أزمة التراجع العربي .. الأسباب والخلفيات
صادق البهكلي
تتزايد الحوادث والتطورات في منطقتنا العربية بشكل متسارع، ومعها تتجه أنظار العالم نحو مواقف وتحركات العرب، خاصةً فيما يتعلق بالصراع مع العدو الإسرائيلي. يبدو أن العرب يتجهون بشكل متزايد نحو الولايات المتحدة الأمريكية للبحث عن حلول وتفسيرات لمشكلاتهم مع الكيان العبري. تُظهر هذه الاتجاهات ضعفًا وعجزًا للعرب في التعامل مع قضايا المنطقة والتحديات التي تواجههم.
أحد الأسباب الرئيسية لهذا الانحياز نحو أمريكا هو الشعور بالعجز والضعف الذي يعاني منه العرب في مواجهة القضايا الإقليمية المعقدة، حيث تفتقر الدول العربية إلى التوحد والتنظيم الكافي للتصدي لتحديات الأمن والسياسة. يُضاف إلى ذلك انعدام الثقة في قدرة الدول العربية على إدارة الصراع والتوصل إلى حلول دائمة لعدم الاستقرار في المنطقة، مما يجعلهم يبحثون عن دور أكبر للوساطة الأمريكية، في الوقت نفسه الذي تظهر فيه أمريكا انحيازًا مطلقًا للعدو الإسرائيلي.
مع تزايد التوترات والصراعات في المنطقة، لا تكف الأنظمة العربية عن الهرولة نحو البيت الأبيض، الذي تُدار فيه أغلب مشاكل المنطقة والحروب والمآسي، ومما يدعو للدهشة أن العرب لم يفهموا بعد أن من يقتلهم ويدمر دولهم لن يمنحهم السلام، فلماذا تصر الأنظمة العربية على استجداء الحلول السياسية من أمريكا؟ رغم التعاطي السلبي الأمريكي تجاه مطالب العرب، والذي يصل في الكثير من الأحيان إلى مستوى السخرية والاحتقار للزعماء العرب. بل الغريب أن نجد أنظمة عربية تستميت في تنفيذ المطالب الأمريكية حتى وإن كانت على حساب حقوق الشعوب العربية، ومن أمثلة ذلك ما يجري في فلسطين من إبادة لم يحدث لها مثيل في التاريخ، حيث نجد هذه الأنظمة لا تتورع في تقديم التنازلات على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
في هذا التقرير، سأتناول بعض الأسباب والخلفيات التي جعلت العرب يظهرون بهذا الضعف، رغم أن هناك دولًا غير عربية وغير إسلامية ظهرت بمواقف أكثر فاعلية تجاه الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
الضعف العربي الخلفيات والأسباب
أولاً أسباب ضعف الأمة على المستوى التاريخي
إن الوضعية التي يعيشها العرب والمسلمون اليوم تستدعي قراءة متأنية للأسباب والخلفيات التي أوصلتهم إلى هذا المستوى من الانحطاط والتبعية العمياء لأعدائهم، التي لم تصل إليها أي أمة في هذا الزمن. حتى أمم لا تعرف الله وما زالت تعبد الأوثان والأبقار، ولكنها أرقى في وضعها الاقتصادي والسياسي من العرب بكثير. فلماذا العرب والمسلمون، وقد أكرمهم الله برسالة وكتاب ونبي وقامت لهم دولة وحضارة عظيمة، تساقطت أمامها الكثير من الامبراطوريات في الشرق والغرب؟ لدرجة أنهم باتوا تحت أقدام حفنة من اليهود، وهم من أحقر الخلق وممن ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة ولعنهم، ومع هذا نجد العرب يسارعون فيهم ويتولونهم وهم ينتهكون أعراضهم وكرامتهم في فلسطين وفي غير فلسطين، ومنذ قرون عديدة وسنة بعد سنة والأمة في انحدار يتلوه انحدار، وكل سنة إلى الأسوأ. إن قراءة الأسباب التي أدت إلى أن يصل العرب والمسلمون إلى هذا المستوى من التيه والضياع يحتاج للعودة إلى جذور المشكلة وأسبابها التاريخية..
