إذا لم نتثقف بثقافة القرآن فسنفقد كل شيء، وسنعود إلى أُمية أسوأ من الأمية الأولى
موقع أنصار الله | من هدي القرآن |
لم يعد العرب – حتى في مواقفهم من الآخرين، لم يعودوا – على فطرتهم الأوّلة كعرب، يوم كانوا عرب على فطرتهم كانوا يمتلكوا قيماً: يأبى العربي أن يُضَام، يأبى أن يُظلم، يتمتعوا بقيم مهمة: النّجدة، الفروسية، الشجاعة، الكرم، الاستبسال. كانوا معروفين بهذا، حتى في عصر قبل الإسلام، ما كان أحد يستطيع أن يستعمرهم، معظم البلاد العربية ما كان أحد يستطيع أن يستعمرهم، وإن كان هناك بعض مناطق مثلاً في الشام كان تستعمرها الدولة الرومانية، وبعض مناطق في العراق يستعمرها الأكاسرة، لكن مثلاً شبه الجزيرة واليمن كان في معظم مراحلها لا تخضع للاستعمار، وكانوا يقاوموا، وكانوا يأبَوا.
اليهود عاشوا فترة طويلة جداً بين العرب، وهم كانوا بأعداد كبيرة، كان أهل خيبر – أثناء حصار رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لخيبر – كان يُقال: أن عددهم نحو عشرين ألف مقاتل، اليهود كانوا نحو عشرين ألف مقاتل، هناك – معك – بني قريضة، بني قينقاع ويهود آخرون، هؤلاء أنفسهم لم يستطيعوا في تلك الفترة، وهم اليهود من يمتلكون المكر، ويمتلكون الطموح إلى إقامة دولة، ويعرفون أن تاريخهم كان فيه إمبراطوريات قامت لهم، وقامت لهم حضارة؛ فكانوا – يعني – ما يزالوا يَحنـّوا إلى تكرير ذلك الشيء الذي فات عنهم، ولكن لم يستطيعوا، كانوا يحتاجون هم إلى ماذا؟ يحتاجون إلى أن يعيشوا في ظل حماية زعامات عربية وقُبل عربية، فكان اليهود كل اليهود حول المدينة معظمهم يدخلون في أحلاف مع زعماء من القبائل.. من قٌبٌل المدينة وما جاورها، أي لم يستطع اليهود – فضلاً من أن يسيطروا – لم يستطيعوا أن يستقلوا في الحفاظ على أنفسهم، وأن يحققوا لأنفسهم أمناً.
ما الذي أوصل العرب إلى هذا؟ أحياناً.. الإنسان إذا ما تُرك على فطرته يدرك أشياء كثيرة، لكن أحياناً بعض الثقافات تمسخه عن الإنسانية وتحطه، تقدم له الجبن ديناً، تقدم له الخضوع للظلم ديناً يدينُ الله به، كما رووا في الأحاديث عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه قال: [سيكون من بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنّون بسنتي] نهائياً ما يقفوا عند حد [قالوا: ماذا تأمرنا يا رسول الله؟. قال: اسمع وأطع الأمير، وإن قصم ظهرك وأخذ مالك].
العربي يوم كان جاهلي، يوم كان جاهلي، يوم كان على فطرته ما كان يمكن إطلاقاً أن يقبل مثل هذا، لكن لما قُدِّمت لـه المسألة باسم دين، لما قُدِّم الآن – الآن في هذا الظرف – السكوت والخضوع بأنه هو الحكمة، هو السياسة، هو الرؤية الحكيمة لفلان أو فلان، هو السكوت، هو من أجل أن لا يثير الآخرين علينا، من أجل كذا، من أجل كذا. عندما يثقف الإنسان ثقافة مغلوطة هذه هي الضربة القاضية.تجد بين الرصّات الكثيرة من الكتب الكثير من الضلال، الذي لا يبقيك حتى ولا إنسان على فطرتك على طبيعتك. الإنسان بطبيعته هو مُنح – كما مُنحت بقية الحيوانات – الحيوانات كل حيوان له وسيلة للدفاع عن نفسه، له مشاعره التي تجعله ينطلق يدافع عن نفسه ليرهب خصمه، أنتم عندما تجدوا – مثلاً – الشيء الذي نعرفه كثيراً [القطّ عندما يَلْقَى الكلب كيف يعمل؟ يحاول يرهبه، يحاول أن ينتفخ، ويعرض مخالبه وأسنانه ويصدر صوت مرعب؛ يَخَلِّي الكلب أحياناً يتراجع في الأخير]، وهو أكبر منه وأقدر منه.
