ملف التطبيع السعودي – الصهيوني حبرٌ على ورق

|| صحافة||

حمل مستشار الأمن القوميّ الأميركي جيك سوليفان ملفاته إلى الرياض، والعنوان الأوحد لمهمته في المباحثات التي أجراها مع ولي العهد محمد بن سلمان الاتفاق على مقدّمات اتفاق التطبيع السعودي – الإسرائيلي. ويأمل الموفد فوق العادة أن يتوّج، في محطته الثانية في “تل أبيب”، نجاح جهود شهور طويلة من النقاشات بين الرياض وواشنطن، وهو سوف يسعى لتحصيل موافقة إسرائيلية مبدئية على النسخة شبه النهائية للاتفاقية الاستراتيجة السعودية – الأميركية، قبل المباشرة بإعداد الصيغة النهائية وصولًا إلى شهر حزيران/يونيو، الموعد المرجح للإعلان عن الاتفاق التاريخي الذي يؤرخ لطيّ صفحة الصراع العربي– الصهيوني.

 

الأهداف الأميركية

تولي الإدارة الأميركية أهمية فائقة لهذا الحدث لما يحقّقه من مصلحة استراتيجية متعدّدة الأبعاد، وأهمها:

– العودة القوية للحضور الأميركي تحت مظلة قديمة – جديدة عنوانها مشروع التسوية وإرساء “السلام” بين الكيان الصهيوني والدول العربية. فقد تهشّم هذا الحضور خلال السنوات العشر الأخيرة بفعل السياسات الأميركية الخاطئة في المنطقة والحروب التي أجّجتها وسقوط صورتها دولةً “راعيةً للسلام”.

– الحد من مفاعيل الاختراق الروسي – الصيني في الدول العربية، ولا سيّما في السعودية، عقب الاتفاقات الاقتصادية الضخمة التي وقّعتها الرياض مع بكين، واستقرار العلاقات الدبلوماسية مع موسكو. وهذه النقطة بالتحديد كانت أحد البنود الرئيسة في المشروع الأميركي.

– إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة وفقًا لمشروع أميركي – إسرائيلي بمشاركة عربية، تؤدي فيه الرياض دورًا رئيسًا لاستيعاب الدول العربية في إطاره، ويحمل هذا المشروع عناوين سياسية وأمنية واقتصاديةـ ولا يبعد أن يتضّمن معاهدات عسكرية في مواجهة “التهديدات المشتركة”.

– إتمام عملية الفرز بين محوري التطبيع والمقاومة، حيث سيشكّل الاتفاق الأميركي – السعودي حظيرة تُدعى إليها الدول العربية والإسلامية لتحصد الإفادة من مندرجاته، أما من يرفض الانضمام فسيكون حتمًا في محور مضاد، ويُصنّف في خانة العداوة.

– قطع الطريق أمام أي فرصة إضافية لتطوير العلاقات بين الدول العربية والإسلامية وإيران، تمهيدًا لقطع الصلات معها واستكمال خطوات عزلها ومعها دول محور المقاومة، وتشكيل حلف إسرائيلي – عربي في مواجهة حلف المحور.

– إسقاط القضية الفلسطينية التي كانت حجر الرحى التي يدور حولها الصراع العربي – الصهيوني، وإزالة “عناصر التفجير” التي تمتلكها حركات المقاومة داخل فلسطين، وذلك من خلال دعم السلطة الفلسطينية ومساعدتها على بسط نفوذها في الضفّة الغربية وقطاع غزّة. ويلي ذلك السعي لتطبيق ما يُسمّى “حلّ الدولتين”، وإحالة هذا الأمر إلى جامعة الدول العربية للتصرّف بما لا يتعارض واتفاقات التطبيع مع “إسرائيل”.

– ضمان أمن “إسرائيل” وإطلاق أخطبوطها في المنطقة، وفرضها دولةً تحظى بشرعية عربية وإسلامية، فضلًا عن الحماية الأميركية التي توجبها الاتفاقات الاستراتيجية بين “تل أبيب” وواشنطن، وحينها يمكن لـ”إسرائيل” تنفيذ مشاريعها التوسعية الاقتصادية وتكريس نفسها محورًا للتجارة العالمية في المنطقة.

– داخليًا، استغلال هذا الاتفاق في دعم حظوظ الرئيس جو بايدن للفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية وتقوية مكامن سيطرة الديمقراطيين على الحكم في الولايات المتحدة، فضلًا عن تمكين واشنطن من حصد مزيد من الهيمنة الاقتصادية على المنطقة وتكبيل دولها باتفاقات استنزافية طويلة الأمد.