لقد وصف الله العرب في كتابة الكريم بأنهم كانوا أمة جهل وضلال، يثور بعضهم على بعض، يتناحرون فيما بينهم، يغزو بعضهم بعضاً يعيشون في أمية قال الله عنها: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (آل عمران: من الآية164) ولكن الله أمتن عليهم وأكرمهم وشرفهم بأن جعل منهم نبي وهو آخر الرسل وأعظمهم، هو سيد البشر، وأنزل بلغتهم أعظم الكتب السماوية كتاب للعالمين {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء:195) وبهذا الفضل العظيم منحهم وسام آخر بأنهم جعلهم خير أمة أخرجت للناس وأوسط الأمم وفي المقابل حملهم شرف مسؤولية تبليغ هذه الرسالة إلى العالمين.. رسالة الإسلام التي سمت بهم وجعلها الله شرف عظيم لهم {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}(الزخرف: من الآية44).
لقد قرن الله هذا الشرف وهذه المسؤولية بشروط هامة منها الاستقامة والالتزام بتعاليم الإسلام وبدلاً من التناحر فيما بينهم أعطاهم صراع من آخر سماه (جهاد في سبيله)، وحذرهم في كثير من آيات القرآن الكريم من خطر طائفة من أهل الكتاب، وأضح لهم خطورتهم وأنهم ما يودون لهم أي خير وأنهم سيسعون بكل الطرق لردهم عن دينهم وأن يسلبوهم هذا الشرف الذي منحهم الله حسدا من عند أنفسهم وعداوة لهم، ودعاهم أيضاً إلى الاعتصام بحبل الله والتمسك بمنهج الله والتولي العملي والصادق لرسول الله وللأعلام ولورثة الكتاب من بعده ممن هم مناطون بحمل المسؤولية ومؤهلون لذلك ومن أولئك على سبيل المثال الإمام علي (عليه السلام) الذي قرن الله التولي له بأنه تولي لرسوله وله سبحانه ولكن ما الذي حدث؟
لقد فرطت هذه الأمة للأسف في بداية مبكرة وبالتحديد من بعد وفاة رسول الله، وانحرفت عن مسيرة الإسلام، وعن الطريق الذي رسمه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لها وعن منهج الله الذي وضحه في كتابه وبدلاً من أن تختار أعلام الحق وورثة الكتاب اختارت رموز الضلال والمضلين ممكن وصفهم الإمام الحسين (رضوان الله عليه) بأنهم (اتخذوا عباد الله خولاً ومال الله دولاً)، لقد كانت الأحداث المؤسفة، التي انحرفت بالأمة عن هدي الله وعن منهج رسول الله أحداث مبكرة في واقع الأمة وانعكست سلبا على واقعها وما يحدث اليوم من ضعف وانحطاط لا يمكن فصله عن تلك البدايات فبدلاً من أن تلتف الأمة نحو خليفة رسول الله الإمام علي (عليه السلام) ذلك الإنسان الطاهر المؤمن المجاهد الذي يعرف المسلمون جميعهم في تلك المرحلة مكانته في الإسلام وعند رسول الله وسمعوا رسول وهو يثني عليه وشهدت له مواقفه الكثيرة في السلم والحرب على صدق إيمانه وعظمة إخلاصه لهذا الدين العظيم التفت حول معاوية الطليق ابن الطلقاء ومكنته لأن يتآمر على الإسلام وعلى رموزه فقتل الإمام علي في محراب مسجده وقتل أبنه الإمام الحسن وولى ابنه يزيد المشهور بشارب الخمر الذ أكمل مسيرة والده فقتل سبط رسول وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (رضوان الله عليه) ولك أخي القارئ أن تتخيل كم هي خسارة الأمة في فقدان هؤلاء العظماء وحقيقة لقد خسرت الكثير ودفعت ثمناً باهضا فبدلا أن يقودها الإمام علي الذي كان يقول أن السلطة لا تساوي عنده شراك نعله ما لم يقم حقا أو يدفع باطلا ومثله كان أولاده (صلوات الله عليهم) في مقابل معاوية الذي استأثر بالسلطة وضرب الإسلام في مبادئه ومنهجه وقيادته لأنه في الأساس لم يسلم الا مكرها ويحمل عداء للإسلام ولرسول الله وللإمام علي (عليه السلام) ولبني هاشم بشكل عام وسار على منواله ابنه ومن بعدهم دولة بني أمية الذين ضربوا الإسلام وغيبوا القرآن الكريم وقتلوا وشردوا رموز الإسلام العظماء من أهل واحداً بعد واحد.. وهكذا تتابعت الأحداث والانحرافات جيلاً بعد جيل على أيدي عشاق السطلة وعلماء السوء والضلال عبيد المال وخدام الطواغيت.. بقي أن نذكر أن من أسباب ذلك الانحراف هو التفريط فقط كان هناك عدد كبير من المسلمين وبالذات أهل العراق الذي قام الإمام علي دولته بينهم وبقي يلقي عليهم الخطب والمواعظ ولكنهم للأسف فرطوا يقول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه):
“لماذا رأينا أهل العراق يقفون هم قبل أهل الشام في صف يزيد في مواجهة الحسين نفسه؟! إنه التفريط، ليس فقط التفريط أمام الحدث، بل التفريط يوم نسمع التوجيهات فلا تعطيها أهميتها. أن تحصل حادثة معينة، فتتقاعس، تقاعسك، قعودك، إنما هو نتيجة لتفريطك الأول يوم كنت تسمع توجيهات علي، يوم كنت تسمع إنذار علي، يوم كنت تسمع الحِِكَمَ تتساقط من فم علي كالدرر، فتنظر إليها و كأنها بَعَر، لا تهتم بها.
