طوفان الأقصى امتداد لغزوة بدر الكبرى
د.تقية فضائل
في المحاضرات الرمضانية القيمة للسيد القائد عبدالملك الحوثي -سلام الله عليه – التي تناول فيها غزوة بدر برؤية قرآنية تجلى من خلالها دوافع الغزوة وأهدافها والتهيئة الربانية لها، وكذلك وضع المسلمين ووضع أعدائهم، وإصرار رسول الله على المضي قدما للتحرك والخروج، رغم المثبطين والكارهين للقتال من المسلمين، إضافة إلى مجريات الغزوة ونتائجها، يأتي هذا المقال محاولة للربط بين حدث تاريخي عظيم ومفصلي في تاريخ الإسلام والمسلمين وهو غزوة بدر الكبرى كما تناولها السيد عبداللملك -سلام الله عليه- مقارنة بحدث مهم في التاريخ الإسلامي المعاصر وهو طوفان الأقصى كما حدث ويحدث حاليا على أرض الواقع؛ سعياً لفهم أعمق وربط الأحداث المهمة في تاريخ الأمة ببعضها؛ لإدراك ما حدث فيما مضى وأثره فيما يحدث في الحاضر، كذلك استشراف المستقبل لما سيحدث- بإذن الله – وكل ذلك من خلال تحليل منطقي يأخذ في الاعتبار العناصر الواقعية الرئيسة مع مبرارتها ونتائجها، وهذا نابع من الإيمان بأنه لن يصلح أمر هذه الأمة في حاضرها ومستقبلها إلا ما أصلح أمرها في ماضيها وهو السير وفق هدى الله والتأسي برسول الله الذي جسد هدى الله تجسيدًا صحيحًا، وبالتالي لابد من استلهام العبر والدّروس من ماضي الأمة لتجاوز ما تعانيه في حاضرها.
ولا يخفى على المتأملين في الأمر أن وجوه الشبه بين غزوة بدر من جانب وطوفان الأقصى من جانب آخر جلية وواضحة للعيان، وهذا يجعلنا ندرك أن أسباب الانتصارات التي يحققها المجاهدون على أرض الواقع في غزة ترجع إلى استيعاب المجاهدين الفلسطينيين لدروس غزوة بدر جيَّدًا وتنفيذ أوامر الله والتأسي بالرّسول الأعظم – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والمجاهدين من المسلمين الأوائل .
وحتَّى يزداد الكلام وضوحاً نعقد المقارنة بين غزوة بدر وطوفان الأقصى من جوانب عدة، أولها الدّوافع التيّ أدت إليهما : فنجد أن كليهما كانتا استجابة لقوله تعالى: { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير}، فالأمر بالتّحرك الإلهي وليس اجتهادًا شخصياً من الرّسول أو المجاهدين الفلسطينيين وهو أمر بالتّحرك العسكّري لمواجهة التحديات والمخاطر، كما نجد أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم –
تحرك حركة استباقية ولم يبقّ هو والمسلمون منتظرين حتّى يأتي العدوّ ويهجم عليهم؛ فَبِمُجرد علم رسول الله بنية قريش للاستعداد للهجوم على المسلمين وإعدادها العدةّ لذلك وتوفير مصدر تمويل الهجوم بواسطة قافلة أبي سُفيان قرر صلوات ربي عليه وعلى آله الأطهار المُبادّرة والسّبق في الهجوم، وكذلك كان انطلاق طوفان الأقصى بصورة استباقية لمواجهة خطر جديد يعد له الصهاينة سرًا وهو تهجير أهل غزة كُلّياً إلى سيناء والأردن تنفيذاً لمُخطّطات الاستيلاء على أرض غزة لصالح الصهاينة، وكما أشار السّيد إلى أن المبادرة الاستباقية إلى مواجهة الخطر والتصدي للأعداء هي من تربية الإسلام لأتباعه، حَيثُ ينبغي أن تتحرك الأمة قبل أن يُداهمها الخطرّ.
