأن السبب وأن الدافع الذي دفعه لتلك المعصية هو عقدة الكبر، وهي عقدة خطيرة جداً، حيث اعتبر أنه في عنصره الذي خُلِق منه، وهو النار، أعلى شأناً وقدراً من أن يسجد لمخلوقٍ من التراب.
ويشير السيد القائد أن الشيطان بهذه العقدة تجاهل أشياء كثيرة في مقدِّمتها أنَّ أي مخلوق من مخلوقات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من الجن، والملائكة، والإنس، عليه أن يُنَفِّذ أوامر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بالنظر إلى أنها أوامر من الله، وليس بأي اعتبارات أخرى، وكذلك أنه في في تصوره الخاطئ، انه نظر إلى هذه المسألة نظرة ليس له فيها مبرر، حتى في المفاضلة، التراب يخلق الله منه النباتات، التراب فيه الكثير من المعادن النفيسة والرائعة، التراب ليس شيئاً ممتهناً، مبتذلاً؛ فليس له تبرير حتى في نظرته، هي نظرة أصلاً خاطئة.
ومن قوله تعالى:{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} يبين السيد القائد أن الشيطان طُرِد من بين صفوف الملائكة مهاناً، وهذه هي نتيجة التكبر فخسر مقامه، وخسر عبادته، وخسر كل شيء، {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ}، وأنه سبَّب لنفسه بعصيانه لله، وبتكبره، ومعصيته معصية خطيرة جداً؛ لأنها بدافعها، وبما كان سبباً لها، وبشكلها وحقيقتها وفي جوهرها، جمعت جوانب خطيرة جداً من المعصية لله، فهو اتهم الله في حكمته وعلمه، وأساء إلى الله بذلك إساءة عظيمة، هذا من الكفر: الاتهام لله في عدله وفي حكمته، والاعتراض على الله في أمره، فهو جمع بين: المعصية الفعلية التي هي: الامتناع من السجود، ومضافاً إليها الاعتراض على أمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومضافاً إليها الاتِّهام لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في عدله وحكمته، وحتى التخطئة للملائكة، هو خطّأ الملائكة في سجودهم، واعتبرهم مخطئين في ذلك، وأنَّ عليهم أن يمتنعوا كما امتنع هو عن السجود لآدم.
ومن قوله تعالى:{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}يبين السيد القائد ان الشيطان طلب الإنظار؛ ليبقى على قيد الحياة من جهة، وليتم إمهاله، فلا يُعاجل بالعقوبة المهلكة قبل ذلك؛ لأنه خاف أن يعاجل بالعقوبة المهلكة، عندما لعنه الله، وطرده من رحمته، وغضب الله عليه، وهي حالة خطيرة جداً، فهو معترف بالله، معترف بربوبية الله، معترف بالقيامة، بالجزاء، بالحساب، بالجنة والنار، يعرف كل هذه الحقائق، ولكنه لم يستفد من معرفته تلك في زكاء نفسه، هو تورَّط بشكلٍ خطيرٍ جداً في التمحور حول ذاته، ونمت في نفسه الأنانية والغرور والعجب؛ فتولَّد عن ذلك الكبر والعياذ بالله، حالة خطيرة جداً.
وفي هذا السياق، ومن قوله تعالى:{قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ}، فقد كشف الله للشيطان أن في تدبير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وفي حكمته أن يُنْظِرَه؛ ولذلك فهو سيبقى على قيد الحياة، لا يعاجله الموت، ولا العقوبة المهلكة، {إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}، في تدبير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وحكمته وعلمه، كما يؤكد السيد القائد من قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}أنَّ الشيطان يحمِّل الله مسؤولية وقوعه في الغواية، وانه أوقع نفسه في الغواية، بذنبه، وبعقدة الكبر، ولكنه يريد أن يحمِّل الله المسؤولية في ذلك؛ احتجاجاً عليه لماذا أمره بالسجود لآدم، وسيتَّجه الاتجاه الذي هو اتَّجاه المعصية والغواية، والخروج عن طريق الحق، وأنه يريد أن يقول: أنه سيتَّجه ومن موقع وبدافع الحقد على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والحقد على البشر، أصبح في نفسه حقد على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وحقد على عباد الله، وهذه من الحالات الخطيرة التي قد تنشأ نتيجةً لبعض المعاصي والعقد الخطيرة جداً.