التفريط.. التفريط إنما هذا منبعه: يوم أن يسمع الناس الكلام، ويسمعون التوجيهات ويسمعون منطق الحق ثم لا يهتمون ولا يبالون، ولا يعطون كل قضية ما تستحقه من الأهمية.
ذلك التفريط هو الذي جعل أهل العراق قبل أهل الشام يصلون إلى كربلاء فيحاصرون الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، وجعلهم قبل أهل الشام يوجهون النبال إلى صدره، وهم من عاش بينهم علي (عليه السلام) سنين يحدثهم ويعظهم ويرشدهم؛ لماذا؟ ما الذي أوصلهم إلى هذا الحد؟.
هم فرطوا, وعندما يفرط الإنسان فيما يسمع ستأتي البدائل المغلوطة، إما أن يتلقاها من أمثاله ممن يفهمون الأمور فهماً مغلوطاً، ممن لا يعرفون عواقب الأمور
بعد أن قُتل الحسين.. (عليه السلام) هل بقيت الأجواء طبيعية؟ هل استقر وضع أهل العراق؟ أم بدأ العراق يغلي، أم بدأت النكبات, والكوارث تتابع على أهل العراق جيلاً بعد جيل إلى هذا العصر الذي نحن فيه. لم يسلم أهل العراق، لم يسلم لهم دينهم، لم تسلم لهم دنياهم، لم تسلم أنفسهم.))
إن الله سبحانه لا يجامل ومتى ما فرط الناس وانحرفوا عن هداه وعن أعلام دينه فهو سيستبدل بهم غيرهم بل وسيلعنهم كما لعن أمم سابقة منحهم من النعم أعظم مما منح العرب ولكنهم عندما فرطوا لعنهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضبه ونقمته..
ثانيا: سلاطين الجور وعلماء السوء ودورهم عبر التاريخ في إضلال الأمة
“من الأسباب الرئيسية التي أوصلت الأمة العربية إلى ما هي عليه اليوم من الضعة والذلة والانحطاط تتمثل في ثنائيين سبق وحذَّر رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” الأمة منهما، ومن دورهما السيء، هما: سلاطين الجور، وعلماء السوء. الطغاة المتجبرون، الذين يتربعون ويتقلدون مقاليد الحكم في هذه الأمة، ويسيطرون عليها من موقع الحكم والسلطة. وإلى جانبهم علماء السوء، الذين يقفون إلى صفهم، ثم يشرعون لهم كل ممارساتهم الإجرامية والمضلة، ويبررونها، ويقدِّمون لها الفتوى، ويقدِّمون المفاهيم الخاطئة والمضلة التي يشرعونها، ويروِّجون لها، ويبررونها، ويهيِّئون لها، وتوجد لها القابلية في الساحة الإسلامية. السياق التاريخي لهذا الانحراف ولهذين الثنائيين كانت ذروته في التاريخ الإسلامي بداية بعصر بني أميَّة وما تلاه.