وكما كان المسلمون يعانون ضعف الإمكانيات؛ بينما كان أعداؤهم من كفار قريش ومن معهم يملكون إمكانيات جسيمة جدًّا على المستوى العسكري والمادي والعدة والعدد، كذلك هو حال حركة حماس بمعية حركات المقاومة في فلسطين فهي تُعاني ضعفاً كبيراً في الإمكانيات مُقارنة بما يمتلك العدو الإسرائيلي الّذي لديه أحد أكبر الجيوش في العالم عدة وعتادًا وفوق هذا تدعمه أنظمة الاستكبار العالمي بكافة ما يحتاج من الأسلحة والخبرات والجنود وغير ذلك، وهذا الأمر المتمثل بالفارق الكبير بين الطّرفين في تكوينهما وإعدادهما يعد سبباً رئيساً في قلق الكثيرين من طرف المجاهدين قديماً وحديثاً من الدُّخول في حرب ضد أعدائهم؛ لأن الوضعية الصعبة للمسلمين تجعل هذا الدخول كأنه شيء من المستحيلات أو كما يقولون عملية انتحارية ولا يمكن أن يعود بنجاح وظفر ونصر،
ومع هذا قرر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- التحرك رغم كل ذلك ولم يقبل الاعتراضات من الكارهين والمثبطين والمنافقين ومن في قلوبهم مرض والمرجفين، كذلك هو الحال مع المجاهدين في طوفان الأقصى الذين انطلقوا دون أن يلتفتوا إلى الأصوات المثبطة لهم، والمنافقين والمرجفين على كثرتهم من مختلف البلدان وبمختلف التوجهات والأهداف، وهاهم المجاهدون في الميدان يذهلون العالم بصمودهم واستمرارهم في المواجهة؛ بل تغلبهم في الميدان على الجيش الإسرائيلي، وما يحدث من جرائم ومجازر وحشية بحق المدنيين الفلسطينيين العزل سوى وسيلة يخفي بها العدوّ فشلهُ العسكري على أرض الواقع ومحاولة بائسة لردع المجاهدين، وكذلك ورقة للضغط على المجتمع الفلسطيني للتخلي عن المجاهدين والسعي لإيقافهم.
وأما الأهداف لكلا المواجهتين العسكريتين، ففي غزوة بدر كان للكفار أهداف منها، القضاء على النبي ومن معه من المسلمين وتعزيز نفوذ قريش وهيبتها بين القبائل في الجزيرة العربية وبقية القبائل العربية، وقد خرجوا بطرا وأشرا ليستعرضوا إمكانياتهم وقدراتهم، ومهمتهم الرئيسة هي الصّد عن سبيل الله، وفي الجانب الآخر كان المسلمون يطمحون في البداية بخروجهم للحاق بقافلة أبي سفيان والاستيلاء عليها لاسترداد بعض من أموال المهاجرين التي استولى عليها الكفار في مكة وكذلك لإفشال تمويل هجوم عسكري على المسلمين كان قد خططت له قريش كما أسلفنا، ولكن الله أراد أن يهيأهم لمواجهة عسكرية يحرزون من خلالها نصرا عسكريا له نتائجه في واقعهم ومستقبلهم.
وكأن التاريخ يعيد نفسه فالصهاينة يهدفون بكل عنجهية لإبادة الفلسطينيين إبادة جماعية وتهجير من تبقى إلى سيناء والأردن، ومن بعده ينطلقون إلى السّيطرة على الدّول المجاورة وغيرها لتكوين إسرائيل الكبرى التي يخططون لها منذ زمن طويل؛ بينما المجاهدون في بادئ الأمر لم يطمحوا إلّا إلى الحصول على بعض الأسرى الإسرائيليين ليمكنهم ذلك من التفاوض مع العدوّ حول عدة قضايا تخدم القضية الفلسطينية، ولكن الله أراد لهم مواجهة عسكرية مع العدو وهي بالتأكيد سيكون لها أثر عظيم في واقعهم ومستقبلهم بإذن الله .
