الورطة الكبرى للمتنصلين ومرضى القلوب!
من يختارون الطاعة من خلال موقفٍ أو بشكلٍ آخر، بطريقةٍ أخرى، وهي: أن يتخذوا قراراً بأن لا يكون لهم أي موقف، أي موقف صريح وواضح ضد أمريكا وضد إسرائيل، ضد فريق الشر والكفر والعداوة للأمة من أهل الكتاب، ثم يحرصون على ألَّا يكون في كل اهتماماتهم العملية، وفي كل مسيرة حياتهم، في طريقتهم في التعليم، في طريقتهم في الخطاب الديني، في طريقتهم العملية، في مواقفهم الكثيرة، حتى في التفاصيل الدقيقة، يحرصون على ألَّا يكون فيها بكلها ما يعبِّر عن موقفٍ ضد أمريكا أو ضد إسرائيل، ضد ذلك الفريق (فريق الشر والكفر من أهل الكتاب)، وهذا يؤثِّر على برنامجهم بكله، فيحكم هذا موقفهم، عملهم، مسيرة حياتهم، منهجيتهم العملية، طريقتهم في التعليم، خطابهم الديني، يحاولون أن يؤقلموه كله بما لا يسخط أمريكا، بما لا يسخط إسرائيل، بما لا يرون فيه أنه يستثير أمريكا أو يستثير إسرائيل، أو يستفز ذلك الفريق (فريق الكفر والشر من أهل الكتاب)، فيصبح هذا الموضوع- بنفسه- هو الأساس الذي يبنون عليه مسيرتهم العملية، وتوجهاتهم العملية في كل تفاصيلها
ثم يحرصون على أن يكونوا متميزين أمام العدو بموقفهم هذا، فنراهم- في نهاية المطاف- في موقف، يحرصون دائماً على أن يكونوا على النحو الذي يظهرون فيه أن ليس لهم موقف من الأمريكي والإسرائيلي معادٍ، وأنهم ليسوا مع أولئك الذين لهم موقف واضح وصريح، يتحركون فيه وفق توجيهات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ووفق ما تمليه الفطرة الإنسانية في مواجهة هذا الخطر وهذا الشر من أعداء الأمة، فهم يحرصون أن يكونوا متمايزين، فيحرصون على أن تكون مواقفهم في التدجين لأهل الكتاب (لأعداء الأمة) مواقف واضحة وصريحة، أنهم لا يؤيِّدون الجهاد، بل يعارضونه، أنهم لا يؤيِّدون أي موقف يعبِّر عن العداء لإسرائيل، أو يعبِّر عن العداء والمناهضة لأمريكا، أن موقفهم مختلفٌ عن ذلك،
يحرصون على أن يكون هذا واضحاً حتى للعدو، يحرصون على ذلك: أن يكون موقفهم هذا واضحاً حتى للعدو، ويحرصون على أن يكون لهم مواقف مباينة ممن يتجه الاتجاه القرآني، الاتجاه الصحيح الذي تفرضه علينا آيات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتوجيهاته، وتعليماته، في المباينة لأعداء الأمة، في التحرك ضد خطرهم، في التحرك في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في عنوان الجهاد بمفهومه القرآني الشامل والواسع، الذي نناهض فيه أعداء الأمة، ونتصدى لخطرهم في كل مجال من المجالات، فيظهرون هم بشكل معارضة واضحة، بشكل تثبيط، تخذيل.
ففي نهاية المطاف هم يعملون أعمالاً هي لصالح ذلك العدو، هم في موقع الطاعة، يطيعون ذلك العدو، يطيعونه في معارضة ما يريد معارضته، أوليس يريد معارضة أن تتحرك الأمة ضده؟ بلى، بكل وضوح. أوليس يريد من الأمة أن تشطب هذه المسؤولية من قاموس التزاماتها الدينية والإيمانية، أن تلغي الجهاد، أن تلغي مسألة المباينة لأعداء الأمة، أن تسكت عن الحديث عن خطره، وعن شره، وعن فساده، وعن ضلاله، وعن منكره، أن تخنع له، ألَّا تتحرك ضد مؤامراته، ألَّا تقف بوجه مخططاته؟
الذين يريدون من الأمة ألاّ تقف أمام هذا العدو، وأن تفسح له المجال ليفعل ما يشاء ويريد دون أي معارضة، ودون أي موقفٍ مناهضٍ ومعادٍ لتحركات العدو، أليسوا يقدِّمون خدمةً للعدو؟ أليسوا في موقع الطاعة للعدو؟ بلى، المسألة واضحة.