ولذلك نجد علماء السوء، ومنابر الضلال، ودعاة الضلال، يعملون حتى يومنا هذا على تحريف المفاهيم الدينية، وإلى شرعنة كل أشكال الانحراف بشكلٍ ديني، باسم الدين، والخطاب الديني. هذه عملية إفساد، إفساد للدين نفسه في فهم الناس له، في تصور الناس له، يصبح لديهم تصور فاسد، تصور غير سليم، يبررون ويشرعون حالات الانحراف بما فيها الموالاة، في مقدِّمتها: الموالاة والتبعية لأمريكا وإسرائيل. وهذا ما نشاهده في هذا العصر، كيف يسعى علماء السوء، الذين يقفون في صف المنافقين من أبناء هذه الأمة، في سعيهم لما يسمونه بالتطبيع مع إسرائيل، والتبعية المعلنة والواضحة والصريحة لأمريكا. فيتجهون إلى التبرير تحت العناوين الدينية، بالخطاب الديني، بمسميات دينية، حتى عنوان الإبراهيمية وما يتصل بذلك هو في هذا السياق، وعنوان التقارب والاندماج تحت العناوين الدينية هو في هذا السياق من التحريف، ومحاولة تحريف بعض المعاني للآيات القرآنية هو في هذا السياق، إلى أن ضربوا الأمة ومكنوا أعدائها من استعبادها، واستغلالها، تتحرك وفق مخططاتهم، وفق مؤامراتهم، وفق سياساتهم، التي تحقق مصالحهم هم كأعداء، وتضرب الأمة في كل شيء، وتضرُّ بالأمة في كل شيء من شؤون حياتها، في دينها ودنياها.
ثالثاً: اختراق الأعداء للأمة الإسلامية
لقد انعكس الانحراف المبكر للأمة عن دينها وكتابها على واقعها. فضعفت وتعرضت للكثير من الهجمات على مر تاريخها. تعرضت للحملات الصليبية وللغزو التتري، وتعرضت مدنها للتدمير وحضارتها للنهب والحرق. وتلى ذلك تسميم ثقافتها بأفكار في أغلبها أفكار يهودية، نتج عنها مذاهب ونحل شتى. أما في الواقع المعاصر، فقد تعرضت الأمة للاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي والأمريكي والصهيوني. تم تمزيقها إلى دويلات متعددة، اخذت تكمل ما لم يصل إليها الأعداء. خرج الاستعمار، وبقيت أدواته تنخر عظم الأمة. أما اليوم، فقد قطعت أعدائها شوطاً كبيراً في استهدافها واختراقها من الداخل، وطمعهم كبير في ثروات هذه الأمة، في أوطان هذه الأمة، في السيطرة على أبناء هذه الأمة واستغلالهم بما فيه خدمة أعدائهم، وواقع هذه الأمة على المستوى العام معروف، حالة الاستهداف العدائي من جانب الأمريكيين، والاسرائيليين، وحلفائهم، وأعوانهم، لهذه الأمة على كل المستويات:
– على المستوى السياسي.
– على المستوى العسكري.
– على المستوى الاقتصادي.
– على المستوى الثقافي.
– على المستوى الأخلاقي.
– على المستوى الاجتماعي.
– على المستوى الأمني.
استهدافٌ شامل بكل ما تعنيه الكلمة، والأمة تعاني أشد المعاناة، الأمة في ظل هذا الاستهداف تستهدف نفسياً، مساعي من جانب الأعداء مكثفة لإفساد الأمة، لضربها في كل عوامل القوة المعنوية أولاً؛ لأنه أول ما تحتاجه الأمة لتكون في مستوى مواجهة التحديات، وأول ما يركز عليه الأعداء، ويدركون أنهم لن يتمكنوا من السيطرة على هذه الأمة إلَّا بعد أن يركزوا على هذ الجانب، وأن يستهدفوا الأمة فيه، وهو الجانب المعنوي، العوامل المعنوية، التي تجعل الأمة مستجيبة، ومتحركة، ومنطلقة، وتستشعر مسؤوليتها، وتستعين بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وترتقي نفسياً ومعنوياً، وبالإرادة والعزم والوعي إلى مستوى مواجهة التحديات.
