أَدْويَةُ اليمن.. الكبسولةُ صاروخ بيد العدوان

موقع أنصار الله  || صحافة محلية || عبدالقادر حسين/ صدى المسيرة

 

إنتشارُ السوق السوداء لبيعِ الأَدْويَة والصحة العالمية تُغذّيها بأَدْويَة منتهية

 

 

لم يترُكِ العدوانُ السعوديُّ الأَمريكيُّ وسيلةَ ضغطٍ على حياة اليمنيين ومعيشتهم إلا استخدمها، وخلال قُرابة عامين مضت، طال القصفُ عديدَ منشآت صحية وصناعية ودَمَّرَ البُنية التحتية، ليدعمَ نشاط التهريب وإغراق البلاد بالمنتجات المهربة (أَدْويَة ومنتجات استهلاكية أُخْــرَى).. إنه يقوم بذلك لكي لا يجدَ الجريحُ الذي سقط إثر القصف شاشاً يضمِّدُ جُرْحَه، ولا يجدَ المصابُ بمرض مزمن مُسكناً لألمه، ولكيل ا يجد المصابون بأَمْرَاض خطيرة سبيلاً للسفر إلى الخارج بحثاً عن العلاج، ولا أَمَــرَّ من أن يموتَ الشخصُ؛ بسبب غياب الرعاية الصحية وانعدام الدواء.

 

منصور (21 عاماً) أنهكه كثيراً البحث عن دواء لوالده، ويقول بأنه يُصاب بالإعياء عندما ينفَدُ على أبيه العلاجُ ويطلب منه شراء باكت آخر، حيث أن والدَه مصابٌ بقلق مزمن ويستخدم (anafranil 25) وهو منعدم حالياً في الصيدليات الرسمية، لكنه يذهب إلى صيدليات أُخْــرَى تبيع الأَدْويَة المهربة ويجده لديها بسعر مرتفع بنسبة (60%) على الرغم من أنه علاج بسيط واشتهر في السابق بوفرته في سوق الأَدْويَة.

 

ويتابع منصور أنه يخشى من أن يكون هذا الدواء عديم الفاعلية أَوْ يسبب أضراراً جانبية؛ كونه لا يدخل البلاد بطريقة رسمية تحت إشراف الهيئة العليا للأَدْويَة، مضيفاً أن هناك عديدَ مواطنين يعانون كثيراً للحصول على الدواء، لا سيما مع ارتفاع أسْعَاره في السوق السوداء والأَوْضَاع المعيشية الصعبة التي يعيشها اليمنيون بفعل الحصار والعدوان.

 

لقد فرض العدوانُ السعودي الأَمريكي حصاراً ظالماً بالتزامُن مع عدوانه الهمجي في الـ26 مارس/ آذار 2015، وبطائراته قصف ودمّر البنية التحتية وعدداً من القطاعات الإنتاجية الوطنية، لينالَ من صمود اليمنيين ويقوّض إرادتهم في التحرر من التبعية ونيل الاستقلال، لكنه ينكسِرُ على جدار الصمود اليمني والإجماع على ضرورة الخلاص من الهيمنة الأجنبية، فتعرت كُلُّ ذرائعه وحُجَجِه التي سوّقها عند مباشرته العدوان على الشعب اليمني، حيث بدأ عدوانه تحت يافطة دعم شرعية توافقية للقضاء على جماعة متمردة، وأن تلك المهمة لن تتجاوز الأسبوعين، ليعيد بعد ذلك الأمل لليمنيين ويُعيّشهم في رخاء ونعيم، لكنه اليوم يمعن في تعذيب اليمنيين ويزيد معاناتهم فرداً فرداً، ويمنع عن المرضى الدواء ويستهدف مراكز طبية وإغاثية.

