القرآن الكريم كشف أعداءنا وبيَّن خطورتهم.. فلماذا لا نرجع إليه؟!!
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في سياق حديثه عن أعدائنا من اليهود، عن خطورتهم، عمَّا يقي من شرهم وخطورتهم، قال “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيراً}[النساء: الآية45]، هو الأعلم بأعدائنا من هم، من هو العدو؟ ما هي مدى خطورة ذلك العدو؟ ماذا يريد ذلك العدو؟ ماذا يسعى له ذلك العدو؟ ما هي الطريقة الصحيحة، (الصحيحة بين قوسين)، الطريقة الصحيحة في التصدي لخطر ذلك العدو، في الوقاية من ذلك العدو؟ الله هو الأعلم، لماذا لا نرجع إلى كتابه؟ لماذا لا نتقبل آياته؟ لماذا لا نصغي لكلماته؟ لماذا لا نسمع هديه؟ نسمع منه ماذا قال لنا “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في كتابه، وهو الأعلم بهم، الأعلم، عندما تأتيك دراسة كعربي، كنظام عربي، أو كزعيم عربي (ملك، أمير)، أو للاتجاه العام (للنخب، للناس)، دراسات، أبحاث، تحليلات، عن من هو العدو، وعن مدى خطورته، وعن من هو الصديق، وعن… هي لا شيء في مقابل ما يأتينا من الله، العليم بعباده، العليم بذات الصدور، عالم الغيب والشهادة، المحيط بكل شيءٍ علمًا، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، العليم بكل شيء. البعض يتأثرون بمحلل سياسي، أو حتى بشخص سياسي معين، له توجهات سياسية معينة، يتقبلونها منه، وكأنها الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وينسون القرآن، يغفلون عن القرآن الكريم، {وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}، ومع ذلك يَعرض- مع ما يقدمه من تبيين وتوضيح- معونته، ونصره، وتأييده، إذا استجبنا له، {وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيراً}.
الشيء العجيب في واقع العرب في المقدمة، وهي حالة في العالم الإسلامي بشكلٍ عام: أن الناس، سواءً كيانات، أنظمة، حكومات، زعماء، أو حتى في الساحة الشعبية: مواطن مع آخر، قبيلة مع أخرى، مجتمع مع آخر، مكونات مختلفة (سياسية، أو مذهبية)، يتعادون بسهولة، ويحملون عقدة العداء ضد بعضهم البعض بسهولة، وينطلقون على أساس ذلك في إطار التحرك العملي، يتكلمون، يعبَّرون، يهاجمون بعضهم بعضًا، يتحركون ضد بعضهم البعض، بكل الأشكال المتاحة، وبحسب مستويات ذلك العداء، ولا يتبنّون وجهة نظر السكوت والقعود والجمود، وعدم التحرك أصلًا، وعدم الاهتمام بالموضوع نهائيًا، لا، وقد تجد البعض لأتفه سبب يشتد غيظًا، وغضبًا، وانفعالًا، ثم يتحرك بشكل عدائي، يعبّر، يهاجم، يتكلم، في أقل الأحوال، في أقل الأحوال حالة غضب وانفعال يترجمها في أقواله، تعبيراته، وقد يتبعها مقاطعة، ومباينة، وقد يتبعها- في بعض الحالات- مواقف أكثر، أكثر تشددًا، وأكثر خطورةً: حالات اقتتال، أو حالات اعتداء، أو حالات تشبه ذلك، لكن تجاه هذه الحقائق المهمة، تجاه أعدائهم الحقيقيين، عناء وتعب كبير، لاستنهاضهم، لتحفيزهم، لتحريكهم، للفت نظرهم، بالرغم مما أخذه الموضوع من مساحة كبيرة في القرآن الكريم، وما له من حضور في الواقع، اعتداءات يومية، جرائم يومية، معاناة قائمة في الواقع، خطّط لها الأعداء، واستغلوا فيها واقع الأمة والخلل في داخل الأمة، فهي قصة عجيبة!