لم نُترَك كأي حيوان آخر؛ لأن قضية الدفاع عن النفس، الدفاع عن الكرامة، الدفاع عن البلد، الدفاع حتى عن الثقافة القائمة لدى الناس هي فطرة هي غريزة، ألم ينطلق العرب هم ليواجهوا الإسلام، يغضبون لآلهتهم {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} (صّ:6) قاتلوا من أجلها، جاهدوا من أجلها، ضحوا من أجلها، قريش سخّروا الأموال التي جاءت أموال القافلة أموال القافلة أيام غزوة بدر، سخّروها لتمويل جيش ضد محمد، لتمويل جيش ضد محمد (صلوات الله عليه وعلى آله).
فكانوا هكذا في تلك الفترة يوم كانوا لا زالوا ناس، لا زالوا ناس يغضب يثور لتقاليده لثقافته، يغضب على من يظلمه، وأصبحنا هكذا نحن بالثقافة المغلوطة، بالفتاوى المحرفة، بالحكمة التي تُقَدَّم.
لاحظ عندما يقول الله هنا في القرآن الكريم أن من مهام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يعلمنا الكتاب والحكمة. ما هي الحكمة الآن في مواجهة أمريكا وإسرائيل، ومؤامراتهم، وخططهم؟ والتي أصبحت علنيّة ومكشوفة، وأصبحت أيضاً هجمة ليس معها ولا أي ذرة من احترام لهذه الأمة ولا حتى لزعماء هذه الأمة: سخرية، احتقار، امتهان بشكل عجيب، ربما لم يحصل مثل هذا في التاريخ، ما هي الحكمة الآن؟ تجد أنها الحكمة التي يرفضها القرآن، التي يهدد القرآن على من تمسك بها، ما هي الحكمة؟. السكوت، نسكت، ونخضع، ولا أحد يطلّع كلمة، لا شعار يرَدد، ولا تتكلم في أمريكا!.
من العجيب أن هذه الحكمة قد تُعتبر أنها هي الشيء الذي يضمن للناس سلامة ما هم عليه، والذي يضمن للبلد سلامته فلا يهيمن عليه أعداء الله، وأن هذا موقف حكيم.. أن الزعيم الفلاني يمكن من خلال هذه السياسة أن يوفر للبلاد مبالغ كبيرة من الدولارات. [شفتوا أنه رجل حكيم، استطاع أن يخدع الأمريكيين يدخلوا وبعدين باستطاعته يخرجهم هذا بقدر ما يأخذ منهم فلوس] الفلوس نفسها لم يسلموها التي وعد بها الأمريكيون، لم يعطوا حتى لأفغانستان ولم يعطوا لأحد، وعود كاذبة.
ينطلق هـذا التبرير حتى من بعـض أشخاص هـم حملوا القرآن.. وأي عمل آخـر أي عمل هـو وفـق منطق القرآن – الذي هو حكيم كما قال الله فيه – [لا، لا، يُقول لك: لا. هذا تصرّف غلط، وهذا يؤدي إلى القضاء على الزيدية، ويؤدي إلى كذا، ويؤدي…، سَكْتَه، ولا موقف]. انطلقت الحكمة مغلوطة، لم يبق للإنسان حتى تقديراته الطبيعية للأشياء، لم يبق للإنسان هو أن ينطلق في الموقف الطبيعي من القضايا التي أمامه، يُجَمِّدوا الناس، يخذلوا الناس باسم حكمة. وهكذا.
نحن إذا لم نتثقف بثقافة القرآن الكريم فسنفقد كل شيء، وسنعود إلى أُمية كانت الأمية الأولى أفضل منها، كانت الأمية التي قال الله عنها بأنها: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (آل عمران: من الآية164) سنعود إلى مرحلة من الضلال أسوأ أسوأ بكثير مما كان عليه أولئك الذين قال عنهم: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}؛ لأننا فقدنا أن نلتزم بديننا، أن نتمسك بقيمه، وفقدنا أيضاً قيمنا الإنسانية الطبيعية التي هي للإنسان كأي حيوان آخر. أليس الإنسان يتمتع بمشاعر الغضب أحياناً يغضب؟ هذا شيء فطري وغريزي، حب الانتقام، حب التضحية من أجل شيء عزيز عليه؟ سنصبح أُميين أسوأ من الأمية التي كان عليها العرب، حينها لا يبقى لدينا دين، ولا يبقى لدينا نجدة، ولا كرامة، ولا شجاعة، ولا إباء، ولا فروسية، ولا أي شيء آخر.