 

إنْسَانيةٌ معطّلة

 

إذن هي حربٌ همجية يشنها أغنياءُ الخليج على بلد يعد الأفقرَ في المنطقة على الرغم من وفرة الموارد الطبيعية على جغرافيته، وأولئك الأغنياء يشترون بأموالهم أصوات العالم ومواقفهم حتى لا يجد اليمنيون صوتاً يناصرُهم أَوْ يتضامن معهم، ويقول جيمي ماكغولدريك، مسؤول بالأُمَــم المتحدة يعمل في اليمن: “إن الإنْسَانية لا تعملُ بعدُ هنا، والعالم يغض النظر عما يحدث في اليمن”.

 

وبحسب تقارير الصليب الأحمر الدولي قد تم الإبلاغ عن أَكْثَر من 160 استهدافاً على المستشفيات والعيادات والعاملين في المجال الطبي للجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC)، وأن أقلَّ من نصف مرافق الرعاية الصحية التي لا تزال قيد التشغيل في حين خرجت البقية عن نطاق الجاهزية، بينما يموت عشرات المواطنين من الرجال والنساء والأطفال بشكل يومي، جراء إصابات وجروح يمكن علاجها وأَمْرَاض قابلة للعلاج، لكن عدم توفر الأَدْويَة الصحيحة يجعلهم عرضة للموت.

 

 

 

إنعدامُ تدفق الأَدْويَة والمواد الخام

 

يقول حازم الحيدري (موزع أَدْويَة): “إن العدوان هو السبب في انعدام الأَدْويَة؛ وذلك بسب الحصار الذي يفرضه براً وبحراً وجواً، مما أفضى إلى نقص الأَدْويَة بشكل كبير، وعلى وجه الخصوص أَدْويَة الأَمْرَاض المزمنة، مما أدّى إلى تدهور حالات المرضى بشكل أكبر.

وبالنسبة للأَدْويَة التي كانت مخزونةً لدى الشركات الدوائية يفيد الحيدري بأنها كانت قليلة، ولذلك كانت تباع بأسْعَار خيالية في السوق السوداء بنسبة ارتفاع بالسعر تُقدر بـ (100%-120%)، محذراً من ارتفاع سعر صرف الدولار؛ لأنه يتناسب طردياً مع أسْعَار الأَدْويَة.

وأضاف: إن الوفرة الدوائية مؤمنة حالياً لكن بطريقة مهربة وغير رسمية من الوكلاء، حيث أنها تصل السوق بدون ضرائب أَوْ جمارك. مؤكداً أن الحصار أَيْضاً أثّر على شركات التصنيع الدوائية المحلية فكانت توفر نسبةً لا بأس بها، حتى نفاد كمية المواد الخام للتصنيع المحلي وتعطيل الإنتاج.

 

وتشير مصادر إعلامية إلى فقدانِ 20 نوعاً من الأَدْويَة المنقذة للحياة ومن ضمنها أَدْويَة أَمْرَاض (الكلى، التهاب الكبد، أَمْرَاض القلب وأَدْويَة كيميائية للمصابين بالسرطان، السكري، شلل الأطفال، وأَدْويَة الأطفال الذين يعانون من متلازمة التنفس)، بجانب أَدْويَة الأطفال الذين يعانون نشاطاً زائداً، وأشارت المصادر إلى أن هناك ندرةً في المحاليل الوريدية، والمحلول الخَاصَّة بالغسيل الكلوي.

 

 

 

حصارٌ جائرٌ وأزمةٌ خانقة

 

من جانبه يقول إبراهيم أبو طالب (يعمل لدى الهيئة العليا للأَدْويَة): إن الحصار الجائر فرض أزمة خانقة في الأَدْويَة والمستلزمات الطبية خصوصاً الأصناف الأَسَـاسية التي تندرجُ تحت تصنيف “منقذة للحياة”، وهناك أكثرُ من مائة صنف أَسَـاسي منعدِم، غالبيتها أَدْويَة الأَمْرَاض المزمنة كأَمْرَاض القلب، والسكري، والفشل الكلوي، والصرع، والربو، والثلاسيميا ومستلزمات العمليات الجراحية، وأَدْويَة الأورام.. وكذلك بعض المحاليل المخبرية (كمحاليل فحص الفيروسات).