فلاحظوا كيف كان هذا- وبالذات في هذا الزمن- أكبر اختبار تمر به الأمة، وأكبر فرز في واقع الأمة، عندما اتجهت البعض من قوى هذه الأمة، عندما اتجه البعض من أبناء الأمة في هذه الخيارات المعوجة: في خيار الموالاة الصريحة للعدو، بالرغم من كل ما يفعل، بالرغم من سوئه، بالرغم من مؤامراته على هذه الأمة، بالرغم من جرائمه الشنيعة والفظيعة بحق هذه الأمة، وعندما اتجه البعض للتدجين للأمة، ومعارضة أي موقف يقف بوجه هذا العدو أو يباينه، على مستوى شعار يُهتَف به، يعارضون ذلك، يغضبون من ذلك، ينددون بذلك، يستاؤون من ذلك، يؤلمهم ذلك، لا يطيقون ذلك.
على مستوى خطوات عملية، في الدعوة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، يأتي ليعارضك، وليسوغ للموضوع، وليبرر له: [أنه لا مشكلة فلتستمر الأمة في التعامل معهم]، وقد يحاول أن يدافع عن ذلك حتى باسم الخطاب الديني… وهكذا في أي موقف: في التوجه لبناء الأمة في قدراتها العسكرية، في إحياء الروحية الجهادية، في الاستشعار للمسؤولية، في الحديث عن هذا العدو في فضح مؤامراته، في كشف مخططاته، يأتي ليعارض، ليحاول أن- على حسب التعبير المحلي- [يطنش] الموضوع، يشطب هذه المسألة، لا يريد حتى الحديث عن هذا الموضوع، يعارض حتى الكلام عن هذه المسألة، يريد للناس أن يصمتوا، أن يسكتوا، أن يقعدوا، أن يجمدوا، أليس هذا مطيعاً لأهل الكتاب؟ أم أنه مطيعٌ لله؟ هل توجيهات الله هي بالسكوت؟ هل أوامره هي بالقعود؟ هل توجيهاته هي بالجمود؟ |لا|.
فإذاً من يتجه هذا الاتجاه هو في موقع الطاعة لأهل الكتاب، الطاعة لهم وهو يعصي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويسكت عمَّا أمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بالكلام فيه، ويقعد عمَّا أمر الله بالعمل فيه، ويشطب مسؤوليات من مسؤوليات الأمة الكبرى في التصدي لهذا الخطر ولهذا العدو، ويطيعهم وهو يدجِّن الأمة لهم، وهو يسعى لأن تكون الأمة في موقعٍ لا تقول فيه شيئاً، ولا تعارض فيه شيئاً من مؤامراتهم ولا مخططاتهم، أراد للأمة أن تستسلم لهم، ألَّا تعارضهم، ويعارض من يعارضهم، ويعادي من يعاديهم، أليس في موقع الطاعة لهم وهو يعادي من يعاديهم؟ قد لا يكون بينه وبينه أي مشكلة شخصية، أو أي قضية على خلاف شخصي أو خلاف آخر، لكن المشكلة الرئيسية التي بنى عليها موقفه السلبي من أولئك: أنهم تحرَّكوا في موقفٍ مباينٍ وصريح ضد أعداء الأمة؛ فيكرههم.
فلهذا يوصِّف القرآن الكريم هذه الحالة بأنها حالة مرض، عندما قال الله “جلَّ شأنه”: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة: من الآية 52]، فهم من هذه الحالة التي هم فيها لا يعيشون السلامة الإيمانية، السلامة الفطرية، لا سلمت لهم فطرتهم، لو سلمت لهم فطرتهم؛ لكان العدو الواضح أمامهم في وضعٍ لا يحتاجون فيه، بل لا يندفعون فيه أبداً- تحت أي دافع- لخدمته، أو التحالف معه، أو القعود عن الموقف منه، ومعاداة من يقف بوجهه، لكنها حالة المرض الذي قد يكون: إمَّا شكاً، أو عدم ثقةٍ بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أو نقص وعي، أو جبناً، أو بخلاً، أو حقداً… أو أي مرضٍ من الأمراض المعنوية، التي تعني مشكلةً في السلامة الإيمانية على المستوى النفسي، على مستوى المشاعر والوجدان، قد يكون كبراً، قد يكون حقداً، قد يكون جبناً، قد يكون طمعاً، قد يكون ميولاً فاسدةً، قد يكون…إلخ. العوامل والأسباب كثيرة جدًّا.
السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي
من المحاضرة الرمضانية الـ29 1441هـ|| 22 مايو 2020م