إذاً فليفهم كل طالب أنه عندما نأتي إلى المدرسة ونتعلم فقد تسمع أنت كلمات من هنا وهناك: (يتعلم واحد ما أوجب الله، وما له وما عليه، يعلم ما لـه وما عليه). ومطبوع في ذهنك وذهن من يحدثك (ما لك وما عليك): أن تعرف كيف تتوضأ وكيف تصلي وكيف تصوم وكيف تزكي وتحج وانتهى الموضوع.لا.. ما لنا وما علينا هو القرآن، باختصار هو القرآن الكريم من ألفه إلى يائه.
فعندما تتصور بأن ثقافة القرآن الكريم هي شيء زيادة على ما لك وما عليك.. أنا أريد أن أقرأ هنا كتاباً فقهياً لأعرف من باب الطهارة إلى نهاية أبواب الفقه، وحينئذٍ أقول: قد عرفت ما لي وما عليّ. هذا غير صحيح، هذا جزء تعرفه مما ينبغي أن تعرفه، تعرف كيف تتوضأ، كيف تتطهر، كيف تصلى، كيف تصوم، كيف تزكي، كيف تحج، كيف تتعامل مع أفراد أسرتك مع والديك، مع إخوانك، كيف تتعامل مع جيرانك، كيف تتعامل مع المجتمع من حولك، كيف تكون كذا.ولكن يبقى المجال واسعاً جداً، في مجالات كثيرة جداً هي أكثر الواجبات، وهي الواجبات المهمة التي إذا لم نلحظها ونتثقف حتى نعرف كيف يمكن أن نصل إلى أدائها سنفقد أيضاً قيمة هذه العبادات التي نقول: نريد أن نتعلمها، تصلي تصبح الصلاة لا قيمة لها في حياتك، لا قيمة لها فيما بينك وبين الله، لا تفهم منها شيئاً، تزكي تحج تعمل أعمالاً من هذه تعتبر في الواقع فاقدة لأثرها في الحياة، فاقدة لما يمكن أن تصنعه في نفسك من أثر يشدك إلى الله سبحانه وتعالى.
فنحن عندما نقول: نتثقف بثقافة القرآن، وعندما نأتي ونقول: نريد أن نتعلم ما أوجب الله علينا، ويدري الإنسان ما له وما عليه، نتجه إلى القرآن الكريم هو ما لنا وهو ما علينا، فيه ما يزكينا، فيه ما يمنحنا الحكمة، فيه ما يهدينا في كل شئون الحياة، فيه ما يجعلنا نموت سعداء ونبعث سعداء، وندخل الجنة، ونسلم من عذاب الله، فالقضية هذه مهمة جداً.
وأعتقد أنه يجب أن يكون أبرز عمل لنا في المراكز، وأبرز عنوان في المراكز وفي حياتنا الثقافية بصورة عامة هي أن نحرص على أن نتثقف بثقافة القرآن الكريم، وأن ندور حول القرآن الكريم، ونهتم بمعارفه وعلومه، ونوطِّن أنفسنا على أن نكون من النوعية الممتازة التي أثنى عليها داخله (المؤمنين).
عندما يقرأ الإنسان صفات المؤمنين في القرآن الكريم يجدها صفات راقية، عندما تعود إلى المجتمع تجدها صفات مفقودة، أليس هذا حاصل؟ وكأن القرآن يتحدث عن نوعية من الناس ليست موجودة؟.