 

ويضيف أن كثيراً من المرضى الذين ليست لهم قدرة على شراء الأَدْويَة كان يتكفل بها البرنامج الوطني للإمداد الدوائي بوزارة الصحة من خلال قائمة الاصناف الأَسَـاسية الوطنية، وكروت الصرف الشهري وبدعم من وزارة الصحة والمنظمات الدولية العاملة في اليمن، مستطرداً أن العدوانَ والحصارَ ساهم بشكل كبير في انتشار الأَدْويَة المهربة، وتنامي السوق السوداء وارتفاع أسْعَار الأَدْويَة.

 

وعن دور الهيئة العليا للأَدْويَة يقول أبو طالب بأنها قامت بتفعيل قسم المخزون الدوائي لمتابعة توفر الأَدْويَة الأَسَـاسية ومستورديها من خلال حزمة إجراءات فنية وقانونيه وميدانية أثمرت زيادة في الوفرة الدوائية بنسبة 46% بالمقارنة بالعام 2015، كما قامت الهيئة بضبط كثير من الأَدْويَة المزورة وأحالت قضاياها إلى النيابة، وشكّلت لجاناً ميدانية مستمرة لمراقبة وضبط الاختلالات السعرية.

 

ويفيد إبراهيم أبو طالب بأن العدوانَ قصف مصنع (بيوفارم) للإنتاج الدوائي ودمر المبنى الإداري فيه ومبنى المختبر الخاص بالمصنع، ويعد مصنع الإمبولات (الإبر) الوحيد في اليمن، بينما مصنع (يدكو) الحكومي معطّل؛ بسبب عدم توفر قطع غيار الآلات والمشاكل المالية وهو المصنع الوحيد الذي يحوي خط انتاج المحاليل الوريدية. مؤكداً أن الهيئة ألزمت المنظمات الدولية بالرجوع إليها لأخذ موافقات استيراد المواد الطبية الخاصة بها ومع ذلك لا زالت المنظمات تولي جوانب ثانوية اهتماما كبيراً على حساب الجوانب الأكثر احتياجاً فهي تولي برامج الصحة الإنجابية والتحصين كامل الدعم على حساب جانب الأَمْرَاض المزمنة كالأورام والقلب والسكري والفشل الكلوي والثلاسيميا وغيرها.

 

من جانبه يتساءَلُ الدكتور يوسف الحاضري (يعمل في الهيئة العليا للأَدْويَة)، عن دور وزارة الصحة ومحملاً في الوقت ذاته الصحة العالمية مسؤولية تهريب تلك العقاقير قائلاً: “لا نعفي المنظمة من جانب أنها تعيشُ في الوسط اليمني وتعايش احتياجاته ومشاكله ونواقصه، ولا بد أن يكون لديها جانبٌ إنْسَاني في تحركها، وتبتعدُ عن صرف المليارات لشراء الحاجات غير الضرورية في الوقت الحالي، إذ كان يمكن أن تنهض بمستوى القطاع الصحي بتلك المبالغ خلال فترة العدوان والحصار”.

 

 

 

الصحةُ العالمية تُهرّب أَدْويَةً منتهية!!

 

ومع انتشار السوق السوداء لتجارة الأَدْويَة، انتشرت عديدُ أَدْويَة منتهية الصلاحية وغير مطابقة للمواصفات والمقاييس، حيث تكشف وثائقُ صادرة عن الهيئة العليا للأَدْويَة بتأريخ 6/12/2016، عن تهريب ستة أصناف مخدرة إلى السوق المحلية، وبحسب بلاغ وجهته هيئة الأَدْويَة للنائب العام ضد منظمة الصحة العالمية أن الأخيرةَ قامت بسحب تلك الأصناف من إدَارَة الجمارك بمطار صنعاء بدون إذنٍ أَوْ إشعار من هيئة الأَدْويَة أَوْ وزارة الصحة.