الحقيقة الأولى هي هذه، التي ركّز عليها القرآن الكريم: أنهم أعداء، وأنهم أعداء خطرون، وأنهم أعداء يحملون عقدة الحقد الشديد والعداء الشديد تجاه الأمة، وأنه لا يغير بالنسبة لهم من ذلك- من عقدتهم الشديدة على الأمة، وعدائهم الشديد الأمة- الموالاة لهم، والمحبة لهم، والطاعة لهم، ولا السكوت عنهم.
هل السكوت هو الطريقة التي رسمها القرآن، وأرشد إليها، وحث عليها، وبيّن أنها مجدية، نافعة، مفيدة، تقي من خطرهم، تدفع شرهم، تنفع الأمة، فيا أيها الذين آمنوا اسكتوا، واصمتوا، ولا تتكلموا، ولا تتحركوا، ولا تقولوا شيئًا، وانتبهوا؟ لا، هذا لا يجدي شيئًا، ولا ما هو أكثر: أن تحبهم، أن تتحرك عواطف المحبة في قلبك وتنجذب نحوهم، حتى لو بلغت إلى درجة العشق، وأن تواليهم، تؤيدهم، تؤيد مواقفهم، تبرر لهم ما يفعلون، وأن تواليهم وتدخل في تحالفات معهم، علاقات معهم، حتى ذلك لا يفيدك شيئًا.
سيبقى تعاملهم من جانبهم معك على أنك عدوّ، يحقدون عليك، يكرهونك، في الوقت الذي أنت تحبهم، يُبغضونك، في الوقت الذي أنت تعشقهم، يحتقرونك، في الوقت الذي أنت تعظمهم، تعتبرهم رمز الحضارة، رمز التقدم، رمز التطور، رمز الديموقراطية، رمز حقوق الإنسان…إلخ. ينظرون إليك دائمًا بنظرة احتقار، وامتهان، وقد لا يعتبرونك في مستوى كائن بشري حقيقي، كما هذا معروف عنهم، في نظرتهم إلى غيرهم، لا يعتبرونهم في مستوى بشر حقيقيين؛ إنما أشكال بشر، حيوانات أشكال بشر خُلِقوا ليكونوا مسخَّرين في خدمتهم؛ ولذلك قد يكرِّمونك، بعد أن يحلبوك، وأن يأخذوا منك مئات المليارات، وأن يدفعوا بك في مشاكل كبيرة جدًّا، تقاتل في سبيل تحقيق أهدافهم، وتدفع لهم، وتفعل من أجلهم كل شيء، وتثير الفتن في سبيل استرضائهم، قد يكرِّمونك بأن يُسمُّوك- في غاية الاحترام- بقرةً حلوبًا، بقرة، إن لم يسموك أتانًا، أو أي شيءٍ آخر، بهذا المستوى! هذا بعد أن تكون قد تفوّقت على كل أبناء أمتك في خدمتهم، وقدمت لهم ما لا يحلم به أي أحد، ما لو قدمته لأمتك لما بقي فيها فقيرٌ واحد، قد تصل إلى هذا المستوى، (بقرة) بهذه النظرة يعني، يحملون عقدة الحقد إلى هذه الدرجة.
الفارق هو: أنك عندما تسكت عنهم، وتستسلم لهم، أو تحبهم، تتفاعل معهم، تتحالف معهم، تواليهم، في كلتا الحالتين، الفارق ما بين هاتين الحالتين، وأن تكون يَقِظًا، مهتمًا، حذرًا، متقبلًا لهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” مؤمنًا بكلماته، مؤمنًا بما قاله عنهم وفيهم، وما قاله في الطريق الصحيح للوقاية من خطرهم، الفارق هو: أنك في تلك الحالتين، سهلت لهم مهمة السيطرة عليك، والدفع بك نحو الهاوية؛ بينما في الحالة التي آمنت فيها، آمنت بكلمات الله، آمنت بآيات الله، تقبلت هدي الله، سلكت الطريق الذي أرشدك الله إليه، وثقت به، وثقت بكلامه، وثقت بهديه، وثقت بتعليماته: أنك تكون في منعة وعزة، حتى لو حصل لك معاناة، معاناة وأنت في عزة ومنعة، وأنك في طريقٍ تحقق في نهايته الوقاية التامة من شرهم، وهذه مسألة هامة جدًّا.
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
المحاضرة الرمضانية العشرون الأربعاء 21-9-1444ه 12-أبريل-2023م