إذاً فعندما أنت – هذا من الخداع للنفس، الإنسان قد يخادع نفسه – : أنا أريد أن أعرف ما لي وما عليّ، ولا أرى أن مما عليّ هو أن أكون ممن يتمتع بتلك المواصفات التي ذكرها الله لأوليائه والمؤمنين من عباده في القرآن الكريم؛ لأن الجنة أعدت لمن؟ أعدت للمؤمنين، أعدت للمتقين، أعدت لأولياء الله، العزة في الدنيا أعدت للمؤمنين {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(المنافقون: من الآية8) الرفعة، الشرف، القوة، التمكين هو للمؤمنين. وفي الآخرة الحساب اليسير لمن؟ لأولياء الله، الأمن لأولياء الله {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا} ألم يقل هكذا؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}(يونس:62)
فعندما يظن الإنسان أن بإمكانه أن يقرأ كتاباً فقهياً، وهو يعلم أنه عندما يقرأ القرآن يجد أن بينه وبين تلك المواصفات التي عرضها الله عن أوليائه عن المؤمنين عن المتقين، أن بينه وبينها مسافات، ويرى الناس من حوله، يرى زملاءه، يرى أسرته، يرى المجتمع كله من حوله بعيداً عن هذه فاعرف بأنك تمشى على طريق هي غير الطريق التي رُسمت للمؤمنين، تؤدي بك إلى غاية هي غير الغاية التي تؤدي إليها السبيل التي رُسمت للمؤمنين. أين يسير المؤمنون؟ أليسوا يسيرون إلى الجنة، يكون حسابهم يسيراً، يُبعثون فرحين يوم القيامة آمنين، ويساقون مكرمين إلى الجنة، فهل تنتظر.. هل تنتظر أنت وأنت تقول: أنك تريد أن تعرف ما لك وما عليك، وأنت لا تحاول أن تتحلى بهذه الصفات التي ذكرها القرآن الكريم للمؤمنين هل تنتظر أن تحشر كالمؤمنين؟ وأن تدخل الجنة كالمؤمنين؟. لا.
والقضية أسوأ من هذه, القضية أيضاً من جانب آخر أسوأ؛ إذا لم يكن الإنسان الذي ينطلق للتعليم، الذي يحمل اسم (مسلم) إذا لم ينطلق وفق المواصفات القرآنية التي أرادها الله للإنسان المسلم فإنه سيكون من يخدم في حياته الباطل أكثر مما يخدم الحق، يخدم الباطل حتى وإن حمل علماً، خاصة إذا كان باطل وراءه يهود.
نقول أكثر من مرة، نقول أكثر من مرة: اليهود يستطيعوا, يستطيعوا أن يُسَيِّروا علماء لخدمتهم، أن يسيروا عبّاد لخدمتهم، إذا لم نعد إلى القرآن ونتثقف بثقافته بمعنى صحيح وبشكل جاد.. يستطيعوا أن يُسيّروا إنساناً يتعبد ليله يُسيّروه يخدمهم، عالِم يخدمهم.
قد تتعلم وتخرج وتخدم اليهود من حيث لا تشعر، من حيث لا تشعر؛ لأنك حينئذٍ لا تتمتع بحكمة، ليس لديك رؤية حكيمة، لا تتمتع بالمواصفات الإيمانية، المواصفات التي ذكرها الله لأوليائه في القرآن الكريم، التي تمنحهم القوة، وتمنحهم الحكمة، وتمنحهم زكاء النفس، فترضى وأنت تحمل القرآن، وهذا من أسوأ الأشياء، ومن أعظم الأشياء إساءة إلى القرآن وإلى الله أن تحمل القرآن الكريم، أن تتعلم القرآن الكريم وتُعلّم القرآن الكريم وفي نفس الوقت تبدو إنساناً هزيلاً, ضعيفاً في مواقفك من أعداء الله.
القرآن الكريم كله قوة، كله عزة، كله شرف، كله رؤى صحيحة وحلول صحيحة تعطي كل من يسيرون على نهجه أن يكونوا بمستوى أن يضربوا أعداء الله كيفما كانوا وكيفما كانت قوتهم، فالذي يحمل القرآن الكريم ولا يتثقف بثقافته – وإن كان يتلوه ليله ونهاره – هو من سيكون في الواقع ممن نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وسترى أن الشخص الذي يحمل القرآن وتراه ضعيفاً في مواقفه من أعداء الله، ضعيفاً في رؤيته للحل الذي يهدي إليه القرآن فاعرف بأنه بمعزل عن القرآن الكريم، وبعيد عن القرآن الكريم، وأنه يسيء
إلى القرآن، وأنه في نفس الوقت سيعكس وضعيته هذه المتردية وضعفه على الآخرين، فيصبحُ قدوة للآخرين في ضعفه بدلاً من أن يكون قدوة للآخرين – وهو يحمل القرآن الكريم – في قوته.
