الأحداث تميز الخبيث من الطيب
بمثل ما للأحداث من تأثير واضح في واقع الحياة: قتل، دمار، خراب، معاناة، أسر، تمزيق للشمل… أشياء كثيرة، أشكال كثيرة من المعاناة لها اعتبارات مهمة جدًّا، لها علاقة أساسية وعلاقة رئيسية في التعبير عن حقائق ما الناس عليه، هي أجلى تعبير عن حقيقة الانتماء لأي طرف من أطراف الصراع في هذه الحياة، ولها أيضاً تأثيرها الكبير في الآخرة، الأحداث ليست نهايتها في الدنيا أبداً.
ولذلك يركز القرآن الكريم على أن الأحداث بنفسها، وعلى أن الصراع بنفسه يمثل اختباراً حقيقياً يكشف واقع الناس، يبين الناس على حقيقتهم، يكشفهم على حقيقتهم، يوضح كل إنسان بدءاً في خياره وموقفه من الأحداث، ثم في ممارساته وسلوكياته واتجاهاته وتعاطيه مع الأحداث، يبين حقيقة ما هو عليه، ولهذا كانت إرادة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وكان قراره الحكيم أن يجعل “جلَّ شأنه” من الصراع مع قوى الطاغوت والاستكبار والإجرام والخيانة والعمالة، أن يجعل منه أهم ما يجلي حقيقة الإنسان ويكشف مصداقيته من عدمها.
عندما نأتي إلى القرآن الكريم والله يقول فيه “جلَّ شأنه”: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ}[آل عمران: من الآية179]، هذه الآية المباركة نصٌ مهمٌ جدًّا، ولو استوعبه كل مسلم بما يكفي لكان لهذا أهمية كبيرة جدًّا في تحديد الخيارات واتخاذ القرارات الصحيحة، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قرر، اتخذ قراراً أن لا يترك المنتمين للإيمان، المجتمع المسلم بشكلٍ عام؛ لأن كل المجتمع المسلم هو ينتمي للإيمان على ما هو عليه، في الظروف العادية التي يأتي الكل فيها ليقدم نفسه وكأنه إنسان مؤمن صادق صالح، صادق في انتمائه الإيماني، إلى ما يعنيه هذا الانتماء من: انتماء لمبادئ، انتماء لقيم، انتماء لأخلاق، انتماء لمواقف واتجاهات، ولكن الكثير من الناس قد يأتي يدَّعي ادِّعاءً، ويعبر تعبيراً كلامياً فحسب عن هذا الانتماء، وفي الواقع هناك خبث في النفوس، هناك خلل.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الغني عن عباده، لا يقبل الغش، ولا يمكن خداعه، لا يمكن التظاهر بالإيمان، والتظاهر بالانتماء لهذا الإيمان بما يعنيه الانتماء إلى مبادئ- كما قلنا- إلى قيم، إلى أخلاق، إلى إلى… ثم يكون الإنسان قد قدم ما يكفي وإن كان غير صادق. |لا|، لابدَّ من كشف الحقيقة، لابدَّ من التجلي للحقائق، وبماذا تتجلى الحقائق؟ كثير من الأمور في الإسلام، مثل بعض الطقوس، وبالذات إذا تعود الناس عليها أو ألفوها، يمكن أن يؤدوها، ولا تمثل هي- بنفسها- حقيقة الاختبار الذي يكشف حقيقة الإنسان، أكبر ما يمكن أن يكشف حقيقة الإنسان وأن يبينه هو ميدان الصراع، ما مدى مصداقية هذا الإنسان في ادعائه الانتماء لهذا الدين، لمبادئ هذا الدين، لقيم هذا الدين، لتعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هل سيكون صادقاً، أم سيكون كاذباً، هل هو ينطلق من واقعٍ طيب، تربى تربية هذا الدين؛ فبلغ هذا الأثر إلى أعماق نفسه زكاءً وصلاحاً وصدقاً، أم أن هناك في العمق خبثٌ مخفيٌ ومستترٌ، يحاول الإنسان أن يتستر عليه ببعضٍ من الأعمال، وبعضٍ من الأداء الشكلي الذي يتظاهر الإنسان من خلاله بالصلاح أو بالطيبة.
فالله “جلَّ شأنه” اتخذ قراره بأنه لن يذر، يعني: لن يترك الأمور بدون تجليات، [لعل هنا نقص] المجتمع المسلم لينطوي الكثير من الناس على حالةٍ من الخبث ويغطونها ويخادعون بها، لابدَّ أن يأتي بما يجلي الواقع، بما يكشف الناس على حقيقتهم، بما يبينهم ويبين ما هناك في الأعماق (في النفوس).
{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ}[آل عمران: من الآية179]، فيخبركم مثلاً عن فلان وفلان، وفلان وفلان، ذلك الشخص سيكون خائناً، وذلك الشخص هو خبيث، لن يكون وفياً، سترون كم أنه مجرم، وطاغية، ومتسلط، وفاسد، وخائن، وعميل… إلخ. |لا|، لكن تأتي الأحداث؛ فتكون هي التي تكشف، يأتي الصراع، وما في هذا الصراع من أحداث؛ فيكون هو الذي يوضح ويبين، ويفرز الناس على حقيقتهم بين الصادق والكاذب، بين الوفي والخائن، يفرز في الواقع.
السيد القائد / عبدالملك بدرالدين الحوثي ” حفظه الله ”
كلمة السيد القائد بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد
الخميس 18-5-1440ه 24-يناير-2019م