ويؤكد السيد القائد أن ابليس يعتمد أساليب الإغواء والتزيين، الذي يحاول من خلاله أن يجرَّهم إلى المعاصي، وانه سيزين لهم سوء الاستخدام لنعم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وسوء التصرف فيها؛ وان الشيطان سيعمل على أن يدفع بالإنسان لسوء التصرف، وسوء الاستخدام لنعم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بما فيه معصية لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وإساءة إلى الله “جلَّ شأنه”.
ومن قوله تعالى:{إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}، يبين السيد القائد أنه بالرغم من حقد الشيطان على جميع بني ادم، وسعيه لاستهدافهم بكلهم، والإيقاع بهم في الغواية بأجمعهم، ولكنه يدرك أنَّ ذلك ليس بممكن، وأنه لا يستطيع أن يحقق لنفسه تلك الرغبة الشيطاني، ويبين السيد القائد أن عباد الله المُخلَصين هم الذين عبَّدوا أنفسهم لله، وأخلصوا أنفسهم لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، واتَّجهوا في حياتهم على هذا الأساس: من منطلق العبودية لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن حالة الإخلاص لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هي في إطار البرنامج الإيماني، ويتربى الإنسان فيها على التخلُّص من الشوائب الخبيثة، التي يستغلها الشيطان في التأثير على الإنسان.
ومن قوله تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}، يؤكد السيد القائد أن الشيطان لا يملك السلطة، ولا التأثير لإجبار الناس على السير في طريقه، في طريق الغواية، وصدهم عن الصراط المستقيم، لا يتمكَّن من منع أي أحد من السير في الصراط المستقيم، وأنه يملك التأثير فيمن اتبعه{إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}، وأنه يمتلك التأثير فيهم؛ نتيجةً لمعصيتهم لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وخبث نفوسهم، وابتعادهم عن رحمة الله، وعن هدايته، فتخبث نفسية الإنسان بالمعصية.
ويبين السيد القائد أن كل الغاوين الذين يخرجون عن صراط الله المستقيم، ويتَّجهون مع الشيطان، فكلهم موعدهم جهنم {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ}، وأن الله غنيٌ عنهم، لا تضره معصية من عصاه، وأن موعدهم هو جهنم والعياذ بالله، وأن أهل نار جهنم يقسَّمون إلى سبعة أصناف، بحسب أنواع معاصيهم، وأسباب غوايتهم، ونوع غوايتهم، ومستوى العذاب هو بحسب ذلك: بحسب أعمالهم السيئة، وانحرافهم، ومعاصيهم.
ويؤكد السيد القائد على الاستفادة من الآيات المباركة لأخذ الدروس والعبر المهمة، فيما يتعلق بهذه القصة المباركة المهمة جداً، ويبين أنه لو استفاد منها البشر؛ لكفتهم الكثير والكثير مما وقعوا فيه من الشقاء والخسران، ولكانت من أهم الدروس التي تساعدهم على الاستقامة في هذه الحياة، ويؤكد السيد القائد أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” كرَّم الإنسان في خلقه في أحسن تقويم، ويبين ان هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يقدِّم للإنسان البرنامج الصحيح، المتكامل، المتوازن، الذي يلبِّي احتياجات الإنسان العائدة إلى جسمه، واحتياجاته العائدة إلى روحه، وينظِّم للإنسان التوازن ما بين احتياجات الروح واحتياجات الجسم، وما يسمو به الإنسان في هذه الحياة.
كما يؤكد السيد القائد بكل وضوح على حاجتنا الضرورية جداً إلى هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتعليماته، وأنَّ الإنسان إذا انفصل عن تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتجاهلها، أو تناساها؛ فهو يفتح على نفسه ثغرةً للتأثير الشيطاني، مهما كان ذكاء الإنسان، ومهما كان فهمه، ومهما كان يمتلك من خلفية معرفية وغيرها، ويبين أنه إذا لم يرتبط بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ فهو قابلٌ للإغواء والتأثير الشيطاني، فيشجِّعه أو يورِّطه بسببه إلى أن يدخل في معصية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيخالف ما أمره الله ونهاه.

قد يعجبك ايضا