أيدّ الله المسلمين في غزوة بدر بعدة عوامل ساعدت على النّصر مِنها الملائكة وكان دورهم هو إضفاء حالة السكينة في نفوس المؤمنين ورفع روحهم المعنوية، كذلك بث الرُّعب في قلوب الكفار وقد أكد السّيد -سلام الله عليه – أن تأييد الله عباده المؤمنين بالملائكة أمر مفتوح وليس مقتصراً على غزوة بدر ماداموا يتحركون حركة الإسلام في رسالته وفي أهدافه وفي تعليماته وفي تشريعاته، وهذا ما يؤكده واقع طوفان الأقصى حيث شهد بعض الصهاينة أن هناك أشباحاً تقاتلهم مع الفلسطينيين وهذا مما أرعبهم وأفزعهم وشجع المجاهدين، والتأييد الإلهي بالتأكيد هو السبب الرئيسي في ارتفاع المعنويات للمجاهدين وصمودهم وعدم اهتمامهم بمن خذلهم أو تآمر عليهم من العُملاء المحلّيين أو العرب أو الغرب والأمريكان.
وبالتأكيد فإن المطرّ الذي هطل في غزوة بدر وكان من عوامل النّصر؛ لأنهُ وفرّ احتياجات المُجاهدين من جانب وهيأ لهم البيئة وأرضية المعركة من جانب آخر، هو من عوامل تفوق المجاهدين الفلسطينيين والمجتمع الفلسطيني المحاصر للحصول على ما يحتاجونه بشكل ضروري من الماء، وهناك من لطف الله مالم يكشف لنا؛ نظرًا لاستمرار المواجهات وحدتها وصعوبة مقابلة المجاهدين الفلسطينيين والحديث معهم .
وإن كانت غزوة بدر قد انتهت بنصر مؤزر للإسلام والمسلمين وكان لها بالغ الأثر على واقع المسلمين ومكانتهم، وأن ذلك النصر كان منعطفا مهما في تاريخ الإسلام، يؤكد الواقع والخبراء والمحللون أن نصر طوفان الأقصى محسوم لا محالة منذُ بدئه في السابع من أكتوبر وأنه سيفرض معادلة جديدة على أرض الواقع، خاصة وأن العدو مهزوم نفسياً وجيشه محبط ومتخاذل ومنهم الكثير من القتلى والجرحى والمصدومين نفسياً والرّافضين للتجنيد إضافة إلى انهيار الجبهة الداخلية في أوساط المجتمع كما أن آلياته وأسلحته الحديثة تتعرض للحرق والتدمير المستمر، وكما يقول الكثير من الخبراء والمحللين إنه لولا وقوف أمريكا والأنظمة الغربية ودعمها للصهاينة وتشجعهم للاستمرار لكان الكيان قد انتهى كُلّياً، وأن هزيمته بدأت مِنذ السابع من أكتوبر.
في ضوء ما سبق يمكن القول إنه من خلال المقارنة اتضح التشابه الكبير القائم بين غزوة بدر من جهة وطوفان الأقصى من جهة أخرى، وذلك في الدوافع والأهداف وظروف الطرفين المتحاربين والقرارات التي تم اتخاذها والتهيئة الربانية ومجريات الأحداث ومن ثم النتائج الفعلية والمتوقعة، ونخلص إلى أن ذلك يرجع إلى أن العلاقة بينهما علاقة امتداد طبيعي كونهما انطلقا من نفس المنطلق وهو الثقة بالله وسارا بنفس المنهج المستمد من هدى الله وحملا نفس الروحية الجهادية القوية، وعدم التخاذل أو التفريط أو التراجع مهما كانت الأسباب.