تخاذل المسلمين جزء من إسهامهم في صنع المأساة وجرأة العدو على الاستمرار
نؤكِّد على حجم المسؤولية، للمسلمين في كل البلدان الإسلامية؛ لأن تخاذلهم جزء من إسهامهم في صنع تلك المأساة، ومن جرأة الأمريكي، وجرأة الإسرائيلي على الاستمرار.
للأسف الشديد على المستوى الرسمي- سواءً الحكومات والأنظمة، أو المؤسسات، مثلما هو الحال بالنسبة لمنظمة التعاون الإسلامي، أو جامعة الدول العربية، كذلك على المستوى العام بالنسبة للحكومات والأنظمة- لم يتجه الجانب الرسمي في العالم الإسلامي من قبل الحكومات، والمنظَّمات، والزعماء، إلى اتخاذ موقف عملي جاد، لمساندة الشعب الفلسطيني، ولا في الحد الأدنى، كما قلنا في كل الكلمات الماضية: مجرد بيانات، بيانات، بيانات، لا أكثر، هذه حالة مؤسفة جداً، وحالة خطيرة للغاية، وتفريط رهيب؛ لأنه ليس هناك لا خطوات اقتصادية، ولا خطوات فعلية على المستوى السياسي والدبلوماسي، ولا إجراءات للضغط على الأمريكي، ولا للضغط على العدو الإسرائيلي، فهذا شيء مؤسف! لم يرق موقف الكثير من الحكام والزعماء في العالم الإسلامي من العرب وغيرهم، إلى مستوى موقف بعض الدول غير الإسلامية في أمريكا اللاتينية أو في غيرها، شيء مؤسف جداً!
علينا أن نعي جميعاً أنَّ العدو الإسرائيلي بكل ما نراه عليه، من همجية، وإجرام، وعدوان، وطغيان، وتوحش، هو عدوٌ لكل المسلمين، ونفس حجم العداء الذي يتجلَّى في جرائمه، وممارساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، هو يحمله ضد المسلمين بشكلٍ عام، هو عدوٌ للأمة بكلها، ونفس الهمجية الأمريكية التي رأيناها ضد الشعب الفلسطيني، ضد أطفاله، ضد نسائه، هي همجية متأصِّلة في الأمريكي في سياساته، في رؤيته، في استراتيجيته، في توجهاته ضد أمتنا الإسلامية بشكلٍ عام؛ ولذلك فالمعركة هناك هي تعنينا، هي تعنينا بكلنا، وما نراه من قِبَل الأمريكي، ومن قِبَل الإسرائيلي هناك، هو يشكِّل خطورةً على الأمة بكلها، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بيَّن لنا في القرآن الكريم عن من هم أعداء الأمة، عمَّا يحملونه من عداوة وحقد على هذه الأمة؛ ولذلك- للأسف الشديد- بالرغم من أنَّ القرآن كشف قبل ألف وأربعمائة سنة تلك الروح العدوانية، تلك الهمجية، تلك النزع الإجرامية، إلَّا أنَّ المسلمين تجاهلوا ذلك، لم يتعاملوا بشكلٍ جاد بناءً على ذلك؛ لمنع العدو الإسرائيلي من أن يصل إلى ما وصل إليه اليوم، من إمكانات، وتمكُّن، واحتلال في فلسطين، يساعده على أن يكون بهذا المستوى من الإمكانات والوسائل؛ لارتكاب جرائم إبادة جماعية، وإلحاق ضرر كبير بالشعب الفلسطيني، الذي هو جزءٌ من هذه الأمة.
العدو الإسرائيلي- بهمجيته وعدوانيته تلك- هو امتداد للخط المنحرف عن رسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأسلافهم هم قتلة أنبياء الله، هم الذين يحملون قسوة القلوب {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}[البقرة: من الآية74]، هم الذين لا يحملون لا مشاعر إنسانية، ولا قيم أخلاقية أو دينية، يتباهى جنودهم بقتل مسنٍ أعزل من السلاح، طاعنٍ في السن، مريض، على سرير نومه، يفتخرون بذلك، ويتباهون بذلك! هل هناك حالة في الواقع البشري كهذه، وبمجاهرة، وتنشر بالفيديوهات؟!
سياسيوهم وقادتهم يثنون على جنديٍ؛ لأنه قتل طفلاً، وقام بإعدامه بإطلاق النار عليه بدمٍ بارد، فيشيدون بذلك، ويعتبرونه إنجازاً، هم متوحشون وإجراميون، كشفهم القرآن الكريم في عدوانيتهم، في إجرامهم، في قسوة قلوبهم، في خطورتهم، فهم يشكِّلون خطراً على الأمة بكلها، توجهاتهم، سياساتهم كلها عدوانية، تشكِّل خطراً على الأمة، وعلى المسلمين مسؤوليةً في التصدي لهم:
– باعتبارهم أعداء، يشكِّلون خطراً على المجتمع البشري بشكلٍ عام، وعلى المسلمين قبل غيرهم، في المقدِّمة.
– وأيضاً باعتبار المسؤولية الإيمانية والدينية على المسلمين، تجاه الشعب الفلسطيني الذي هو جزءٌ منهم، تجاه المقدَّسات في فلسطين، وعلى رأسها: المسجد الأقصى الشريف.