رابعاً: غياب الوعي وانعدام البصيرة لدى النخب السياسية العربية
من الأسباب التي جعلت أمتنا تتلقى الضربات تلو الضربات من قبل أعدائها دون أن تستطيع أن تواجه ضرباتهم، حتى وهي تملك الكثير من الإمكانيات التي من خلالها تستطيع أن توقف هجمات الأعداء. من هذه الإمكانيات امتلاك الجيوش والأسلحة والثروات الهائلة والإمكانات البشرية الكبيرة. ولكنها فيما يخص الدفاع عن الأمة، تم تجميدها من قبل الزعماء الذين يقودون هذه الأمة. بل للأسف، باتت مؤخرًا توظف في خدمة الأعداء. فالكثير من الأنظمة العربية تحولت إلى جنود مجندين لخدمة أعداء الأمة، والتحرك وفق أهوائهم. بل والتولي لهم وتنفيذ مؤامراتهم. ومما يدعو للأسى أن نجد هذه الأنظمة اليوم تقف إلى جانب الإسرائيلي في حرب الإبادة التي يقودها الشعب الفلسطيني الأعزل. بل وتحرك من أجل ذلك كل مؤسساتها الإعلامية والسياسية والاقتصادية لتشويه المقاومة واستهدافها ووصفها بالإرهاب. رأينا قبل ذلك النظام السعودي يتولى مسؤولية العدوان الظالم على اليمن، ومعه النظام الإماراتي والكثير من الأنظمة العربية التي بادرت بإرسال قوات وقدمت دعمًا عسكريًا مباشرًا وغير مباشر. ولكن فيما يخص أعداء الأمة الحقيقيين، جبنت هذه الأنظمة حتى من اتخاذ موقف بالكلمة. بل كل تحركاتهم تصب في خدمة الصهاينة والأمريكان. من المحزن أن نتحدث عن بلادنا العربية المحاطة بالقواعد العسكرية الأمريكية، التي تتحرك لتفتيت الأمة وتدمير بلدانها. فقد دمرت أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال، وتم تمزيق السودان وتحاصر إيران، وتحتل دولًا عربية عدة احتلالًا غير مباشرًا.
من الغريب أن الأعداء لم يعودوا يحترمون هذه الأمة، بل حتى هؤلاء الزعماء الذين يتحركون في خدمة الأمريكي والصهيوني أصبحوا محطًا للسخرية والاحتقار والإذلال من قِبل زعماء أمريكا وزعماء الغرب، وهم يبادلونهم الابتسامات، بدون خجل ولا كرامة. بل ويذهبون لاستجداء السلام من أمريكا ويطلبون منها أن تتدخل وأن تقدم لهم حلًا فيما يخص القضية الفلسطينية، وأمريكا نفسها هي من تدعم الكيان الصهيوني بالمال والسلاح وتوفر له كل الإمكانات العسكرية واللوجستية. بل يعتبر الساسة الأمريكيون استهداف إسرائيل خطًا أحمر ويعلنون بكل وضوح أنهم إلى جانب إسرائيل وأنهم صهاينة. ولكن الأنظمة العربية، عند كل مشكلة، تهرع نحو البيت الأبيض تطلب المساعدة وتطلب السلام وتطلب التدخل الأمريكي، ودائمًا الأمريكي يتدخل إلى جانب اليهود والصهاينة، حتى في مجلس الأمن وفي مختلف المؤسسات الدولية. إسرائيل فوق الجميع، ويتعجب الإنسان من هذا الموقف العربي المخجل عندما يدرك أن حاجة أمريكا للعرب أشد من حاجتها لإسرائيل، كما يقول السيد حسين، لأن العرب هم من يمولون المصانع الأمريكية ويضخون الحياة في الاقتصاد الأمريكي. هم من يعطون أمريكا النفط بقيمة التراب ويودعون أموالهم في البنوك الأمريكية لتستثمر بها أمريكا في مختلف مناحي الحياة. فلماذا لا يفهمون كيف يتصرفون ويتعاملون مع أمريكا؟ لماذا لا يعود العرب إلى دينهم وكتابهم ورسولهم ليعرفوا كيف يحصلون على السلام الحقيقي؟ لماذا موقف العرب الآن هو موقف استسلام، وضعف، وذلة، ودائمًا يقدمون مبادرات سلام وهم في حالة ضعف ما قُبلت..
