جبلُ الرماةُ والواقفون عليه باسم القضية
أمة الملك قوارة
مزامنة بيوم القدس العالمي ومحاكاة للضمير الإنساني وحرارة تلك الدماء المتصببة، ومن بين تلك الآلام المتدفقة ومن على ملامح المجاعة التي مَثّلت أضلاع الأطفال البارزة وشفاههم التي لم يعد لها طاقة في أن تحاذي بعضها وأفواههم المفتوحة التي تتصاعد منها الأرواح تباعاً أبسط صورها! نعم لقد ماتوا جوعاً في عصر الشّبع! وعن ذلك الدمار الذي وسع كل شيءٍ إلى ملابس النساء التي مُزقت ودمائهن التي لُطخت بها ما بقى من أثوابهن فكانت الشاهد على أنهن خُضن معركة الدفاع عن أعرضهن بكل حميةٍ وعنفوان وسُحبت منهن أرواحهن ثمنا لذلك، إنها معركة غزة التي حددت بنود الاختبار للعالم فكان الامتحان الأصعب في تاريخ الإسلام والعروبة والإنسانية أجمع وأعطت قاعدتها الأبرز: إن لم تكن عربياً كن مسلماً وإن لم تكن مسلماً كن على الأقل إنساناً للتعايش وحجم المسأة التي حلت بغزة وتندفع مدافعاً عن الإنسانِ الذي اُستُبيحت حرمته – دمهُ، عرضهُ، مالهُ، أرضه وجسده حيا وميتا.
تفرجَ العالم ولا زال على مأساة هي من أبشع المآسي على وجه الأرض، وخرج علماء ومفتو العرب بصمتٍ مخزٍ بل وباندفاعٍ نحو تجريم من وقف يخوضُ الحرب ويقودُ معركة الدفاع عن ما تبقى من كرامة للعروبة والإسلام! اختفت تلك الصيحات والخُطب والمحاضرات الممزوجة بالدموع لأجل فلسطين، أينها اليوم؟! بينما فلسطين بأمس الحاجة لها بل هو لواجب ديني وأخلاقي وضمائري وإنساني، إن ما يحصل هو صحوة وامتحان، صحوة للشعوب المكذوب عليها المضحوك على وعيها إذ أنها تُسّير كالقُطعان دون احترام لفكرها أو حتى دينها وهويتها فلم تعد تلك الستارة المرمية على بصائرها من قبل الحُكام ذو غشاوة أو ذو جدوى وشعارات التطبيع والسلام المخطط له مع الوحش الصهيوني ظهر جلياً في غزة، واتضح مغزى العلاقات التي تريد أن تقيمها كلاً من أمريكا وإسرائيل مع العرب إنها علاقة الذئب مع قطيع الأغنام! والامتحان الذي بُرِزَ هو في جبل الرماة ومن يقف عليه ومن صحا ولتحق بركبِ المتقين المدافعين عن الإسلام وذاك المسلم وعرضه وكرامته في بلد الإسلام! إنه الاختبار الذي حدد ما إذا كان الشخص مسلما أم لا! ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ناهيك عن من يرى المسلمين تسفك دمائهم وتنتهك أعراضهم وهو لا يحركُ ساكناً، وبعد ذلك أف له ولدينه المتجلبب به كَذِبا وإن في الإسلام من الحقائق والشروط ما يفضح من ينتمي إليه ممن يتجلبب به زورا ونفاقا!..
بقي جبل الرماة خالياً إلا من ثلة عاهدوا أنفسهم أن يظلوا ثابتين وأن لا يخالفوا عهداً قطعوه لدماء وأرواح أزهقها كافر متجبر، ورغم الغنائم المدفوعة لهم إغراء، كي ينزلوا عن جبلهم ورغم الترغيب والتهديد أبوا عنوة إلا أن تصل سهامهم برا وبحر وجو إلى قلب العدو الصهيوني الذي تمادى فساداً ودمر الحرث والنسل وانتهك العرض وجَوّع وشَرّد ومَثّل بالأجساد وشوه ما تبقى!، ومن بعد هذا تتضح الحقيقة جلية بأنه لا دين سوى دين الرماة ولا إسلام سوى إسلامهم ولا إنسانية سوى إنسانيتهم وماتت كل الضمائر عدى ضمائرهم وضمائر من يقفون خلفهم مساندين وداعمين وداعين، وليدرك العالم أن قضية فلسطين لا تقبل المزايدة بل أصبحت هي المعيار الأساسي لكل فضيلة واتضحت معها رذيلة من يمتعضها ويتهاون بها وجردته من كل دين وخُلق، وعن اليمن الواقف على جبل الرماة بشعبهِ وقيادته وعدته وعتادته ليكن الدرس قاسياً ولتكن الحَمِيّة نار تصِلهم ورؤوس الصواريخ وأجنحة المسيرات، فلا هدوء يمكن أن ينعم به جزارو الإنسانية ولا هدنة ولا مفاوضة ولا سلم ولا سلام ولا كلام يمكن أن يُقام على الطاولة المصنوعة من دماء وأشلاء وأعراض المسلمين..