– وأيضاً المسؤولية الأخلاقية والدينية والإيمانية، في التصدي للطغيان، والإجرام، والظلم، والطاغوت، والاستكبار، في التصدي لأولياء الشيطان، واليهود الصهاينة هم أولياء الشيطان، وجنوده، وهم الذين يتحركون تحركاً شيطانياً، إجرامياً، مفسداً في الأرض.
فأين هي مسؤولية الجهاد في سبيل الله؟ لماذا تترك الأمة الإسلامية هذه المسؤولية، وتتنصل عنها؟ لماذا تركت راية الجهاد ولم تحملها؟ إذا لم يحمل المسلمون راية الجهاد في سبيل الله؛ للتصدي للعدو الإسرائيلي، في عدوانه، وإجرامه، ووحشيته، وإفساده في الأرض، وطغيانه، واحتلاله؛ فلمن سيتصدون، ومتى سيحملون هذه الراية، متى سيقفون موقفاً مشرفاً؟ هل بقي اعتبارٌ عندهم لمقدساتهم، لمسؤولياتهم الإيمانية والأخلاقية، لأمنهم القومي، لمصالحهم؟ العدو الإسرائيلي هو عدوٌ لهم في دينهم ودنياهم، ويشكِّل خطراً حقيقياً عليهم في كل أمورهم، وفي كل مصالحهم الحقيقية.
علينا مسؤولية كبيرة، مسؤولية دينية نُسأَل عنها يوم القيامة، في التحرك تجاه الشعب الفلسطيني، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الذي يقول لنا في القرآن الكريم: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}[النساء: من الآية75] مَا لَكُمْ؟! ما لكم أيها العرب؟! ما لكم أيها المسلمون لم تتحركوا- دع عنك مستوى القتال- ولا بمستوى أقل بكثير في مستوى أن تكونوا في إطار موقف عملي، موقف سياسي، موقف اقتصادي، موقف فعلي، أن يكون لكم صوتٌ بارز، سعيٌ جاد في مستوى أن تقدِّموا الغذاء والدواء للشعب الفلسطيني في غزة؟! ليس هناك مساندة حتى إلى هذا المستوى من الموقف.
بل من العار على المسلمين، من العار على العرب في المقدِّمة، من العار على البلدان المجاورة لفلسطين، أن يأتي الأمريكي بأسلوب خداع، ولأهداف أخرى، ليست إنسانية، ليقدِّم نفسه وكأنه يلقي القليل من الوجبات، وباستطاعة البعض أن يفتحوا ممرات برية، وأن يدخلوا الشاحنات المحملة بالأغذية، أو أن يتحرَّكوا في اتجاه موقف قوي وجاد.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يخاطبنا في القرآن الكريم: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[التوبة: الآية41]، متى ستنفر الأمة وتتحرك؟! ماذا تريد أن يصل إليه الوضع في قطاع غزة؟! أن يصل إليه حال الشعب الفلسطيني المظلوم في غزة؟! هل يريدون أكثر من تلك المشاهد المأساوية جداً؟! هل يريدون أن يصل حجم المظلومية بأكثر من ذلك؟! متى سيتحركون؟! الاختبار كبير وخطير.
نحن في مرحلة اختبار لكل مسلم، ولكل شعب، لكل بلد، لكل دولة في العالم الإسلامي، في الوطن العربي وغيره، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” حينما قال في القرآن الكريم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً}[التوبة: من الآية16]، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا}، أنتم أمام اختبار، أين هو موقفكم؟ أين هو إسهامكم؟ أين هو تحرككم الجاد؟ مسؤولية كبيرة جداً يسأل عنها الجميع يوم القيامة، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}[محمد: الآية31].
علينا كمسلمين أن ندرك أننا مسؤولون أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، عن أن يكون لنا موقف تجاه ما يحصل على الشعب الفلسطيني، وأن لا نكون إلى درجة التفرج والتجاهل لما يجري ويحدث، على الإنسان أن يسعى لبراءة ذمته، هذه قضية كبيرة، من الخطير جداً على الإنسان أن يحشر يوم القيامة، وأن يحسب ضمن المساهمين في تلك المظلومية، وذلك الإجرام، وذلك الطغيان، فيحسب مشاركاً للعدو الإسرائيلي، ومساهماً معه في تمكينه من فعل ما يفعل، وما يرتكبه من جرائم بحق أهل غزة، هذه مسألة خطيرة جداً، ولندرك أنَّ هناك عقوبات في الدنيا، الموقف المخزي، والتجاهل المستمر من معظم الأنظمة العربية والإسلامية، لمأساة الشعب الفلسطيني ومظلوميته، وما يرتكبه العدو الإسرائيلي من جرائم إبادة جماعية، له تبعات، وعليه عقوبات، والذين نسوا أن يتقوا الله، وكان همهم أن يداروا أمريكا، عليهم أن يدركوا أنَّ العواقب خطيرة، والتدبير الإلهي يأتي في إطاره الكثير من المتغيرات، وتحصل أمور لم تكن في الحسبان، وكانت خارج التوقع لدى الكثير من الناس، الذين تصوَّروا أنهم قد عملوا حساباتهم ليكونوا بمعزل ومأمن من المخاطر والتحديات، المسألة ليست كذلك.
السيد القائد / عبدالملك بدرالدين الحوثي ” حفظه الله ”
كلمة السيد القائد حول آخر التطورات والمستجدات
الخميس 4-رمضان-1445ه 14-3-2024م