فنحن يجب أن نتعلم القرآن الكريم، وأن نتثقف بثقافته. ومما يعطينا القرآن الكريم سنعرف كيف نقيّم الآخرين، نعرف أن هذا مواقفه قرآنية ومنسجمة مع القرآن، أن هذا – مهما كان شكله، مهما كانت عبادته، مهما كان يمتلك من كتب – يبدو وضعيته غير منسجمة مع القرآن الكريم، رؤاه غير منسجمة مع القرآن الكريم، في الوقت الذي يقول القرآن الكريم للناس يحثهم على الجهاد، يحثهم على الوحدة على الأخوة على الإنفاق في سبيل الله، على أن يبيعوا أنفسهم من الله على أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ويأمرهم بأن يقاتلوا أعداء الله، تجد كلامه – والمسبحة في يده – [مالنا حاجة وأفضل للناس يسكتوا، وقد يكلفوا الناس على نفوسهم…] كلام من هذا النوع، هذا لا يمكن أن يكون منسجماً مع القرآن الكريم.
سنصبح ضحايا لكثير ممن يحملون عِلْماً إذا لم نُمنح – نحن كطلاب علم كناس مسلمين – نُمنح مقاييس قرآنية نستطيع من خلالها أن نعرف ما هي المواقف الصحيحة، ومن الذي تعتبر مواقفه صحيحة، وحركته قرآنية، ومن الذي هو بعيد عن القرآن الكريم، سيصبح الإنسان ضحية، قد تسمع مثلاً [يا خبير سيدي فلان أو سيدنا فلان ما بعده، هو ذاك عالم كبير ما هو حول الأشياء هذه، ولا بيقول كذا، هو بيقول للناس ما بِلاّ با يكلفوا على نفوسهم أحسن للناس يسكتوا ولا يطلعوا كلمة ولا.. ولا.. ما عاد احنا أحسن منه، وما عاد فلان أحسن منه] وبعده.
ما هكذا قد ينطلق الناس على هذا النحو؟. لا.. يجب أن نرجع إلى القرآن الكريم فنستفيد منه كيف نكون حكماء في رؤيتنا، في تقييمنا لأنفسنا أولاً، وفي تقييمنا للآخرين من حولنا، وفي معرفتنا لما يدبره أعداؤنا، وفي معرفتنا لما هو الحل في مواجهة أعدائنا.
متى قدم القرآن الكريم السكوت المطلق كموقف حكيم في مواجهة أعداء الله؟ لا.. قد يُوجّه بمرحلة معينة: اعف واصفح، لفترة معينة، وأنت تشتغل في نفس الوقت، تعمل لا تتوقف إطلاقاً، فقط أجِّلْهم في الموقف هذا، وهم ضعاف، هم لا يشكلون خطورة بالغة، لا تنشغل بهم آناً، في هذا الحال وفي نفس الوقت أنت تعمل، أنت تهيئ، أنت تجهز علناً وسرًّا، سرًّا وعلناً مواقف واضحة.
لأنه يَرِد في القرآن الكريم أحياناً عبارات من هذه: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة: من الآية109) ماذا يعني حتى يأتي الله بأمره؟. وهل الرسول سيعفو ويصفح ويوقِف كل شيء، أم أنه كان ينطلق ويتحرك باستمرار؟ ينطلق ويتحرك باستمرار، إنما ربما هذا الموقف المنطلق من جانب هؤلاء الأعداء يهود معينين لازالوا مستضعفين، موقفهم قد يكون غير خطير في ذلك الزمن، قبيلة معينة خلّيهم لا تنشغل بهم، لا تؤاخذهم على هذا فتغرق أنت في الانشغال بهؤلاء لحالهم.
ينطلق في العمل العام، وفي بناء مجتمع قوي، وفي بناء دولة، وفي بناء أمة، هناك أَمرُ الله في الأخير يستطيع أن يضرب هؤلاء إذا لم يقفوا عند حدودهم، إذا لم يهدَءوا، إذا ما ظلوا يحيكوا المؤامرات ضد النبي وضد الإسلام. لم يأت في القرآن توجيهات بالسكوت المطلق. ومن يتبنى ثقافة غير ثقافة القرآن هو نفسه من يجهل الله سبحانه وتعالى.
أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام
دروس من هدي القرآن الكريم
من ملزمة الثقافة القرآنية
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ2002/08/04
اليمن – صعدة