 

وأضاف البلاغ بأنه تم ضبطُ قارب صيد بمحافظة الحديدة عليه أصناف دوائية منتهية الصلاحية تحمل تأريخ انتهاء (12/2016) تابع لمنظمة الصحة العالمية، وطالب البلاغ بإلزام الصحة العالمية بالكشف عن مصير مائتي ألف أمبولة من صنف (فنتالين(، وهو عقار مخدر يصل تأثيره بنسبة (30%-60%)، من تأثير الهيروين والمورفين على التوالي، وإدخاله إلى اليمن بهذه الكمية يحمل علامات استفهام كثيرة، حيث أن الاحتياج السنوي لهذا العقار فقط 20ألف بواقع زيادة كبيرة.

 

إلى ذلك تفيد وكالة الأنباء الرسمية عن ضبط مكتب الصناعة والتجارة بمحافظة صنعاء ستة أطنان من الأَدْويَة منتهية الصلاحية كانت بحوزة عدد من تجار التجزئة، كما تمكنت فرق التفتيش التابعة للمكتب والأجهزة الأمنية من ضبط دينّة محملة بحوالي ستة أطنان من الأَدْويَة منتهية الصلاحية في نقطة دار سَلْم بمديرية سنحان وبني بهلول.

 

 

 

أعمالٌ خيريةٌ وتضامُنٌ إنْسَاني

 

ومع تفاقم الأَوْضَاع المعيشية على المواطنين وإحجام الدولة عن تقديم أهم خدمة مجانية لمواطنيها، ناشد مواطنون المنظمات الإنْسَانية وفاعلي الخير لمساندة الفقراء والمعُسِرين، ممن لديهم حالات مرضية تكاليفها المادية عالية جداً وفوق استطاعتهم، الأمر الذي دفع البعض منهم إلى إدخال زوجته إلى المستشفى للولادة ويغادر دون عودة؛ لأنه لا يملك المال الكافي لدفع الرسوم.

 

حمادة العريقي شاب يعملُ بجهد ذاتي لإعانة المرضى والمحتاجين، وعبر طرق أبواب أهل الخير يقدم للمرضى والمحتاجين المساعدات الإنْسَانية والطبية، بتوفير تكاليف إجراء عمليات طبية، وأَدْويَة، وقد تمكن حمادة بفضل فاعلي خير من المغتربين خارج اليمن ومن داخل اليمن توفير أَدْويَة لـ30 حالة مرضية مزمنة وأطفال معاقين خلال شهر ديسمبر، ويعمل على توفير أَدْويَة لحالات مرضية فقير في قسم الاطفال بمستشفى الثورة بصنعاء خلال الايام القادمة.

 

ويقول حمادة بأنه يشعر بسعادة كبيرة عندما تغمرُهُ دعواتُ المرضى، ويدعو فاعلي الخير لمشاركته العمل الإنْسَاني والثواب من الله، بتخفيف ألمِ طفل مريض، وتخفيف ألم فقير يعاني ولم يستطِع على شراء أبسط أدويته، ألم أسرة بكاملها، خصوصاً خلال هذه الفترة؛ لأن الناسَ بلا رواتب أَوْ عمل في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا.

 

هكذا يلجأ اليمنيون للتعاطف والتراحم فيما بينهم، فلا أحد ينظر إلى معاناتهم أَوْ يلتمس تقديم العون والمساعدة إليهم، حيث وقد أطلقت نقابة الصيادلة اليمنيين نداءات عديدة لمنظمات إنْسَانية ومنظمات تابعة للأُمَــم المتحدة، غير أن تلك النداءاتِ تُثمر أَدْويَة مهربة ومخدرات، ولا سبيلَ للخلاص من هذه المعضلة التي باتت كارثة إنْسَانية محققة، إلا باضطلاع أجهزة الدولة بدورها في مراقبة سوق الأَدْويَة، وضبط المتلاعبين بالأسْعَار، لعل ذلك يُخفّف من معاناة مريض يأمل الشفاء أَوْ جريح يرجو العافية.

قد يعجبك ايضا