خيار السلام العبثي

||صحافة||

كشف فشل أعضاء مجلس الأمن الدولي منذ أيام في التوصل إلى توافق بشأن مسعى الفلسطينيين للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، مدى عبثية خيار السلام ومدى ضعف السلطة الفلسطينية التي تقدمت بالطلب بعد خضوعها لسنوات لوهم السلام ووصفها لصواريخ المقاومة بالصواريخ العبثية.

وامتدت نغمة عبثية خيار المقاومة للمتخاذلين العرب بمختلف مناصبهم، وقام هؤلاء بتسفيه خيار المقاومة ووصفه بالمغامرات، ومارسوا الدعايات المكثفة لخيار السلام المزعوم باعتباره الخيار الاستراتيجي والذي ثبت بعد كلّ هذه السنوات من اعتمادهم له أنه مجرد عبث وأنهم تحولوا باتّباعه لمجرد دمى للعدو وأميركا ولا وزن لهم في استرجاع أدنى حقوق الشعب الفلسطيني، بل ولا حتّى حمايته من القتل وحرب الإبادة.

بينما أثبتت المقاومة أنها وبأقل الإمكانيات قادرة على كشف العدوّ وفضحه سياسيًّا وأخلاقيًّا، وأيضًا إيصاله إلى حالة من الانكشاف الاستراتيجي عسكريًّا، ناهيك عن تفجير الانقسامات وكشف مواطن الخلل البنيوي في هذا الكيان المؤقت.

ولا شك أن اعتماد العدوّ الرئيسي على أميركا وترسانتها العسكرية في مواجهة قطاع محاصر لا يمتلك دفاعًا جويًّا ولا دبابات، بل يعتمد على الأسلحة الخفيفة والصواريخ البدائية، كشف حجم اهتراء هذا الكيان، كما أن تطاوله على إيران وتعهد إيران بالرد كشف حجم الرعب والاستغاثة بأميركا والغرب لقطع الطريق على رد مشروع على العدوان، فما بال هذا الكيان لو أعلنت إيران الحرب رسميًّا عليه؟!

وما يثير الشفقة والاشمئزاز هو استمرار الأصوات المنادية بالسلام المزعوم، وتأكيد الأنظمة الرسمية العربية على مصطلح وخيار السلام مع هذا الكيان مفترضة أن أميركا وسيط وأن الكيان يمكنه رد احق للشعب الفلسطيني دون استخدام القوّة ودون اتباع خيار المقاومة.

وباستعراض سريع لخيار السلام المزعوم منذ اتباعه رسميًّا، يمكن بيان مدى الخداع والاستهتار بمن اتبعوه، وربما تجلى ذلك رسميًّا، في سبتمبر 2011، عندما تقدم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بطلب “انضمام دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة” ولم تثمر هذه المبادرة عن شيء، وكلّ ما ناله الفلسطينيون هو وضع “دولة مراقبة غير عضو” في تشرين الأول/نوفمبر 2012.

ومنذ العام 1991، عندما عقد مؤتمر “مدريد للسلام” بهدف التوصل إلى تسوية سلمية من خلال المفاوضات المباشرة على مسارين: بين “إسرائيل” والدول العربية، وبين “إسرائيل “والفلسطينيين، استنادا إلى قراري مجلس الأمن 242 (1967) و338 (1973)، تقرر أن تركز مفاوضات المسار متعدد الأطراف على قضايا على مستوى المنطقة مثل البيئة وتحديد الأسلحة واللاجئين والمياه والاقتصاد. وتوجت سلسلة من المفاوضات اللاحقة في عام 1993 بالاعتراف المتبادل بين “حكومة اسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية، كممثل للشعب الفلسطيني، والتوقيع على إعلان المبادئ المتعلّق بترتيبات الحكم الذاتي المؤقت (اتفاق أوسلو).

أي نال العدوّ اعتراف منظمة التحرير ولم يحصل الفلسطينيون على أي حق في المقابل، وأرجأ مؤتمر عام 1993 بعض القضايا إلى مفاوضات الوضع النهائي اللاحقة، التي عقدت في عام 2000 في كامب ديفيد وفي عام 2001 في طابا، ولكن ثبت أنها غير حاسمة.

وفي عام 2002، أكد مجلس الأمن مجرد رؤية الدولتين كعنوان فارغ من المضمون التنفيذي والعملي والقانوني، وفي عام 2002، اعتمدت الجامعة العربية مبادرة السلام العربية. وفي عام 2003، أصدرت اللجنة الرباعية التي ضمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة مبادرة خريطة طريق لحل الدولتين. وعقدت شخصيات إسرائيلية وفلسطينية بارزة في عام 2003 اتفاق جنيف غير الرسمي “للسلام”.

وفي عام 2006، وفي أعقاب الانتخابات التشريعية الفلسطينية، قدمت اللجنة الرباعية مساعدة للسلطة الفلسطينية على التزامها بنهج اللاعنف والاعتراف بـ”إسرائيل”  وقبول الاتفاقات السابقة.

وفي عام 2007 فرضت “إسرائيل” حصارًا على قطاع غزّة. وفشلت عملية أنابوليس للمحادثات التي عقدت في الفترة 2007 – 2008 في التوصل إلى اتفاق بشأن الوضع الدائم.

وحظي برنامج السلطة الفلسطينية لعام 2009 لبناء مؤسسات الدولة بدعم دولي واسع النطاق. وانهارت جولة جديدة من المفاوضات في عام 2010 نتيجة الاستمرار في عمليات الاستيطان الإسرائيلي. وفي عام 2011 قام الرئيس محمود عباس بتقديم طلب فلسطين للحصول على العضوية في الأمم المتحدة. ولم يسفر الطلب عن شيء سوى اعتراف اليونسكو بفلسطين كعضو فيها.

وأقصى ما حصل عليه الفلسطينيون أمميًّا، كان في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، عندما منحت فلسطين مركز دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة. وأعلنت الجمعية العامة عام 2014 سنة دولية للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

واستمر التلاعب والخداع والتسويف إلى أن أعلنت الإدارة الأميركية الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” في عام 2017، وبعد ذلك، نقلت الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى سفاراتها إلى القدس.

وفي عام 2020، ألقيت “مبادرة السلام” العربية في القمامة، بعد أن توسطت الولايات المتحدة في اتفاقات لتطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والإمارات والبحرين والسودان والمغرب، في ما عرف بالاتفاقات الإبراهيمية.

واستخدمت الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ السبعينيات من القرن العشرين حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لإحباط مشاريع قرارات تدين الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو تطالبها بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967. ومنذ أولى جلسات مجلس الأمن وحتّى شباط/فبراير  2024، استعملت أميركا حق الفيتو لصالح “إسرائيل” 45 مرة.

والسؤال هنا، كيف يجرؤ أصحاب “خيار السلام” على التمادي في المناداة به؟ وكيف يجرؤ هؤلاء على التعامل مع أميركا كوسيط؟ وكيف يجرؤ هؤلاء على تسفيه خيار المقاومة بعد ما نجح فيه من هدم لهيبة الكيان وفضح لوجهه الحقيقي وزلزلة لأركان بقائه؟

 

العهد الاخباري: ايهاب شوقي

 

قد يعجبك ايضا