لأنهم أزاحوا القرآن وقرناء القرآن ازاحوا الإسلام بقيمه ومبادئه والقرآن الكريم في رؤيته للسلام تختلف عن رؤية العرب تماما التي تقوم عليها مبادراتهم للسلام، رؤيته بناء أمة روح جهادية، هنا يصبح العدو نفسه إذا كان يريد سلاما يتحقق يعود إلى هذا الدين سيتحقق له السلام أعني: أليس هو هنا يقول: {يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ}؟ كيف يذكر عمن اتبعوا رضوانه؟ أليس هو يذكر {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ} (البقرة من الآية: 207) {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ} (البقرة من الآية: 265) يذكر الإنفاق في سبيل الله، وبناء أمة، جهاد، توعية لبناء أمة.
الأمريكيين هم عندهم الفكرة هذه بأنك لا تحصل على السلام إلا عندما تبني نفسك، وتصل إلى مواقع قوة، فعندما تدخل في مفاوضات لن تكون أنت بالشكل الذي تهضم في المفاوضات هذه، أو الطرف الآخر هو الذي سيستسلم أمامك ويتحقق لك السلام، أليس هذا عندهم الآن؟ هم عندهم الآن أن القوة هي التي ستحقق لهم السلام .
كن ما حدث هو أن الأمة تعرضت لتضليل رهيب، حيث كان زعماء الأمة ومن يقودها في مقدمة المسهلين والداعمين لهذا التضليل. فقد جاء من يقنعها أن الإسلام دين تخلف وأن القرآن هو الذي جمد الأمة. وبدلاً من القرآن الكريم وقرنائه، قدموا لها ثقافة التعري ورموز الفساد من موسيقيين ومغنين، وشغلوها بميسي ورونالدو وغيرهم من لاعبي كرة القدم والممثلين والممثلات وعارضات الأزياء، وسموهم نجومًا. فيما اشتغلوا دينيًا بتكفير بعضهم البعض وإشعال الصراع بين السنة والشيعة، وإيجاد جماعات مخابراتية ترتدي جلابيب الإسلام وفي نفس الوقت تذبح المسلمين. فكانت النتيجة، على ما نراه، من ضياع وضعف وتيه وانحطاط.
والخلاصة كما يقول السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه): (سنظل دائماً نئن ونتوجع من الأحداث ولا نهتدي لحل, ولا نعرف من الذي وراء ذلك، إذا لم نعد إلى دراسة أسباب الأشياء من أولها, نعود إلى دراسة الأسباب الأولى للأحداث حتى نعرف ما إذا كان هناك في واقعنا شيء من هذه الأسباب متوفر, شيء من هذه الحالة التي أدت إلى تلك النتائج السيئة تعيش عليها الأمة، فإذا ما وجدنا أنفسنا نعيش نفس الشعور، نعيش نفس الحالة فاعرف بأنك إنما ستكون مثل أهل العراق، مثل أهل الشام الذين ظلوا دائماً يتوجعون، مثل هذه الأمة من أولها إلى حاضرها, تتوجع من الأحداث، تتوجع من الكوارث، وتئن وتصرخ ولا ترى مخرجاً, ولا تعرف حلاً.
ما هو الموقف الصحيح؟ هو الموقف الذي وجه إليه القرآن: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}(التوبة:29) أليس هذا هو الموقف القرآني؟ يخاطب الجميع زعماء وشعوب حكومات وشعوب يخاطب الجميع، كل من يحمل اسم الإسلام.
لقد أخبرنا القرآن الكريم من هم أعداؤنا وصفاتهم ومؤامراتهم وبيّن لنا وسائل الصراع معهم وماذا نعمل لمواجهتهم. ومتى عادت الأمة إلى القرآن الكريم ستكون قادرة على الخروج من تحت وصاية وهيمنة أعدائها. فالصراع القائم هو صراع عرب مع يهود، صراع مسلمين بدون إسلام مع يهود، وليس صراعًا إسلاميًا. نحن عندما نرجع إلى صدر الإسلام أيام النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) نرى أنه استطاع أن يقضي على اليهود – وهم هم اليهود في خبثهم ومكرهم – استطاع أن يقضي عليهم على هامش جهاده مع الكافرين، وليس اتجاهًا محددًا ورأسيًا ضد اليهود، بل على هامش حركته العامة، استطاع أن يقضي عليهم، واستطاع أن يحبط كل مخططاتهم، ومؤامراتهم على هامش حركته العامة.”