 

الأهداف السعودية

حسبما هو معلن، وضعت الرياض حزمة “شروط” لتطبيقها على أنها خطوة لازمة قبل إتمام عملية التطبيع. وهي: إنهاء الحرب في قطاع غزّة والانتقال إلى مرحلة اليوم التالي التي تفترض معالجة المسألة السياسية والعسكرية لحركات المقاومة، اتّخاذ الإجراءات التي تمهّد للبدء بخطوات إقرار حلّ الدولتين. إلا أن ابن سلمان يأمل، في الحقيقة، أن يؤمن له الاتفاق الأميركي – السعودي مجموعة من المكاسب العسكرية والسياسية والاقتصادية؛ وأهمها:

– دعم مساعي الرياض لدخولها إلى نادي الدول النووية والسماح لها بتنفيذ برنامجها الخاص في هذا المجال، مع ما يتطلّب ذلك من موافقة أميركية – إسرائيلية على قيام السعودية بتخصيب اليورانيوم للأغراض المدنية وتخزينه على أرضها، ومن الطبيعي أن تكون مقاليد هذا المسعى برمته بيد الأميركي والإسرائيلي.

– رفع مستوى الدعم العسكري الأميركي للسعودية وتزويدها بالأسلحة المتقدّمة من قبيل طائرات أف – 35 والصواريخ والدبابات المتطوّرة، وقد يكون ذلك في إطار اتفاق فعلي تتعهد فيه واشنطن بموجبه بالتدخّل لحماية السعودية من أي مخاطر قد تتعرّض لها من أي طرف. ولا يبعد بعد ذلك أن تفرض الرياض نفسها عضوًا أساسيًا في الأحلاف العسكرية التي تقودها واشنطن ولا سيما “الناتو”، ومن الطبيعي أن يتطلّب هذا المسعى انكشافًا أمنيًا ومخابراتيًا سعوديًا أكبر أمام الأجهزة الأميركية والإسرائيلية.

– دعم المشاريع الاقتصادية السعودية نظرًا إلى أهميتها ومكانتها الأمنية والاقتصادية في المنطقة، وتشجيع أصحاب رؤوس الأموال الأميركيين والغربيين للاستثمار في مشروع “نيوم” المتعثّر، والذي يأمل ابن سلمان أن يصل به إلى مصاف الدول المتقدّمة في مجالات التجارة المالية العالمية. ومن الطبيعي أن يكون للولايات المتحدة و”إسرائيل” الحصة الأكبر من عائدات المشروع، فضلًا عن تسلّمهما الجزء الأكبر من إدارته وتطويره لمصلحتهما.

–  التعامل مع الرياض على أنها في موقع قيادة دول العالم العربي والإسلامي، وإشراكها في أي مشاريع تسوية في المنطقة، وهذا ما يفترض ابتداع معالجة سياسية للقضية الفلسطينية لا تتفرّد الرياض بالموقف حيالها وتضمن الإجماع العربي والإسلامي عليها وتقبل بها الأنظمة والدول في المنطقة. ولا فرق في أن تكون هذه المعالجة على شكل “حل الدولتين” أو مشروع جديد يجد فيه الفلسطينيون متنفسًا سياسيًا لهم.

 

حبر على ورق

إن أي مسعى أميركي لإنهاء الصراع وتسويق “السلام العربي – الإسرائيلي” يفترض موافقة إسرائيلية مسبقة على أصل المشروع وعلى تعديلاته، ولئن كان بنيامين نتنياهو يحرص على تطبيع العلاقات مع العرب وعلى رأسهم الرياض إلا أنه لن يوافق على أي بند يقضي بإقامة دولة فلسطينية. وهو كسائر مسؤولي العدوّ يصرّحون جهارًا بهذا الموقف؛ بل إن الاتّجاه السائد لديهم هو زيادة عمليات الاستيطان في الأراضي المحتلة في الضفّة الغربية. من جهة ثانية، واشنطن و”تل أبيب” والرياض يطرحون مشروع التطبيع على أنه أمر واقع من دون الأخذ بالحسبان موقف الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى والشعوب العربية تاليًا، وكذلك موقف دول محور المقاومة وحركاتها الجهادية التي أفشلت على مدى الحقبة الماضية المشاريع الأميركية – الإسرائيلية كلّها، سواء أكانت تحت عنوان “شرق أوسط كبير” أو “شرق أوسط جديد”، وعليه، فإن السنّة التاريخية تقضي بحتمية فشل مشروع التطبيع الجديد، وإذا حصل فإنه سيبقى حبرًا على ورق.

 

العهد الاخباري: محمد الحسيني

 

 

 

قد يعجبك ايضا